بسم الله الرحمن الرحيم
الاجتهاد: الشيخ أحمد سلمان: تواصل معي كثير من الإخوة والأخوات من تونس وبعض البلدان الأخرى حول ما ذكرته في برنامج “للتاريخ” من أنّ التشيع قد دخل تونس في سنة 145 هـ للهجرة على يد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وقد كثرت الأسئلة حول مصدر هذه المعلومة ومدى اعتبارها التاريخي وقوّة مصادرها، من هنا أكتب هذه الحلقات لبيان الأمر وتفصيل ما أجلمته في المقابلة:
نبّهت ثورات البربر وانتفاضاتهم المتتالية عقلاء بني أميّة إلى أنّ الفتوحات لم تؤت أكلها، فشعوب البربر لم تسلم حقيقة وإنمّا استسلمت تحت بريق سيوف العرب وحوافر خيلهم، ولذلك بدأ التفكير في الطريقة المثلى لترسيخ الإسلام في أوساطهم فجاءت فكرة “البعثات الدعويّة”.
قام الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بإرسال بعثة دعويّة لتعليم شعوب البربر تعاليم الإسلام، وقد أرّخ ابن عذاري لهذه البعثة حيث قال: وفي سنة 100 ولي إسماعيل بن أبي المهاجر أفريقية من قبل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فكان خير أمير وخير وال، وما زال حريصاً على دعاء البربر إلى الإسلام حتى أسلم بقيّة البربر بأفريقية على يده في دولة عمر بن عبد العزيز،
وهو الذي علّم أهل أفريقية الحلال والحرام وبعث معه عمر عشرة من التابعين أهل علم وفضل منهم عبد الرحمن بن نافع وسعد بن مسعود التجيبي وغيرهما وكانت الخمر بأفريقية حلالاً حتى وصل هؤلاء التابعون فبيّنوا تحريمها(1).
ونجد ذكرا لهذه البعثة في طبقات أبي العرب الذي قال: قد حدّثني فرات بن محمد، أنّ عمر بن عبد العزيز أرسل عشرة من التابعين يفقّهون أهل إفريقيّة،
منهم: موهب بن حي المعافري، وأقام بإفريقيّة حتّى مات بها، وحبان بن أبي جبلة، وإسماعيل بن عبيد الله الأعور القرشي، مولاهم، وكان رجلا صالحا استعمله عمر بن عبد العزيز، ليفقّههم أيضا، وإسماعيل بن عبيد، مولى الأنصار، وهو صاحب سوق مسجد الأحباش، كذا، وهو الذي يقال له: تاجر الله(2).
ومن هنا يمكننا اعتبار هذه البعثة البداية الفعليّة للإسلام في أراضي إفريقيّة، ويكفيك دلالة على هذا أنّ حرمة الخمر التي تعتبر من بديهيّات التشريع الإسلامي لم تكن معروفة في تلك الأراضي حتّى بداية القرن الثاني!
وما ذكرناه آنفا هو البعثة الرسميّة الدينيّة لدولة بني أميّة، إلّا أنّ التاريخ قد حدّثنا عن بعثة أخرى مقاربة لهذه البعثة، وهي بعثة الشيعة رجلين من الدعاة إلى قبائل البربر لدعوتهم إلى التشيّع لأهل النبي (ص) واتباع تعاليمهم، وقد تطابقت النصوص على نقل هذا المقدار:
فقد نقل ابن الأثير في تاريخه: واتصلت أخباره بالشيعة الذين بالعراق فساروا إليه فكثر جمعهم وعظم بأسهم وأغاروا على من جاورهم وسبوا وجبوا الأموال وأرسل إلى من بالكوفة من ولد عبد الله القداح هدايا عظيمة، وكانوا أنفذوا إلى المغرب رجلين أحدهما يعرف بالحلواني والآخر يعرف بأبي سفيان، وقالوا لهم : إنّ المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيء صاحب البذر؛ فسارا فنزل أحدهما بأرض كتامة ببلد يسمى مرمجنة والأخر بسوق حمار، فمالت قلوب أهل تلك النواحي إليهما وحملوا إليهما الأموال والتحف فأقاما سنين كثيرة وماتا وكان أحدهما قريب الوفاة من الآخر(3).
وقال ابن خلدون: وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وإفريقية وسار بها إلى إفريقية رجلان يعرف أحدهما بالحلواني والآخر بالسفياني أنفذهما الشيعة إلى هنالك، وقالوا لهما أنّ المغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر وسارا لذلك ونزلا أرض كتامة أحدهما ببلد يسمّى سوق حمار وفشت هذه الدعوة منهما في أهل تلك النواحي من البربر وخصوصا في كتامة(4).
ونقل المقريزي نصّا مقاربا: واتصلت أخباره بالشيعة الذين بالعراق، فساروا إليه، وكثر جمعهم، وعظم بأسهم، وأغاروا على من جاورهم، وسبوا، وجبوا الأموال، وأرسل إلى من بالكوفة من ولد القدّاح هدايا عظيمة، وأوفدوا إلى المغرب رجلين: أحدهما الحلواني، والآخر أبو سفيان، وقالوا لهما: إنّ المغرب أرض بور، فاذهبا فأحرثا حتى يجيء صاحب البذر، فسارا ونزل أحدهما بأرض كتامة، فمالت قلوب أهل تلك النواحي إليهما، وحملوا إليهما الأموال والتحف، فأقاما سنين كثيرة وماتا(5).
فهذه النصوص المتضافرة تشترك في:
– وجود بعثة دينيّة دعويّة من المشرق أريد بها تعريف البربر بمذهب أهل البيت (ع).
– أنّ هذه البعثة تتكوّن من داعيتين استقرّا بين البربر سنين طويلة وماتا بينهم.
– أنّ الرجل الأوّل يعرف بـ”الحلواني” والثاني بـ”أبي سفيان”(6).
إلّا أنّ النصوص المتقدّمة سكتت عن أمرين مهمّين جدّا أوّلهما تحديد تاريخ هذه البعثة ولو تقريبا، وثانيهما وهو الأهمّ تحديد الرأس المدبّر والمخطّط لهذه البعثة الدينيّة الشيعية، وهذا ما جعلنا نحاول تنقيب كتب التاريخ للبحث عن قرائن قد توصلنا لحلّ هذا الأمر.
وبالرجوع إلى كتب القاضي النعمان فقيه الفاطميين ومؤرّخ دولتهم نجد بعض الأمور التي يمكن الاستناد لها:
فقد أشار في بعض كتبه إلى تقدّم هذه البعثة على دعوة أبي عبد الله الشيعي بالمغرب حيث قال: ونبتدئ أنّه قدم إلى المغرب من قبله مدّة طويلة رجلان من أهل المشرق ويعرفان الأول بالحلواني، والثاني بأبي سفيان، فنزل كل واحد منهما بناحية(7).
والشاهد في كلامه قوله بـ”مدّة طويلة” إذ أنّ هذا التعبير مشعر ببعد الهوّة بين الطرفين وعدم الاتصال المباشر بين الدعوتين.
أضف إلى هذا أنّ هناك قرينة أخرى في بقيّة كلامه يمكنها أن تحسم الجدل في هذه القضيّة وهي قول القاضي: فلمّا صارا إلى مرماجنة نزل أحدهما -وكان يعرف بأبي سفيان- بها بموضع يقال له: تالا في موضع بأرض مرماجنة، بنى فيه مسجد الروم، وتزوج امرأة وكان له عبد وأمة، وكان عابدا عالما يصوم النهار ويقوم الليل ملازما لمسجده، وكان أهل تلك الناحية قد عرفوا وكان يروي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام(8).
فهذا التعبير يفهم منه أنّ “أبا سفيان” كان معاصرا للإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) والذي توفي في سنة 148هـ أي قبل ولادة مهدي الفاطميين بأكثر من قرن حيث ذكرت المصادر التاريخيّة أنّ ولادة هذا الأخير كانت في حدود سنة 260هـ.
والأوضح من كلّ هذا ما ذكره في كتابه “افتتاح الدعوة” حيث أرّخ لهذه البعثة بكلّ دقّة فقال: قدم إلى المغرب في سنة خمس وأربعين ومئة رجلان من المشرق قيل إنّ أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام بعث بهما وأمرهما أن يبسطا ظاهر علم الأئمّة من آل محمد صلوات الله عليهم وينشرا فضلهم، وأمرهما أن يتجاوزا حدود إفريقيّة إلى حدود البربر ثم يفترقان فينزل كلّ واحد منها ناحية… (9).
ومن هنا فإنّ ابن خلدون صرّح في موضع آخر أنّ رأس هذه البعثة هو الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، قال: وكان أصل ظهورهم بإفريقيّة دخول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها، أنفذهما جعفر الصادق وقال لهما: بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر(10).
فبهذا يتبيّن أنّ هناك بعثة دينيّة أخرى كانت في سنة 145 هـ، أرسلها الإمام جعفربن محمد الصادق (ع) بغرض نشر التشيّع في بلاد المغرب وتعريف أهلها بمدرسة أهل البيت (ع).
الهوامش
(1) البيان المغرب 1/48.
(2) طبقات علماء إفريقيّة 20.
(3) الكامل في التاريخ 8/31.
(4) تاريخ ابن خلدون 3/361.
(5) اتعاظ الحنفاء 1/41.
(6) لم تذكر المصادر التاريخيّة الاسم الكامل لكلّ شخصيّة من هؤلاء إيغالا في السريّة، وما نسبه بعضهم للمقريزي في: اتعاظ الحنفاء” من أنّهما: أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد، وأخوه أبو العباس محمد بن أحمد بن محمد محض اشتباه.
(7) شرح الأخبار 3/413.
(8) شرح الأخبار 3/414.
(9) افتتاح الدعوة 23.
(10) تاريخ ابن خلدون 4/31.
المصدر: صفحة الشيخ أحمد سلمان على الفيسبوك
الاجتهاد: الشيخ أحمد سلمان: تواصل معي كثير من الإخوة والأخوات من تونس وبعض البلدان الأخرى حول ما ذكرته في برنامج “للتاريخ” من أنّ التشيع قد دخل تونس في سنة 145 هـ للهجرة على يد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وقد كثرت الأسئلة حول مصدر هذه المعلومة ومدى اعتبارها التاريخي وقوّة مصادرها، من هنا أكتب هذه الحلقات لبيان الأمر وتفصيل ما أجلمته في المقابلة:
نبّهت ثورات البربر وانتفاضاتهم المتتالية عقلاء بني أميّة إلى أنّ الفتوحات لم تؤت أكلها، فشعوب البربر لم تسلم حقيقة وإنمّا استسلمت تحت بريق سيوف العرب وحوافر خيلهم، ولذلك بدأ التفكير في الطريقة المثلى لترسيخ الإسلام في أوساطهم فجاءت فكرة “البعثات الدعويّة”.
قام الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بإرسال بعثة دعويّة لتعليم شعوب البربر تعاليم الإسلام، وقد أرّخ ابن عذاري لهذه البعثة حيث قال: وفي سنة 100 ولي إسماعيل بن أبي المهاجر أفريقية من قبل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فكان خير أمير وخير وال، وما زال حريصاً على دعاء البربر إلى الإسلام حتى أسلم بقيّة البربر بأفريقية على يده في دولة عمر بن عبد العزيز،
وهو الذي علّم أهل أفريقية الحلال والحرام وبعث معه عمر عشرة من التابعين أهل علم وفضل منهم عبد الرحمن بن نافع وسعد بن مسعود التجيبي وغيرهما وكانت الخمر بأفريقية حلالاً حتى وصل هؤلاء التابعون فبيّنوا تحريمها(1).
ونجد ذكرا لهذه البعثة في طبقات أبي العرب الذي قال: قد حدّثني فرات بن محمد، أنّ عمر بن عبد العزيز أرسل عشرة من التابعين يفقّهون أهل إفريقيّة،
منهم: موهب بن حي المعافري، وأقام بإفريقيّة حتّى مات بها، وحبان بن أبي جبلة، وإسماعيل بن عبيد الله الأعور القرشي، مولاهم، وكان رجلا صالحا استعمله عمر بن عبد العزيز، ليفقّههم أيضا، وإسماعيل بن عبيد، مولى الأنصار، وهو صاحب سوق مسجد الأحباش، كذا، وهو الذي يقال له: تاجر الله(2).
ومن هنا يمكننا اعتبار هذه البعثة البداية الفعليّة للإسلام في أراضي إفريقيّة، ويكفيك دلالة على هذا أنّ حرمة الخمر التي تعتبر من بديهيّات التشريع الإسلامي لم تكن معروفة في تلك الأراضي حتّى بداية القرن الثاني!
وما ذكرناه آنفا هو البعثة الرسميّة الدينيّة لدولة بني أميّة، إلّا أنّ التاريخ قد حدّثنا عن بعثة أخرى مقاربة لهذه البعثة، وهي بعثة الشيعة رجلين من الدعاة إلى قبائل البربر لدعوتهم إلى التشيّع لأهل النبي (ص) واتباع تعاليمهم، وقد تطابقت النصوص على نقل هذا المقدار:
فقد نقل ابن الأثير في تاريخه: واتصلت أخباره بالشيعة الذين بالعراق فساروا إليه فكثر جمعهم وعظم بأسهم وأغاروا على من جاورهم وسبوا وجبوا الأموال وأرسل إلى من بالكوفة من ولد عبد الله القداح هدايا عظيمة، وكانوا أنفذوا إلى المغرب رجلين أحدهما يعرف بالحلواني والآخر يعرف بأبي سفيان، وقالوا لهم : إنّ المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيء صاحب البذر؛ فسارا فنزل أحدهما بأرض كتامة ببلد يسمى مرمجنة والأخر بسوق حمار، فمالت قلوب أهل تلك النواحي إليهما وحملوا إليهما الأموال والتحف فأقاما سنين كثيرة وماتا وكان أحدهما قريب الوفاة من الآخر(3).
وقال ابن خلدون: وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وإفريقية وسار بها إلى إفريقية رجلان يعرف أحدهما بالحلواني والآخر بالسفياني أنفذهما الشيعة إلى هنالك، وقالوا لهما أنّ المغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر وسارا لذلك ونزلا أرض كتامة أحدهما ببلد يسمّى سوق حمار وفشت هذه الدعوة منهما في أهل تلك النواحي من البربر وخصوصا في كتامة(4).
ونقل المقريزي نصّا مقاربا: واتصلت أخباره بالشيعة الذين بالعراق، فساروا إليه، وكثر جمعهم، وعظم بأسهم، وأغاروا على من جاورهم، وسبوا، وجبوا الأموال، وأرسل إلى من بالكوفة من ولد القدّاح هدايا عظيمة، وأوفدوا إلى المغرب رجلين: أحدهما الحلواني، والآخر أبو سفيان، وقالوا لهما: إنّ المغرب أرض بور، فاذهبا فأحرثا حتى يجيء صاحب البذر، فسارا ونزل أحدهما بأرض كتامة، فمالت قلوب أهل تلك النواحي إليهما، وحملوا إليهما الأموال والتحف، فأقاما سنين كثيرة وماتا(5).
فهذه النصوص المتضافرة تشترك في:
– وجود بعثة دينيّة دعويّة من المشرق أريد بها تعريف البربر بمذهب أهل البيت (ع).
– أنّ هذه البعثة تتكوّن من داعيتين استقرّا بين البربر سنين طويلة وماتا بينهم.
– أنّ الرجل الأوّل يعرف بـ”الحلواني” والثاني بـ”أبي سفيان”(6).
إلّا أنّ النصوص المتقدّمة سكتت عن أمرين مهمّين جدّا أوّلهما تحديد تاريخ هذه البعثة ولو تقريبا، وثانيهما وهو الأهمّ تحديد الرأس المدبّر والمخطّط لهذه البعثة الدينيّة الشيعية، وهذا ما جعلنا نحاول تنقيب كتب التاريخ للبحث عن قرائن قد توصلنا لحلّ هذا الأمر.
وبالرجوع إلى كتب القاضي النعمان فقيه الفاطميين ومؤرّخ دولتهم نجد بعض الأمور التي يمكن الاستناد لها:
فقد أشار في بعض كتبه إلى تقدّم هذه البعثة على دعوة أبي عبد الله الشيعي بالمغرب حيث قال: ونبتدئ أنّه قدم إلى المغرب من قبله مدّة طويلة رجلان من أهل المشرق ويعرفان الأول بالحلواني، والثاني بأبي سفيان، فنزل كل واحد منهما بناحية(7).
والشاهد في كلامه قوله بـ”مدّة طويلة” إذ أنّ هذا التعبير مشعر ببعد الهوّة بين الطرفين وعدم الاتصال المباشر بين الدعوتين.
أضف إلى هذا أنّ هناك قرينة أخرى في بقيّة كلامه يمكنها أن تحسم الجدل في هذه القضيّة وهي قول القاضي: فلمّا صارا إلى مرماجنة نزل أحدهما -وكان يعرف بأبي سفيان- بها بموضع يقال له: تالا في موضع بأرض مرماجنة، بنى فيه مسجد الروم، وتزوج امرأة وكان له عبد وأمة، وكان عابدا عالما يصوم النهار ويقوم الليل ملازما لمسجده، وكان أهل تلك الناحية قد عرفوا وكان يروي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام(8).
فهذا التعبير يفهم منه أنّ “أبا سفيان” كان معاصرا للإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) والذي توفي في سنة 148هـ أي قبل ولادة مهدي الفاطميين بأكثر من قرن حيث ذكرت المصادر التاريخيّة أنّ ولادة هذا الأخير كانت في حدود سنة 260هـ.
والأوضح من كلّ هذا ما ذكره في كتابه “افتتاح الدعوة” حيث أرّخ لهذه البعثة بكلّ دقّة فقال: قدم إلى المغرب في سنة خمس وأربعين ومئة رجلان من المشرق قيل إنّ أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام بعث بهما وأمرهما أن يبسطا ظاهر علم الأئمّة من آل محمد صلوات الله عليهم وينشرا فضلهم، وأمرهما أن يتجاوزا حدود إفريقيّة إلى حدود البربر ثم يفترقان فينزل كلّ واحد منها ناحية… (9).
ومن هنا فإنّ ابن خلدون صرّح في موضع آخر أنّ رأس هذه البعثة هو الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، قال: وكان أصل ظهورهم بإفريقيّة دخول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها، أنفذهما جعفر الصادق وقال لهما: بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر(10).
فبهذا يتبيّن أنّ هناك بعثة دينيّة أخرى كانت في سنة 145 هـ، أرسلها الإمام جعفربن محمد الصادق (ع) بغرض نشر التشيّع في بلاد المغرب وتعريف أهلها بمدرسة أهل البيت (ع).
الهوامش
(1) البيان المغرب 1/48.
(2) طبقات علماء إفريقيّة 20.
(3) الكامل في التاريخ 8/31.
(4) تاريخ ابن خلدون 3/361.
(5) اتعاظ الحنفاء 1/41.
(6) لم تذكر المصادر التاريخيّة الاسم الكامل لكلّ شخصيّة من هؤلاء إيغالا في السريّة، وما نسبه بعضهم للمقريزي في: اتعاظ الحنفاء” من أنّهما: أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد، وأخوه أبو العباس محمد بن أحمد بن محمد محض اشتباه.
(7) شرح الأخبار 3/413.
(8) شرح الأخبار 3/414.
(9) افتتاح الدعوة 23.
(10) تاريخ ابن خلدون 4/31.
المصدر: صفحة الشيخ أحمد سلمان على الفيسبوك
تعليق