وهي حادثة مشهورة وقعت في الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة عام 63 هجرية، استباح فيها يزيد بن
معاوية مدينة الرسول صلى الله عليه واله، والواقعة حدثت في حرّة واقم، وهي الحرّة الشرقية من المدينة وهي:
"أطم من آطام المدينة تنسب إليه الحرّة"، وكانت أول واقعة يتمرّد فيها أهل المدينة على حكومة يزيد بن
معاوية بعد واقعة الطف، استنكاراً لمقتل الامام الحسين عليه السلام ورفضاً للسيادة الأموية على مقدّرات
المسلمين، وانتهت الواقعة بسيطرة جيش الشام واستباحته المدينة ثلاثة أيام فكثر القتل والنهب والسلب والاعتداء
على الأعراض، خلافاً لتحذيرات رسول الله صلى الله عليه واله المتكررة من الاعتداء على أهل المدينة، فقد قال
صلى الله عليه واله: "من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، ولما مرّ
رسول الله صلى الله عليه واله بالحرّة وقف فاسترجع وقال: "يُقتل في هذه الحرة خيار أمتي".
وأسباب وقوع هذه الفاجعة أنه كان لمعاوية سياسة خاصة تختلف عن سياسة ابنه يزيد، فكان يستخدم الشدّة مع
اللين في سياسته مع أهل المدينة، وكان مدارياً للأنصار بأساليب عديدة من إغراء وخداع وترغيب وإذا لم تنفع
هذه فيأتي دور الترهيب، فأبقى أحقادهم وكراهيتهم لحكمه في نطاق المعارضة السلمية، ولم تظهر منه موبقات
كالتي ظهرت في عهد يزيد، فتحولت المعارضة السلمية إلى معارضة مسلحة أفرزتها الممارسات السلبية التي
ارتكبها يزيد في سنوات حكمه القليلة منها: نشر الفسق والفجور والفساد، مقتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل
بيته عليهم السلام ، السخط العام على الحكم الأموي بسبب النهج الجائر من اعتداء على أهالي المدينة.
وكان على رأس الجيش الشامي مسلم بن عقبة وقد سُمي (مسرف)؛ لإسرافه في إبادة أهل المدينة وإكثار القتل
فيهم ثلاثة أيام، حتى بلغ العدد الذي أُحصي يومئذٍ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبعمائة،
ومن سائر الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان وقُتل من أصحاب النبي صلى الله عليه واله ثمانون رجلاً،
ولم يبقَ بدريّ بعد ذلك.
لم يرعَ الجيش الشامي أية حرمة للنساء والأطفال، فاستقبلوا أوامر الإباحة باندفاع منقطع النظير، وحوّلوها إلى
واقع ملموس، فبعد هزيمة أهالي المدينة افتض فيها ألف عذراء وأنه "حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير
زوج"، ثم انتهبوا أموال الأهالي بشكل وحشي وسلبوا كلّ ما وصلت إليه أيديهم.
تركت هذه الواقعة غصة في النفوس وجراحاً لا تندمل وقلوباً ما زالت ملتاعة لانتهاب مدينة سيد الكونين وسجّل
التاريخ في طياته عنها أفضع ما سجّله عن غيرها من الوقائع، فبقيت وصمة عار في جبين آل أمية إلى أبد
الآبدين.
غفران صلاح الطائي
تم نشره في المجلة العدد 63