مقدّمة
إنّ المنظومة الدينية سواء كانت على مستوى الفكر أو السلوك تحاول في مجالات متعدّدة إيجاد حالة من التلاقي بين عالمين مختلفين، هما: العالم المنظور والعالم الميتافيزيقي؛ فالإنسان الدنيوي قد ينشغل وهو يعيش في غمرة المادّيات عن الالتفات إلى حاجته الفطرية التي تدعوه إلى ضرورة الارتباط بخالقه ومدبّر شؤونه، ومع عدم تلبية هذه الحاجة فإنّ هذا الكائن سيصبح كالآلة التي تعمل بلا مشاعر أو أحاسيس، وإذا ضممنا إلى ذلك الاستعداد التخريبي الذي يحمله بفعل هوى نفسه الأمّارة وإغواء الشيطان له، فإنّه سيكون مصدراً للإفساد وسفك الدماء في هذه الأرض.
إنّ هذه الوظيفة التي يؤدّيها الدين لها عدّة تمظهرات، منها عبادات بدنية تؤدّى بشكل يومي كالصلاة، أو تؤدّى في السَّنة مرّة واحدة كصيام شهر رمضان، ومنها عبادات مالية كالزكاة والخمس، ومنها ربط المسلم بمَن سبقه من الذين حملوا نشر تعاليم هذا الدين الحنيف والمحافظة عليه؛ وذلك ليبقى ـ هذا المسلم ـ متمسّكاً بعرى هذا الدين ومطبّقاً لتعاليمه، ومن المجالات التي اشتملت على هذه الحالة هي زيارة مراقد الأولياء والصالحين، وقد برزت هذه الحالة بشكل جلي في الفكر الشيعي الذي سعى ـ من خلال الاعتماد على النصوص الشرعية ـ إلى ربط أتباعه بالنبي(صلى الله عليه واله) وآل بيته البررة(عليهم السلام)؛ بغية تأمين الضمانات التي تمنع من وقوع الانحراف الذي تُمنى به ـ في الأعمّ الأغلب ـ سائر الدعوات الأُخرى، وضعية كانت أو دينية؛ وعليه فجعل هذا الفكر أتباعه يعيشون حالة الامتداد الروحي من زمن حياة أئمتهم(عليهم السلام) إلى ما يليه من خلال مَعلَم ديني هو تعاهد قبورهم وزيارتها باستمرار، كان من أبرز النجاحات التي حقّقها المذهب الشيعي على مرّ التاريخ، والتي ضمنت له نصرة أتباعه في أحلك الظروف وأشدّها.
ومن أبرز مصاديق الزيارة الذي أكّدته النصوص الروائية هو زيارة مرقد المولى أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)؛ والسبب يعود إلى كون الشخص الذي يعيش أجواء النهضة الحسينية المباركة يعي تماماً أنّ هذه الحركة التغييرية والإصلاحية كانت من أجل الحفاظ على بيضة الدين الإسلامي، ولا يبذل المتابع جهداً للوصول إلى هذه الحقيقة، فبمراجعة بسيطة للنصوص المنقولة عن قائد هذه النهضة (الإمام الحسين(عليه السلام)) يقف على مدى حرصه وتفانيه من أجل الدفاع عن الإسلام عقيدة وسلوكاً، فقد قال(عليه السلام) مخاطباً مروان بن الحكم عندما طلب منه البيعة ليزيد: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[1]. وقال(عليه السلام) أيضاً في وصيّته التي كتبها إلى بني هاشم عن طريق أخيه محمد بن الحنفية: «وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب(عليهما السلام)»[2].
ولم يقف الإمام(عليه السلام) على مستوى طرح الشعارات فقط، بل جسّدها كواقع عملي من خلال التضحيات الجسام التي قدّمها هو ومَن معه على عرصات كربلاء في ذلك اليوم الدموي الذي قلّ نظيره في تاريخ البشرية، والذي يحتّم على كلّ مَن سار على نهج أهل البيت(عليهم السلام) أو كان محبّاً لهم ومؤمناً بمودّتهم لقربهم من رسول الله(صلى الله عليه واله)، أن ينصر الإمام، بل ينصر الإسلام. وهذه النصرة لا تتوقّف على معاصرة أحداث واقعة الطفّ، بل تمتدّ ما دام هناك خطر يداهم هذا الدين الحنيف، وما دام هناك أُناس حريصون على بقائه ناصعاً بعيداً عن أيّ أنواع التزييف والتشويه، فالوقوف على قبره الشريف هو بمثابة تجديد البيعة له ولنهجه.
ومن هنا؛ نجد الحثّ الكبير من قبل أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) على ضرورة أداء هذه الزيارة وعدم تركها، وفي مقابل ذلك نرى السعي الحثيث الذي يبذله الطغاة والجبابرة والمغرضون من أجل مَحق هذه الشعيرة أو تضعيفها في نفوس الناس بواسطة إثارة الإشكالات حولها. لكن هيهات هيهات من أن يغلب صوت الباطل ما دامت هذه القبّة الذهبية المتلألئة في كربلاء ـ وكذلك سائر القبب الأُخرى لهم(عليهم السلام) ـ مناراً يضيء دروب السالكين، وسبيلاً أُرغمت وستُرغم فيه أنوف جميع جحدة الحقّ وأعداء إقامة العدالة بين البشر.
هذا، وإنّنا في هذا المقال بصدد تبيين المراد من هذه الشعيرة على المستويين الشرعي والعرفي، ساعين من وراء ذلك إلى إخضاع الأداء الصادر من عامّة الناس عند زيارتهم للأُطر الشرعية المفادة من آيات الكتاب العزيز والروايات الشريفة. وبضميمة ما سنذكره من آداب لهذه الشعيرة المقدّسة، فإنّنا سنبيّن بأنّ الزائر لهذه الروضة المباركة يمتلك حالة روحية معنوية تجعله في مصافّ أنصار الإمام(عليه السلام)، مضافاً إلى ما يترشّح منها من إرادة قوية تُعينه على تقوية رصيده الديني على المستويين العقدي والسلوكي. والأهمّ من ذلك فإنّ التحديد الشرعي لأُطر الارتباط بالمقدّس والكيفية التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان في المقام، لهو الضامن الحقيقي لإيجاد حالة التلاقي ـ المشار إليها ـ بين العالـمَين: المنظور والميتافيزيقي، والتي تبتعد عن كلّ مظاهر الانحراف عن الجادة المستقيمة للوصول إلى الحقّ تعالى اسمه.
هذا، ومع ملاحظة عنوان المقال مورد البحث والتحقيق فإنّ حديثنا سوف يكون في جهتين أساسيتين:
إنّ المنظومة الدينية سواء كانت على مستوى الفكر أو السلوك تحاول في مجالات متعدّدة إيجاد حالة من التلاقي بين عالمين مختلفين، هما: العالم المنظور والعالم الميتافيزيقي؛ فالإنسان الدنيوي قد ينشغل وهو يعيش في غمرة المادّيات عن الالتفات إلى حاجته الفطرية التي تدعوه إلى ضرورة الارتباط بخالقه ومدبّر شؤونه، ومع عدم تلبية هذه الحاجة فإنّ هذا الكائن سيصبح كالآلة التي تعمل بلا مشاعر أو أحاسيس، وإذا ضممنا إلى ذلك الاستعداد التخريبي الذي يحمله بفعل هوى نفسه الأمّارة وإغواء الشيطان له، فإنّه سيكون مصدراً للإفساد وسفك الدماء في هذه الأرض.
إنّ هذه الوظيفة التي يؤدّيها الدين لها عدّة تمظهرات، منها عبادات بدنية تؤدّى بشكل يومي كالصلاة، أو تؤدّى في السَّنة مرّة واحدة كصيام شهر رمضان، ومنها عبادات مالية كالزكاة والخمس، ومنها ربط المسلم بمَن سبقه من الذين حملوا نشر تعاليم هذا الدين الحنيف والمحافظة عليه؛ وذلك ليبقى ـ هذا المسلم ـ متمسّكاً بعرى هذا الدين ومطبّقاً لتعاليمه، ومن المجالات التي اشتملت على هذه الحالة هي زيارة مراقد الأولياء والصالحين، وقد برزت هذه الحالة بشكل جلي في الفكر الشيعي الذي سعى ـ من خلال الاعتماد على النصوص الشرعية ـ إلى ربط أتباعه بالنبي(صلى الله عليه واله) وآل بيته البررة(عليهم السلام)؛ بغية تأمين الضمانات التي تمنع من وقوع الانحراف الذي تُمنى به ـ في الأعمّ الأغلب ـ سائر الدعوات الأُخرى، وضعية كانت أو دينية؛ وعليه فجعل هذا الفكر أتباعه يعيشون حالة الامتداد الروحي من زمن حياة أئمتهم(عليهم السلام) إلى ما يليه من خلال مَعلَم ديني هو تعاهد قبورهم وزيارتها باستمرار، كان من أبرز النجاحات التي حقّقها المذهب الشيعي على مرّ التاريخ، والتي ضمنت له نصرة أتباعه في أحلك الظروف وأشدّها.
ومن أبرز مصاديق الزيارة الذي أكّدته النصوص الروائية هو زيارة مرقد المولى أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)؛ والسبب يعود إلى كون الشخص الذي يعيش أجواء النهضة الحسينية المباركة يعي تماماً أنّ هذه الحركة التغييرية والإصلاحية كانت من أجل الحفاظ على بيضة الدين الإسلامي، ولا يبذل المتابع جهداً للوصول إلى هذه الحقيقة، فبمراجعة بسيطة للنصوص المنقولة عن قائد هذه النهضة (الإمام الحسين(عليه السلام)) يقف على مدى حرصه وتفانيه من أجل الدفاع عن الإسلام عقيدة وسلوكاً، فقد قال(عليه السلام) مخاطباً مروان بن الحكم عندما طلب منه البيعة ليزيد: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[1]. وقال(عليه السلام) أيضاً في وصيّته التي كتبها إلى بني هاشم عن طريق أخيه محمد بن الحنفية: «وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب(عليهما السلام)»[2].
ولم يقف الإمام(عليه السلام) على مستوى طرح الشعارات فقط، بل جسّدها كواقع عملي من خلال التضحيات الجسام التي قدّمها هو ومَن معه على عرصات كربلاء في ذلك اليوم الدموي الذي قلّ نظيره في تاريخ البشرية، والذي يحتّم على كلّ مَن سار على نهج أهل البيت(عليهم السلام) أو كان محبّاً لهم ومؤمناً بمودّتهم لقربهم من رسول الله(صلى الله عليه واله)، أن ينصر الإمام، بل ينصر الإسلام. وهذه النصرة لا تتوقّف على معاصرة أحداث واقعة الطفّ، بل تمتدّ ما دام هناك خطر يداهم هذا الدين الحنيف، وما دام هناك أُناس حريصون على بقائه ناصعاً بعيداً عن أيّ أنواع التزييف والتشويه، فالوقوف على قبره الشريف هو بمثابة تجديد البيعة له ولنهجه.
ومن هنا؛ نجد الحثّ الكبير من قبل أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) على ضرورة أداء هذه الزيارة وعدم تركها، وفي مقابل ذلك نرى السعي الحثيث الذي يبذله الطغاة والجبابرة والمغرضون من أجل مَحق هذه الشعيرة أو تضعيفها في نفوس الناس بواسطة إثارة الإشكالات حولها. لكن هيهات هيهات من أن يغلب صوت الباطل ما دامت هذه القبّة الذهبية المتلألئة في كربلاء ـ وكذلك سائر القبب الأُخرى لهم(عليهم السلام) ـ مناراً يضيء دروب السالكين، وسبيلاً أُرغمت وستُرغم فيه أنوف جميع جحدة الحقّ وأعداء إقامة العدالة بين البشر.
هذا، وإنّنا في هذا المقال بصدد تبيين المراد من هذه الشعيرة على المستويين الشرعي والعرفي، ساعين من وراء ذلك إلى إخضاع الأداء الصادر من عامّة الناس عند زيارتهم للأُطر الشرعية المفادة من آيات الكتاب العزيز والروايات الشريفة. وبضميمة ما سنذكره من آداب لهذه الشعيرة المقدّسة، فإنّنا سنبيّن بأنّ الزائر لهذه الروضة المباركة يمتلك حالة روحية معنوية تجعله في مصافّ أنصار الإمام(عليه السلام)، مضافاً إلى ما يترشّح منها من إرادة قوية تُعينه على تقوية رصيده الديني على المستويين العقدي والسلوكي. والأهمّ من ذلك فإنّ التحديد الشرعي لأُطر الارتباط بالمقدّس والكيفية التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان في المقام، لهو الضامن الحقيقي لإيجاد حالة التلاقي ـ المشار إليها ـ بين العالـمَين: المنظور والميتافيزيقي، والتي تبتعد عن كلّ مظاهر الانحراف عن الجادة المستقيمة للوصول إلى الحقّ تعالى اسمه.
هذا، ومع ملاحظة عنوان المقال مورد البحث والتحقيق فإنّ حديثنا سوف يكون في جهتين أساسيتين:
تعليق