حدود الصداقة

[الاسلام الغريب]

لقد خلق الله تعالى الإنسان وجعله اجتماعي الطبع، لذا تجده يعيش ضمن جماعات فلا يعيش منزوياً وحده؛ لأنه بحاجة دائمة لأبناء جنسه، فهو دائم البحث عن الرفقة والصحبة، حتى أنه يمكنك أن تعرف شخصية الإنسان من رفقائه، لذا علينا أن نحسن اختيار الصديق الذي يستحق أن نُقرن به.
والصداقة عنوان عظيم ينطوي على معان كبيرة وكثيرة، ويكفي أن يُقال: (ربّ أخ لم تلده أمك)، وقد يصبح أكثر من الأخ قرباً، وبطبيعة الحال يحتاج الإنسان في بعض الأحيان إلى ركن هادئ وسند أمين يستند عليه، ليبث همومه ويكتم أسراره، أو للترويح عن نفسه، وهذا الركن قد لا يجده في حدود الأسرة، وإنما يجده في حدود الصداقة الحقيقية، فيجد الحل والدواء الشافي لدى ذلك الصديق الوفي.
وهذا الصديق وإن عزّ فلا بدّ منه، وعلى أحدنا البحث عنه، فالجواهر الثمينة لا توجد مرمية على وجه الأرض إنما تحتاج لمن ينقّب ويبحث عنها، والأمر جدير بهذا الجهد ويستحقه.
ومن المهم معرفته والإشارة إليه أن الكثير من الصداقات قد تصطدم بالواقع المؤلم وتنهار عند محالك الظروف، هذا لأن بناء حصن الصديق لم يكن بالشكل المطلوب، إذ لا بد من أن تتحرّى عن الصديق الصدوق الذي تتوافق روحه مع روحك، بحيث أن غيابه سيحدث فراغاً تشعر به مجرد ابتعاده عنك، وتحس أن شيئاً ينقصك، ولا بد من أن يمتاز هذا الصديق عن غيره بمواصفات تؤهله لأن يكون محلاً لثقتك وموطناً لأسرارك.
وكذلك من المهم جداً أن تكون هناك حدود بين الصديقين على كل منهما معرفتها حتى لا تصل الصداقة إلى مرحلة الانهيار، ومع الأسف إن أكثر الصداقات المنهارة من هذا النوع، وعليه لا يمكن أن تكون هناك قلعة للصداقة وهي من غير حدود تحدّها، فسرعان ما ينهار ذلك البناء عند الأزمات.
ويدلّنا الإمام الصادق (عليه السلام) على تلك الحدود فيقول: «لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة؛ فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثاني: أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة: ألّا تغيّره عليك ولاية ولا مال، والرابعة: ألّا يمنعك شيئاً تناله مقدرته، والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال ألّا يُسلمك عند النكبات» (الكافي: 2/467/6).
علي عبد الجواد