بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، سورة النحل، الآيتان: 68-69.
انتقل الأسلوب القرآني بهاتين الآيتين من عرض النعم الإلهية المختلفة وبيان أسرار الخليقة إلى الحديث عن " النحل " وما يدره من منتوج (العسل) ورمز إلى ذلك الالهام الخفي بالوحي الإلهي إلى النحل: أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون.
وفي الآية المباركة جملة تعبيرات تستدعي التوقف والدقة:
ما هو " الوحي " " الوحي " في الأصل (كما يقول الراغب في مفرداته) بمعنى الإشارة السريعة، ثم بمعنى الالقاء الخفي.
وقد جاءت كلمة " الوحي " في القرآن الكريم لترمز إلى عدة أشياء، ولكنها بالنتيجة تعود لذلك المعنى، منها:
وحي النبوة: حيث نلاحظ وروده في القرآن بهذا المعنى كثيرا. كما في الآية (51) من سورة الشورى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا....
ومنها: الوحي بمعنى " الإلهام " سواء كان الملهم منتبها لذلك (كما في الإنسان ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾،سورة القصص، الآية: 7، أو مع عدم انتباه الملهم كالإلهام الغريزي (كما في النحل) وهو ما ورد في الآية مورد البحث.
ومن المعروف أن الوحي في هذا المورد يعني الأمر الغريزي والباعث الباطني الذي أودعه الله في الكائنات الحية.
ومنها: أن الوحي بمعنى الإشارة، كما ورد في قصة زكريا في الآية (11) من سورة مريم فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا.
ومنها أيضا: إيصال الرسالة بشكل خفي، كما في الآية (112) من سورة الأنعام يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
هل يختص الإلهام الغريزي بالنحل؟
وإذا كان وجود الغرائز (الإلهام الغريزي) غير منحصر بالنحل دون جميع الحيوانات، فلماذا ورد ذكره في الآية في النحل خاصة؟
والإجابة على السؤال تتضح من خلال المقدمة التالية: إن الدراسة الدقيقة التي قام بها العلماء بخصوص حياة النحل، قد أثبتت أن هذه الحشرة العجيبة لها من التمدن والحياة الاجتماعية المدهشة ما يشبه لحد كبير الجانب التمدني عند الإنسان وحياته الاجتماعية، من عدة جهات.
وقد توصل العلماء اليوم لاكتشاف الكثير من أسرار حياة هذه الحشرة والتي أوصلتهم بقناعة تامة إلى توحيد الخالق والإذعان لربوبيته سبحانه وتعالى.
وأشار القرآن الكريم إلى ذلك الإعجاز بكلمة " الوحي " ليبين أن حياة النحل لا تقاس بحياة الأنعام، وليدفعنا للتعمق في عالم أسرار هذه الحشرة العجيبة، ولنتعرف من خلالها على عظمة وقدرة خالقها، ولعل " الوحي " هو التعبير الرمزي الذي اختصت به هذه الآية نسبة إلى الآيات السابقة.الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 8، ص 238-240.
وتشيرُ الآيةُ الشريفةُ إلى عمليّةِ تخزينِ النّكتار داخلَ بطونِ النّحل، ومِن ثمَّ استخلاصه وتحويله إلى عسلٍ داخلَ الخليّة، ولا يتعارضُ هذا الوصفُ معَ المعرفةِ الحديثةِ عن عمليّةِ إنتاجِ العسل، فالآيةُ تتحدّثُ عن خروجِ العسلِ مِن جوفِ النحلة، وإذا رجَعنا للعلمِ الحديثِ في وصفِ عمليّةِ إنتاجِ النحلِ للعسل لوجَدنا مدى التطابقِ بينَه وبينَ ما جاءَ في هذه الآية.
ففي البدايةِ، يجمعُ النحلُ النكتار (وهوَ عصيرُ الزّهورِ الذي يحتوي على نسبةٍ عاليةٍ منَ السكّريّات) منَ الأزهارِ باستخدامِ لسانِها الطويلِ والمشقوق. ثمَّ تحفظُ النحلةُ النكتارَ المجموعَ في معدتِها، والتي تتكوّنُ مِن عدّةِ جيوبٍ صغيرةٍ تُدعى معدةَ العسل.
عندَما تعودُ النحلةُ إلى الخليّة، تنقلُ النكتارَ المجموعَ إلى نحلةٍ أخرى بواسطةِ القيء، وهذا النوعُ منَ التواصلِ الكيميائيّ يُسمّى "الرقصَ الدائريّ"، والذي يساعدُ النحلَ على توجيهِ بعضِها البعضِ إلى مصادرِ الغذاءِ المجاورة.
بمُجرّدِ وصولِ النّكتار إلى النحلةِ المُستقبلة، يتمُّ إضافةُ إنزيماتٍ هامّةٍ مِن معدةِ النحلةِ إلى النّكتار، وتحوّلُ السكريّات الموجودةَ فيه إلى جلوكوز وفركتوز، ممّا يجعلُ النّكتارَ أقلَّ لزوجةً وأكثرَ مُلاءمةً للتخزين.
ثمَّ يتمُّ وضعُ النكتارِ في خلايا الشمع، ويبدأ النحلُ في التحريكِ باستخدامِ أجنحتِهم، ممّا يساعدُ على تبخّرِ الرّطوبةِ الزائدةِ وتجفيفِ العسل. بعدَ ذلك، يتمُّ سدُّ خليّةِ الشمعِ بشمعٍ آخرَ وترك العسلِ لينضُج، حيثُ يصبحُ لديهِ طعمٌ مميّزٌ ورائحةٌ مُمتعة.
ومِن ذلكَ يتّضحُ أنَّ العسلَ في مرحلةِ النكتار يخرجُ مِن بطنِ النّحلةِ عبرَ القيءِ إلى جوفِ النّحلةِ المُستقبلة، والتي هيَ تقومُ بدورِها بإخراجِه مِن معدتِها إلى الخليّةِ الشمعيّة بعدَ إضافةِ بعضِ الإنزيماتِ عليه، وفي المرحلةِ الأخيرةِ تقومُ النحلةُ بتحريكِ أجنحتِها لتجفيفِ العسلِ منَ الرّطوبة، وعليهِ فإنَّ العسلَ في كِلا المرحلتينِ يخرجُ مِن بطنِ النّحل.
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، سورة النحل، الآيتان: 68-69.
انتقل الأسلوب القرآني بهاتين الآيتين من عرض النعم الإلهية المختلفة وبيان أسرار الخليقة إلى الحديث عن " النحل " وما يدره من منتوج (العسل) ورمز إلى ذلك الالهام الخفي بالوحي الإلهي إلى النحل: أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون.
وفي الآية المباركة جملة تعبيرات تستدعي التوقف والدقة:
ما هو " الوحي " " الوحي " في الأصل (كما يقول الراغب في مفرداته) بمعنى الإشارة السريعة، ثم بمعنى الالقاء الخفي.
وقد جاءت كلمة " الوحي " في القرآن الكريم لترمز إلى عدة أشياء، ولكنها بالنتيجة تعود لذلك المعنى، منها:
وحي النبوة: حيث نلاحظ وروده في القرآن بهذا المعنى كثيرا. كما في الآية (51) من سورة الشورى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا....
ومنها: الوحي بمعنى " الإلهام " سواء كان الملهم منتبها لذلك (كما في الإنسان ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾،سورة القصص، الآية: 7، أو مع عدم انتباه الملهم كالإلهام الغريزي (كما في النحل) وهو ما ورد في الآية مورد البحث.
ومن المعروف أن الوحي في هذا المورد يعني الأمر الغريزي والباعث الباطني الذي أودعه الله في الكائنات الحية.
ومنها: أن الوحي بمعنى الإشارة، كما ورد في قصة زكريا في الآية (11) من سورة مريم فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا.
ومنها أيضا: إيصال الرسالة بشكل خفي، كما في الآية (112) من سورة الأنعام يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
هل يختص الإلهام الغريزي بالنحل؟
وإذا كان وجود الغرائز (الإلهام الغريزي) غير منحصر بالنحل دون جميع الحيوانات، فلماذا ورد ذكره في الآية في النحل خاصة؟
والإجابة على السؤال تتضح من خلال المقدمة التالية: إن الدراسة الدقيقة التي قام بها العلماء بخصوص حياة النحل، قد أثبتت أن هذه الحشرة العجيبة لها من التمدن والحياة الاجتماعية المدهشة ما يشبه لحد كبير الجانب التمدني عند الإنسان وحياته الاجتماعية، من عدة جهات.
وقد توصل العلماء اليوم لاكتشاف الكثير من أسرار حياة هذه الحشرة والتي أوصلتهم بقناعة تامة إلى توحيد الخالق والإذعان لربوبيته سبحانه وتعالى.
وأشار القرآن الكريم إلى ذلك الإعجاز بكلمة " الوحي " ليبين أن حياة النحل لا تقاس بحياة الأنعام، وليدفعنا للتعمق في عالم أسرار هذه الحشرة العجيبة، ولنتعرف من خلالها على عظمة وقدرة خالقها، ولعل " الوحي " هو التعبير الرمزي الذي اختصت به هذه الآية نسبة إلى الآيات السابقة.الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 8، ص 238-240.
وتشيرُ الآيةُ الشريفةُ إلى عمليّةِ تخزينِ النّكتار داخلَ بطونِ النّحل، ومِن ثمَّ استخلاصه وتحويله إلى عسلٍ داخلَ الخليّة، ولا يتعارضُ هذا الوصفُ معَ المعرفةِ الحديثةِ عن عمليّةِ إنتاجِ العسل، فالآيةُ تتحدّثُ عن خروجِ العسلِ مِن جوفِ النحلة، وإذا رجَعنا للعلمِ الحديثِ في وصفِ عمليّةِ إنتاجِ النحلِ للعسل لوجَدنا مدى التطابقِ بينَه وبينَ ما جاءَ في هذه الآية.
ففي البدايةِ، يجمعُ النحلُ النكتار (وهوَ عصيرُ الزّهورِ الذي يحتوي على نسبةٍ عاليةٍ منَ السكّريّات) منَ الأزهارِ باستخدامِ لسانِها الطويلِ والمشقوق. ثمَّ تحفظُ النحلةُ النكتارَ المجموعَ في معدتِها، والتي تتكوّنُ مِن عدّةِ جيوبٍ صغيرةٍ تُدعى معدةَ العسل.
عندَما تعودُ النحلةُ إلى الخليّة، تنقلُ النكتارَ المجموعَ إلى نحلةٍ أخرى بواسطةِ القيء، وهذا النوعُ منَ التواصلِ الكيميائيّ يُسمّى "الرقصَ الدائريّ"، والذي يساعدُ النحلَ على توجيهِ بعضِها البعضِ إلى مصادرِ الغذاءِ المجاورة.
بمُجرّدِ وصولِ النّكتار إلى النحلةِ المُستقبلة، يتمُّ إضافةُ إنزيماتٍ هامّةٍ مِن معدةِ النحلةِ إلى النّكتار، وتحوّلُ السكريّات الموجودةَ فيه إلى جلوكوز وفركتوز، ممّا يجعلُ النّكتارَ أقلَّ لزوجةً وأكثرَ مُلاءمةً للتخزين.
ثمَّ يتمُّ وضعُ النكتارِ في خلايا الشمع، ويبدأ النحلُ في التحريكِ باستخدامِ أجنحتِهم، ممّا يساعدُ على تبخّرِ الرّطوبةِ الزائدةِ وتجفيفِ العسل. بعدَ ذلك، يتمُّ سدُّ خليّةِ الشمعِ بشمعٍ آخرَ وترك العسلِ لينضُج، حيثُ يصبحُ لديهِ طعمٌ مميّزٌ ورائحةٌ مُمتعة.
ومِن ذلكَ يتّضحُ أنَّ العسلَ في مرحلةِ النكتار يخرجُ مِن بطنِ النّحلةِ عبرَ القيءِ إلى جوفِ النّحلةِ المُستقبلة، والتي هيَ تقومُ بدورِها بإخراجِه مِن معدتِها إلى الخليّةِ الشمعيّة بعدَ إضافةِ بعضِ الإنزيماتِ عليه، وفي المرحلةِ الأخيرةِ تقومُ النحلةُ بتحريكِ أجنحتِها لتجفيفِ العسلِ منَ الرّطوبة، وعليهِ فإنَّ العسلَ في كِلا المرحلتينِ يخرجُ مِن بطنِ النّحل.
تعليق