في السنة الثالثة للهجرة وقعت معركة أُحُد التي تُعَدُّ من أعظم معارك الإسلام، وقد شهد التاريخ لمواقف صدرت عن بعض الأبطال الذين شاركوا فيها وقاتلوا بين يدي النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وذلك في مقابل مواقف المتخاذلين نشير إلى بعض منها:
كانت معركة أُحُد خير وسيلة لتمييز صفوف المجاهدين الحقيقيين عن المنافقين أو ضعفاء الإيمان، وهذا ما بيّنه الله تعالى في قوله:"وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم الله المؤمنين وليعلم الذين نافقوا". وقد تميّز المسلمون – في معركة أُحُد – في طوائف ثلاث:
الأولى: وهم قلّة، قد ثبتوا أمام العدو حتى آخر لحظة.
والثانية: هم الّذين زُلزلوا، ووقعوا فريسة الاضطراب ولم يتمكنوا من الثبات حتى آخر لحظة وفرّوا من الميدان.
والثالثة: هم جماعة المنافقين، وفي ما يأتي نعرض مواقف بعض الصحابة المجاهدين الشهداء في أحد:
خُثيمة
قام خيثمة أبو سعد بن خيثمة – وهو شيخ يقظ البصيرة – وقال: إن قريشاً مكثت حَوْلاً تجمع الجموع، وتستجلب العرب في بواديها، ثم جاؤونا قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل، حتّى نزلوا بساحتنا فيحصرونا في بيوتنا، أو تكون الأخرى: الشهادة. لقد أخطأتني وقعة بدر، وقد كنتُ عليها حريصاً، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني (أي:أجريت القرعة بيني وبين ولدي) على الخروج فخرج سهمه فَرُزِقَ الشهادة، وقد كنتُ حريصاً على الشهادة وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنّة وأنهارها، وهو يقول: إلحَقْ بنا ترافقنا في الجنّة، فقد وجدتُ ما وعدني ربي حقّاً، وقد والله يا رسولَ الله أصبحتُ مشتاقاً إلى مرافقته في الجنّة، وقد كَبُرَت سِنِيَّ ورقّ عظمي، وأحببتُ لقاء ربّي فادْعُ الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنّة...، وبالفعل حصل على ما يتمنّاه ورُزق الشهادة.
ابن الجموح
وكان "عمرو بن الجموح" رجلاً شيخاً شديد العرج، وقد أُصيب في رِجله في حادثة. وكان له بنونٌ أربعةٌ مثل الأسود، يشهدون مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المشاهد، فلما كان يوم "أُحُد" أراد أن يخرج مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقد أَبَت نَفسُهُ أن تفوته الشهادة، وأن يجلس في بيته ولا يشترك مع رسول الله في تلك المعركة، وإن اشترك بنوه الأربعة فيها، فأراد أهله وبنوه حبسَهُ وقالوا له: إنَّ الله عزّ وجلّ قد عذَرَك، ولم يقتنع بمقالتهم، وأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال: إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إنّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنّة، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):"أمّا أنتَ فَقَدْ عَذَرَك اللهُ ولا جهادَ علَيْكَ"، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله) لبنيه وقومه:"لا عَليْكُمْ أن لا تَمْنَعُوه، لعلَّ الله يَرْزقَهُ الشهادة"، فخلّوا عنه، وخرج وهو يقول:"اللهمّ ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي"، ورُزِق الشهادة.
حنظلة
وأمّا "حنظلة" فهو شاب لم يكن قد جاوز الرابعة والعشرين من عمره آنذاك. وهو ابن "أبي عامر" عدوّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن المحرّضين ضدّه وكان مع المشركين في أُحُد، وكانت ليلة معركة أُحُد ليلة زواج حنظلة، ولكنّه عندما سمع بنداء الجهاد استأذن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) بأن يتوقّف في المدينة ليلة واحدة لإجراء مراسيم الزفاف والإقامة ليلة عند عروسه ثم يلتحق بالمعسكر الإسلامي صبيحة الغد من تلك المعركة، فأَذِنَ له النبي (صلّى الله عليه وآله) . ولمّا أصبح خرج من فوره وتوجّه إلى أُحُد وكان عليه غُسلاً واجباً. وسقط حنظلة شهيداً إلى جانب حمزة وعمرو بن الجموح، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "رأيتُ المَلائكَة تغَسِّلْ حنظلةَ بينَ السّماءِ والأرض بماءِ المُزن في صحائفَ من ذهَب".فكان يسمّى غسيل الملائكة أو حنظلة الغسيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
من شبكة المعارف الاسلامية