قالت (عليها السلام):
(فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك) وفي نسخة: (ففرض الله الإيمان) الآيات الواردة في القرآن الكريم، الآمرة بالإيمان بالله وحده، إنّما هي لغرض التطهير من أرجاس الشرك بالله، فالشرك بمنزلة المكروبات الضارّة، والإيمان تعقيم لها، فالشرك قذارة متعلّقة بالأذهان، ملتصقة بالعقول، قد تلوّثت بها القلوب، والإيمان تطهير عام لإزالة تلك القذارة.
(والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر) المقصود من تشريع الصلاة هو القضاء على رذيلة الكبر؛ لأنّ الصلاة خضوع وخشوع لله وركوع وسجود وتذلّل، وأكثر المصابين بداء الكبرياء هم التاركون للصلاة.
(والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق) وفي نسخة: (والزكاة تزييداً لكم في الرزق) إنّما سُمّيت الزكاة لأنّها تزكّي الإنسان، استمع إلى قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) وقد جعل الله تعالى البركة والنمو في إعطاء الزكاة، فيأذن الله للأرض أن تجود ببركاتها فيكثر الزرع ويمتلئ الضرع، وتتراكم الخيرات، وتتضاعف الثمار.
(والصيام تثبيتاً للإخلاص) قد يمكن أن يصلّي الإنسان قصد الرياء، ولا يمكن أن يصوم ويطوي نهاره جائعاً عطشاناً، ويتحمّل المشقّة لسبب الإمساك والامتناع عمّا يشتهي بقصد الرياء، فالصوم من أظهر العبادات الخالصة لوجه الله الكريم.
(والحج تشييداً للدين) للحج فوائد ومنافع معنوية لا تتحقّق بغير الحج، فالحج عبارة عن عدد كبير من المسلمين من بلاد بعيدة وأقطار عديدة، من شرق الأرض وغربها وعن كل قطر يسكن فيه مسلم يستطيع الحج، في أيام محدودة وأماكن معينة، على هيئات خاصة وكيفيّات مخصوصة، فيلتقي بعضهم ببعض، ويتعرّف المسلم الأفريقي بالمسلم الآسيوي، ويطلّع المسلم الشرقي على أحوال المسلم الغربي، وما هناك من فوائد تحصل من تلك اللقاءات، أضف إلى ذلك الفوائد التي تعود إلى نفس الإنسان الحاج من الخضوع والتذلّل لله، والتوبة والاستغفار وغير ذلك ممّا يطول الكلام بذكره.
(والعدل تنسيقاً للقلوب) وفي نسخة: (وتنسيكاً للقلوب) لا أعرف لتعليل العدل تعريفاً أحسن وأكمل من هذا التعريف؛ لأنّ تنسيق القلوب تنظيمها كتنسيق خرز السبحة، وتنظيمها بالخيط، فلو انقطع الخيط تفرّقت الخرز وتشتّتت، واختلّ التنظيم وزال التنسيق.
إنّ العدل في المجتمع بمنزلة الخيط في السبحة، فالعدل الفردي والزوجي والعائلي والاجتماعي، والعدل مع الأسرة ومع الناس، يكون سبباً لتنظيم القلوب وانسجامها بل واندماجها، وإذا فُقد العدل فُقد الانسجام، وجاء مكانه التنافر والتباعد والتقاطع، وأخيراً التقاتل.
وليست العدالة من خصائص الحكّام والولاة والقضاة، بل يجب على كل إنسان أن يسير ويعيش تحت ظلال العدالة، ويعاشر زوجته وعائلته وأُسرته ومجتمعه بالعدالة إبقاءً لمحبّة القلوب.
(وإطاعتنا نظاماً للملّة) وفي نسخة: (وطاعتنا) كل أُمّة إذا أرادت أن تعيش لا بدَّ لها من اختيار نظام حاكم سائد، والنظام كلمة واسعة النطاق، كثيرة المصداق غزيرة المعاني.
فالحكومات، وتشكيل الوزارات، وتنظيم الدوائر، وسنّ القوانين، وإصدار التعاليم في شتّى المجالات يقال لها: نظام. ولا بدّ - طبعاً - من تنفيذ النظام، والخضوع والانقياد له، ويقال له: التنظيم.
فإذا كان النظام صالحاً انتشر الصلاح في العباد والبلاد، وإذا كان النظام فاسداً ظهر الفساد في البر والبحر.
والأُمّة الإسلامية -التي تعتبر نفسها في طليعة الأُمم الراقية المتحضّرة- لا بدّ وأن يكون لها نظام، وإنّ الله تعالى جعل إطاعة أهل البيت (عليهم السلام) نظاماً للملّة الإسلامية، ومعنى ذلك أنّ الله جعل القيادة العامّة المطلقة العليا، والسلطة لأئمّة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) وهم عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) فقط، لا كل مَن يستلم زمام الحكم، أو يجلس على منصّة القيادة تجب إطاعته وتنفيذ أوامره.
وإنّما جعل الله إطاعة أئمّة أهل البيت نظاماً للمسلمين؛ لأنّ الله تعالى زوَّدهم بالمواهب، ومنحهم الأهليّة، وأحاطوا علماً بكل ما ينفع المجتمع ويضرّه، وبكل ما يُصلح الناس ويفسدهم.
وجعلهم الرسول عِدْل القرآن بقوله (صلى الله عليه وآله): إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، وإنّكم لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما.
ولقد سبق أن تحدّثت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن القرآن وأنّه بقيّة استخلفها عليكم، ثم ذكرت بعض ما يتعلّق بعظمة القرآن، ثم انتقلت إلى ذكر فلسفة الإسلام، ثم انتقلت إلى ذكر الثقل الثاني، وهم العترة، وهم أهل البيت، وهم أُولو الأمر الذين أوجب الله إطاعتهم على العباد بقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ).
فو الله لو أنّ المسلمين فسحوا المجال - من أوّل يوم - لأهل البيت وأطاعوهم لكانت الدنيا روحاً وريحاناً وجنّة نعيم، وكانت السعادة شاملة لجميع طبقات البشر على مرّ القرون، وما كانت تحدث المفاسد والمجازر والمذابح على وجه الأرض، وما كانت الأموال تُسلب، والأعراض تُهتك، والنفوس تزهق ظلماً، وما كان الجهل والأُمّية والتأخير والتفسّخ منتشراً بين الأُمّة الإسلامية، وما كان في الأرض فقر ولا حرمان، ولا اضطهاد ولا جوع.
(وإمامتنا أماناً للفرقة) وفي نسخة: (لماً للفرقة) إمام على وزن كتاب هو المقتدى، انظر إلى إمام الجماعة كيف يقتدي به المأمومون في أفعال الصلاة من قيام إلى ركوع وسجود وهكذا، فهو مقتدى في أفعال محدودة؛ ولهذا يقال له: إمام صلاة الجماعة، أو إمام الجماعة في الصلاة.
والإمامة الكبرى التي هي الخلافة العظمى، منصب سماوي، ومنزلة تتعيّن من عند الله تعالى؛ لأنّها تالية للنبوّة من حيث العظمة والأهمّيّة، انظر إلى أولياء الله كيف يسألون الله تعالى أن يبلّغهم تلك المنزلة الرفيعة والدرجة السامية.
فهذا إبراهيم الخليل (عليه السلام) يأتيه النداء من عند الله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي المقتدى به في أفعاله وأقواله، وأنّه الذي يقوم بتدبير الأُمّة وسياستها والقيام بأُمورها، وتأديب جُناتها، وتولية ولاتها، وإقامة الحدود على مستحقّيها ومحاربة مَن يكيدها ويعاديها، وليس المقصود من الإمامة - هنا - النبوّة؛ لأنّ إبراهيم كان نبيّاً حينذاك وإنّما أضاف الله له الإمامة إلى النبوّة.
وأنت إذا أمعنت النظر في قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ) يتضح لك أنّ تعيين الإمام يجب أن يكون من عند الله، ولا يحق للناس أن يعيّنوا لأنفسهم إماماً حسب آرائهم الشخصية وهواياتهم الفردية.
وإذا تدبّرت بقيّة الآية تنكشف لك حقائق أخرى وهي قوله: (وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي لما أخبر الله إبراهيم بالإمامة قال إبراهيم: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) أي واجعل من ذرّيّتي مَن يوشّح بالإمامة وبهذه الكرامة. قال تعالى: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال مجاهد: العهد الإمامة. وقد رُوي ذلك عن الإمامين: الباقر والصادق عليهماالسلام أي لا يكون الظالم إماماً للناس. وهذا يدل على عصمة الأئمّة؛ لأنّ الله سبحانه نفى أن ينال عهده (الذي هو الإمامة) ظالم، ومَن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً إمّا لنفسه وإمّا لغيره.
وإذا تأمّلت في هذه الآيات البيّنات يتضح لك أنّ المناصب السماوية والوظائف الإلهيّة ينبغي أن تكون من عند الله تعالى وتعيينه وجعله، تدبّر في قوله تعالى:
(يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) (1).
(وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (2).
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا) (3).
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (4).
(إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) (5).
(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (6).
(وَاجْعَل لي وَزِيراً منْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي) (7).
وغيرها من الآيات التي تتجلّى فيها كلمة: (جعلنا) و(اجعلنا) و(جعلناهم) وما أشبه ذلك.
وهنا تقول الزهراء (عليها السلام): (وإمامتنا) إنّها تقصد إمامة الأئمّة الاثني عشر، وشخص زوجها العظيم أبا الأئمّة عليّاً (عليه السلام).
(فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك) وفي نسخة: (ففرض الله الإيمان) الآيات الواردة في القرآن الكريم، الآمرة بالإيمان بالله وحده، إنّما هي لغرض التطهير من أرجاس الشرك بالله، فالشرك بمنزلة المكروبات الضارّة، والإيمان تعقيم لها، فالشرك قذارة متعلّقة بالأذهان، ملتصقة بالعقول، قد تلوّثت بها القلوب، والإيمان تطهير عام لإزالة تلك القذارة.
(والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر) المقصود من تشريع الصلاة هو القضاء على رذيلة الكبر؛ لأنّ الصلاة خضوع وخشوع لله وركوع وسجود وتذلّل، وأكثر المصابين بداء الكبرياء هم التاركون للصلاة.
(والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق) وفي نسخة: (والزكاة تزييداً لكم في الرزق) إنّما سُمّيت الزكاة لأنّها تزكّي الإنسان، استمع إلى قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) وقد جعل الله تعالى البركة والنمو في إعطاء الزكاة، فيأذن الله للأرض أن تجود ببركاتها فيكثر الزرع ويمتلئ الضرع، وتتراكم الخيرات، وتتضاعف الثمار.
(والصيام تثبيتاً للإخلاص) قد يمكن أن يصلّي الإنسان قصد الرياء، ولا يمكن أن يصوم ويطوي نهاره جائعاً عطشاناً، ويتحمّل المشقّة لسبب الإمساك والامتناع عمّا يشتهي بقصد الرياء، فالصوم من أظهر العبادات الخالصة لوجه الله الكريم.
(والحج تشييداً للدين) للحج فوائد ومنافع معنوية لا تتحقّق بغير الحج، فالحج عبارة عن عدد كبير من المسلمين من بلاد بعيدة وأقطار عديدة، من شرق الأرض وغربها وعن كل قطر يسكن فيه مسلم يستطيع الحج، في أيام محدودة وأماكن معينة، على هيئات خاصة وكيفيّات مخصوصة، فيلتقي بعضهم ببعض، ويتعرّف المسلم الأفريقي بالمسلم الآسيوي، ويطلّع المسلم الشرقي على أحوال المسلم الغربي، وما هناك من فوائد تحصل من تلك اللقاءات، أضف إلى ذلك الفوائد التي تعود إلى نفس الإنسان الحاج من الخضوع والتذلّل لله، والتوبة والاستغفار وغير ذلك ممّا يطول الكلام بذكره.
(والعدل تنسيقاً للقلوب) وفي نسخة: (وتنسيكاً للقلوب) لا أعرف لتعليل العدل تعريفاً أحسن وأكمل من هذا التعريف؛ لأنّ تنسيق القلوب تنظيمها كتنسيق خرز السبحة، وتنظيمها بالخيط، فلو انقطع الخيط تفرّقت الخرز وتشتّتت، واختلّ التنظيم وزال التنسيق.
إنّ العدل في المجتمع بمنزلة الخيط في السبحة، فالعدل الفردي والزوجي والعائلي والاجتماعي، والعدل مع الأسرة ومع الناس، يكون سبباً لتنظيم القلوب وانسجامها بل واندماجها، وإذا فُقد العدل فُقد الانسجام، وجاء مكانه التنافر والتباعد والتقاطع، وأخيراً التقاتل.
وليست العدالة من خصائص الحكّام والولاة والقضاة، بل يجب على كل إنسان أن يسير ويعيش تحت ظلال العدالة، ويعاشر زوجته وعائلته وأُسرته ومجتمعه بالعدالة إبقاءً لمحبّة القلوب.
(وإطاعتنا نظاماً للملّة) وفي نسخة: (وطاعتنا) كل أُمّة إذا أرادت أن تعيش لا بدَّ لها من اختيار نظام حاكم سائد، والنظام كلمة واسعة النطاق، كثيرة المصداق غزيرة المعاني.
فالحكومات، وتشكيل الوزارات، وتنظيم الدوائر، وسنّ القوانين، وإصدار التعاليم في شتّى المجالات يقال لها: نظام. ولا بدّ - طبعاً - من تنفيذ النظام، والخضوع والانقياد له، ويقال له: التنظيم.
فإذا كان النظام صالحاً انتشر الصلاح في العباد والبلاد، وإذا كان النظام فاسداً ظهر الفساد في البر والبحر.
والأُمّة الإسلامية -التي تعتبر نفسها في طليعة الأُمم الراقية المتحضّرة- لا بدّ وأن يكون لها نظام، وإنّ الله تعالى جعل إطاعة أهل البيت (عليهم السلام) نظاماً للملّة الإسلامية، ومعنى ذلك أنّ الله جعل القيادة العامّة المطلقة العليا، والسلطة لأئمّة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) وهم عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) فقط، لا كل مَن يستلم زمام الحكم، أو يجلس على منصّة القيادة تجب إطاعته وتنفيذ أوامره.
وإنّما جعل الله إطاعة أئمّة أهل البيت نظاماً للمسلمين؛ لأنّ الله تعالى زوَّدهم بالمواهب، ومنحهم الأهليّة، وأحاطوا علماً بكل ما ينفع المجتمع ويضرّه، وبكل ما يُصلح الناس ويفسدهم.
وجعلهم الرسول عِدْل القرآن بقوله (صلى الله عليه وآله): إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، وإنّكم لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما.
ولقد سبق أن تحدّثت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن القرآن وأنّه بقيّة استخلفها عليكم، ثم ذكرت بعض ما يتعلّق بعظمة القرآن، ثم انتقلت إلى ذكر فلسفة الإسلام، ثم انتقلت إلى ذكر الثقل الثاني، وهم العترة، وهم أهل البيت، وهم أُولو الأمر الذين أوجب الله إطاعتهم على العباد بقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ).
فو الله لو أنّ المسلمين فسحوا المجال - من أوّل يوم - لأهل البيت وأطاعوهم لكانت الدنيا روحاً وريحاناً وجنّة نعيم، وكانت السعادة شاملة لجميع طبقات البشر على مرّ القرون، وما كانت تحدث المفاسد والمجازر والمذابح على وجه الأرض، وما كانت الأموال تُسلب، والأعراض تُهتك، والنفوس تزهق ظلماً، وما كان الجهل والأُمّية والتأخير والتفسّخ منتشراً بين الأُمّة الإسلامية، وما كان في الأرض فقر ولا حرمان، ولا اضطهاد ولا جوع.
(وإمامتنا أماناً للفرقة) وفي نسخة: (لماً للفرقة) إمام على وزن كتاب هو المقتدى، انظر إلى إمام الجماعة كيف يقتدي به المأمومون في أفعال الصلاة من قيام إلى ركوع وسجود وهكذا، فهو مقتدى في أفعال محدودة؛ ولهذا يقال له: إمام صلاة الجماعة، أو إمام الجماعة في الصلاة.
والإمامة الكبرى التي هي الخلافة العظمى، منصب سماوي، ومنزلة تتعيّن من عند الله تعالى؛ لأنّها تالية للنبوّة من حيث العظمة والأهمّيّة، انظر إلى أولياء الله كيف يسألون الله تعالى أن يبلّغهم تلك المنزلة الرفيعة والدرجة السامية.
فهذا إبراهيم الخليل (عليه السلام) يأتيه النداء من عند الله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي المقتدى به في أفعاله وأقواله، وأنّه الذي يقوم بتدبير الأُمّة وسياستها والقيام بأُمورها، وتأديب جُناتها، وتولية ولاتها، وإقامة الحدود على مستحقّيها ومحاربة مَن يكيدها ويعاديها، وليس المقصود من الإمامة - هنا - النبوّة؛ لأنّ إبراهيم كان نبيّاً حينذاك وإنّما أضاف الله له الإمامة إلى النبوّة.
وأنت إذا أمعنت النظر في قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ) يتضح لك أنّ تعيين الإمام يجب أن يكون من عند الله، ولا يحق للناس أن يعيّنوا لأنفسهم إماماً حسب آرائهم الشخصية وهواياتهم الفردية.
وإذا تدبّرت بقيّة الآية تنكشف لك حقائق أخرى وهي قوله: (وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي لما أخبر الله إبراهيم بالإمامة قال إبراهيم: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) أي واجعل من ذرّيّتي مَن يوشّح بالإمامة وبهذه الكرامة. قال تعالى: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال مجاهد: العهد الإمامة. وقد رُوي ذلك عن الإمامين: الباقر والصادق عليهماالسلام أي لا يكون الظالم إماماً للناس. وهذا يدل على عصمة الأئمّة؛ لأنّ الله سبحانه نفى أن ينال عهده (الذي هو الإمامة) ظالم، ومَن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً إمّا لنفسه وإمّا لغيره.
وإذا تأمّلت في هذه الآيات البيّنات يتضح لك أنّ المناصب السماوية والوظائف الإلهيّة ينبغي أن تكون من عند الله تعالى وتعيينه وجعله، تدبّر في قوله تعالى:
(يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) (1).
(وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (2).
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا) (3).
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (4).
(إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) (5).
(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (6).
(وَاجْعَل لي وَزِيراً منْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي) (7).
وغيرها من الآيات التي تتجلّى فيها كلمة: (جعلنا) و(اجعلنا) و(جعلناهم) وما أشبه ذلك.
وهنا تقول الزهراء (عليها السلام): (وإمامتنا) إنّها تقصد إمامة الأئمّة الاثني عشر، وشخص زوجها العظيم أبا الأئمّة عليّاً (عليه السلام).
تعليق