بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
إطلالة على سيرة حياة مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام في ذكرى استشهاده.
اسمه ونسبه (1)
الإمام جعفر بن محمّد بن علي الصادق(عليهم السلام).
كنيته
أبو عبد الله، أبو إسماعيل، أبو موسى.
من ألقابه
الصادق، الصابر، الطاهر، الفاضل، الكامل، الكافل، المنجي.
تلقيبه بالصادق
لقد جاء لقب الإمام (ع) بالصادق من قبل رسول الله (ص)، حيث قال: «وَيُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ ـ أي صُلب محمّد الباقر ـ كَلِمَةَ الحَقِّ وَلِسَانَ الصِّدْقِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَمَا اسْمُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: جَعْفَرٌ، صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَفِعَالِهِ، الطَّاعِنُ عَلَيْهِ كَالطَّاعِنِ عَلَيَّ، وَالرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيّ»(2).
أُمّه
أُمّ فروة فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر التيمية.
ولادته
ولد في السابع عشر من ربيع الأوّل 83ﻫ بالمدينة المنوّرة.
عمره وإمامته
عمره 65 عاماً، وإمامته 34 عاماً.
حكّام عصره في سِنِي إمامته
من الأُمويّين خمسة: هشام بن عبد الملك، الوليد بن يزيد بن عبد الملك، يزيد بن الوليد بن عبد الملك، إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، مروان بن محمّد المعروف بالحمار.
ومن العبّاسيين اثنان: أبو العباس عبد الله المعروف بالسفّاح؛ لفرط جوره وظلمه، وكثرة ما سفح من دم وقتل من الناس الكثيرين، أبو جعفر المنصور المعروف بالدوانيقي؛ لأنّه كان ولفرط شحّه وبخله وحبّه للمال يُحاسب حتّى على الدوانيق، والدوانيق جمع دانق، وهو أصغر جزء من النقود في عهده.
من زوجاته
جارية، اسمها حميدة بنت صاعد البربرية المغربية، فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الإمام المجتبى(ع).
من أولاده
الإمام موسى الكاظم(ع)، إسماعيل الأعرج، إسحاق المؤتمن، عبد الله الأفطح، علي العُريضي، محمّد الديباج، فاطمة.
رواياته
وردت عن الإمام الصادق (ع) روايات كثيرة جدّاً، وفي مختلف العلوم والمعارف، فقد روي أنّ الناس نقلوا عنه (ع) من العلوم ما لم يُنقل عن أحدٍ من أهل بيته(عليهم السلام)، فقد عدّ علماء علم الرجال أسماء الراوين عنه (ع) من الثقات، فكانوا أربعة آلاف راوي(3).
فقد روى عنه راوٍ واحد ـ وهو أبان بن تغلب ـ ثلاثين ألف حديث(4).
قال الحسن بن علي الوشّاء من أصحاب الإمام الرضا(ع): «أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ، كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد(ع)»(5).
والسبب في أخذ حديث الإمام الصادق(ع) هو لأنّ حديثه حديث رسول الله(ص) كما قال: «حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي، وَحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي، وَحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الحُسَيْنِ، وَحَدِيثُ الحُسَيْنِ حَدِيثُ الحَسَنِ، وَحَدِيثُ الحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ(ع)، وَحَدِيثُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ(ص)، وَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَل»(6).
من أقوال العلماء فيه
1ـ قال الشيخ المفيد(قدس سره): «وَنَقَلَ النَّاسُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ مَا سَارَتْ بِهِ الرُّكْبَانُ، وَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي الْبُلْدَانِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْعُلَمَاءِ مَا نُقِلَ عَنْه»(7).
2ـ قال الشيخ محمّد بن طلحة الشافعي(ت: 652ﻫ): «هو من عظماء أهل البيت وساداتهم(عليهم السلام)، ذو علوم جمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه…»(8).
3ـ قال مالك بن أنس إمام المالكية: «والله ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمّد(ع) زهداً وفضلاً وعبادة وورعاً، وكنت أقصده فيُكرمني ويقبل عليّ»(9).
وقال أيضاً: «وكان(ع) رجلاً لا يخلو من ثلاث خصال: إمّا صائماً، وإمّا قائماً، وإمّا ذاكراً، وكان من عظماء العبّاد، وأكابر الزهّاد الذين يخشون الله عزّ وجل، وكان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد»(10).
4ـ قال ابن الصبّاغ المالكي(ت: 855ﻫ): «كان جعفر الصادق ابن محمّد بن علي بن الحسين(عليهم السلام) من بين إخوانه خليفة أبيه محمّد بن علي(عليهما السلام) ووصيّه، والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل، وكان أنبههم ذكراً، وأعظمهم قدراً، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث»(11).
5ـ قال حسن بن زياد: «سمعت أبا حنيفة وسُئل: مَن أفقه مَن رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد»(12).
تضييق المنصور له
لقد ازداد تضييق المنصور العبّاسي على الإمام الصادق(ع)، وأخذ يُمهّد لقتله، فقد روى الفضل بن الربيع عن أبيه قال: «دعاني المنصور فقال: إنّ جعفر بن محمّد يُلحد في سلطاني، قتلني الله إن لم أقتله. فأتيته، فقلت: أجب أمير المؤمنين. فتطهّر ولبس ثياباً أحسبه قال جدداً، فأقبلت به فاستأذنت له، فقال: أدخله، قتلني الله إن لم أقتله، فلمّا نظر إليه مقبلاً قام من مجلسه فتلقّاه وقال: مرحباً بالنقي الساحة، البرئ من الدغل والخيانة، أخي وابن عمّي. فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه، وسأله عن حاله، ثمّ قال: سلني عن حاجتك.
فقال: أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم فتأمر لهم به. قال: أفعل. ثمّ قال: يا جارية ائتني بالتحفة. فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلّفه بيده وانصرف، فاتبعته، فقلت: يا ابن رسول الله، أتيت بك ولا أشكّ أنّه قاتلك، فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرّك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: اللَّهُمَّ احْرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاكْنُفْنِي بِرُكْنِكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَاحْفَظْنِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ، وَلَا تُهْلِكْنِي وَأَنْتَ رَجَائِي…»(13).
استشهاده
استُشهد في الخامس والعشرين من شوال 148ﻫ بالمدينة المنوّرة.
دفنه
تولّى الإمام الكاظم (ع) تجهيز جثمان أبيه (ع)، وبعد تشييعه دُفن بجوار مرقد أبيه الإمام محمّد الباقر، وجدّه الإمام علي زين العابدين، والإمام الحسن المجتبى (عليهم السلام) بمقبرة البقيع.
من وصاياه
1ـ قال(ع): «إِيَّاكُمْ وَالخُصُومَةَ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتُورِثُ النِّفَاقَ، وَتُكْسِبُ الضَّغَائِنَ، وَتَسْتَجِيزُ [تَسْتَجِيرُ] الْكَذِب»(14).
2ـ قال(ع): «مَنْ أُعْطِيَ ثَلَاثاً لَمْ يُمْنَعْ ثَلَاثاً، مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ أُعْطِيَ الإِجَابَةَ، ومَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ أُعْطِيَ الزِّيَادَةَ، ومَنْ أُعْطِيَ التَّوَكُّلَ أُعْطِيَ الْكِفَايَةَ.
ثُمَّ قَالَ: أتَلَوْتَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ومَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه﴾، وقَالَ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾، وقَالَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾»(15).
3ـ قال(ع): «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، ولَا يَكُونُ لَه رَجَاءٌ إِلَّا عِنْدَ الله، فَإِذَا عَلِمَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِه لَمْ يَسْأَلِ اللَه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه»(16).
4ـ قال(ع): «لَا تَمْزَحْ فَيَذْهَبَ نُورُكَ، وَلَا تَكْذِبْ فَيَذْهَبَ بَهَاؤُكَ، وَإِيَّاكَ وَخَصْلَتَيْنِ: الضَّجَرَ وَالْكَسَلَ، فَإِنَّكَ إِنْ ضَجِرْتَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ، وَإِنْ كَسِلْتَ لَمْ تُؤَدِّ حَقّاً»(17).
رثاؤه
ممّن رثاه السيّد محسن الأمين(رحمه الله) بقوله:
«تَبكِي العُيونُ بِدمعِها المتورِّدِ ** حُزناً لِثَاوٍ في بَقيعِ الغَرقدِ
تَبكي العُيونُ دَماً لِفقدِ مُبرَّزٍ ** مِن آلِ أحمدَ مِثلُه لم يُفقدِ
أيُّ النَّواظِرِ لا تَفيضُ دُمُوعُها ** حُزناً لمأتمِ جَعفرِ بنِ مُحمَّدِ
الصَّادقُ الصِّدّيقُ بَحرُ العِلمِ مِصـ ** باحُ الهُدى والعَالِمُ المتهجّدِ
رُزءٌ لهُ أركانُ دِينِ مُحمَّدٍ ** هُدَّتْ ونابَ الحُزنُ قَلبَ مُحمَّدِ
رُزءٌ لهُ تَبكِي شَريعةُ أحمدٍ ** وتَنوحُ مُعوِلَةً بِقلبٍ مُكمدِ
رُزءٌ بِقلبِ الدِّينِ أثبتَ سَهمَهُ ** ورَمى حُشاشةَ قلبِ كُلِّ مُوحِّدِ
ماذا جَنَتْ آلُ الطَّليقِ وما الذي ** جَرَّت على الإسلامِ من صُنعٍ رَدِي
كَم أنزَلَتْ مُرَّ البَلاءِ بِجعفرٍ ** نَجمِ الهُدى مَأمونِ شِرعةِ أحمدِ
كَم شَرَّدَتهُ عن مَدينةِ جدِّهِ ** ظُلماً تجشِّمُه السرى في فدفد
كَمْ قد رَأى المنصورُ منهُ عَجائباً ** ورَأى الهُدَى لَكنَّهُ لم يَهتدِ
لَم يَحفظُوا المختارَ في أولادِهِ ** وسِواهُمُ مِن أحمدٍ لم يُولَد
لَم يَكفِ مَا صَنَعَتْ بِهم أعداؤهُم ** زَمنَ الحَياةِ ومَا اعتَدَاهُ المُعتدي
حَتَّى غَدَتْ بَعدَ المماتِ خَوارجٌ ** في الظُّلمِ بالماضينَ منهُم تَقتَدِي
هُدِمَتْ ضَرائحُ فوقَهُم قد شُيِّدَتْ ** مَعقودةً مِن فَوقِ أشرفِ مَرقدِ»(18).
ــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: إعلام الورى بأعلام الهدى 1/ 513، الأنوار البهية: 147.
2ـ كفاية الأثر: 83.
3ـ اُنظر: الإرشاد 2/ 179.
4ـ اُنظر: رجال النجاشي: 12 رقم7.
5ـ رجال النجاشي: 40 رقم80.
6ـ الكافي 1/ 53 ح14.
7ـ الإرشاد 2/ 179.
8ـ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 436.
9ـ الأمالي للصدوق: 636 ح852.
10ـ المصدر السابق: 234 ح247.
11ـ الفصول المهمّة 2/ 907.
12ـ الكامل لابن عدي 2/ 132.
13ـ سير أعلام النبلاء 6/ 266.
14ـ الأمالي للصدوق: 503 ح691.
15ـ الكافي 2/ 65 ح6.
16ـ المصدر السابق 2/ 148 ح2.
17ـ الأمالي للصدوق: 636 ح853.
18ـ المجالس السنية 5/ 516.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
إطلالة على سيرة حياة مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام في ذكرى استشهاده.
اسمه ونسبه (1)
الإمام جعفر بن محمّد بن علي الصادق(عليهم السلام).
كنيته
أبو عبد الله، أبو إسماعيل، أبو موسى.
من ألقابه
الصادق، الصابر، الطاهر، الفاضل، الكامل، الكافل، المنجي.
تلقيبه بالصادق
لقد جاء لقب الإمام (ع) بالصادق من قبل رسول الله (ص)، حيث قال: «وَيُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ ـ أي صُلب محمّد الباقر ـ كَلِمَةَ الحَقِّ وَلِسَانَ الصِّدْقِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَمَا اسْمُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: جَعْفَرٌ، صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَفِعَالِهِ، الطَّاعِنُ عَلَيْهِ كَالطَّاعِنِ عَلَيَّ، وَالرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيّ»(2).
أُمّه
أُمّ فروة فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر التيمية.
ولادته
ولد في السابع عشر من ربيع الأوّل 83ﻫ بالمدينة المنوّرة.
عمره وإمامته
عمره 65 عاماً، وإمامته 34 عاماً.
حكّام عصره في سِنِي إمامته
من الأُمويّين خمسة: هشام بن عبد الملك، الوليد بن يزيد بن عبد الملك، يزيد بن الوليد بن عبد الملك، إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، مروان بن محمّد المعروف بالحمار.
ومن العبّاسيين اثنان: أبو العباس عبد الله المعروف بالسفّاح؛ لفرط جوره وظلمه، وكثرة ما سفح من دم وقتل من الناس الكثيرين، أبو جعفر المنصور المعروف بالدوانيقي؛ لأنّه كان ولفرط شحّه وبخله وحبّه للمال يُحاسب حتّى على الدوانيق، والدوانيق جمع دانق، وهو أصغر جزء من النقود في عهده.
من زوجاته
جارية، اسمها حميدة بنت صاعد البربرية المغربية، فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الإمام المجتبى(ع).
من أولاده
الإمام موسى الكاظم(ع)، إسماعيل الأعرج، إسحاق المؤتمن، عبد الله الأفطح، علي العُريضي، محمّد الديباج، فاطمة.
رواياته
وردت عن الإمام الصادق (ع) روايات كثيرة جدّاً، وفي مختلف العلوم والمعارف، فقد روي أنّ الناس نقلوا عنه (ع) من العلوم ما لم يُنقل عن أحدٍ من أهل بيته(عليهم السلام)، فقد عدّ علماء علم الرجال أسماء الراوين عنه (ع) من الثقات، فكانوا أربعة آلاف راوي(3).
فقد روى عنه راوٍ واحد ـ وهو أبان بن تغلب ـ ثلاثين ألف حديث(4).
قال الحسن بن علي الوشّاء من أصحاب الإمام الرضا(ع): «أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ، كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد(ع)»(5).
والسبب في أخذ حديث الإمام الصادق(ع) هو لأنّ حديثه حديث رسول الله(ص) كما قال: «حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي، وَحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي، وَحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الحُسَيْنِ، وَحَدِيثُ الحُسَيْنِ حَدِيثُ الحَسَنِ، وَحَدِيثُ الحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ(ع)، وَحَدِيثُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ(ص)، وَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَل»(6).
من أقوال العلماء فيه
1ـ قال الشيخ المفيد(قدس سره): «وَنَقَلَ النَّاسُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ مَا سَارَتْ بِهِ الرُّكْبَانُ، وَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي الْبُلْدَانِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْعُلَمَاءِ مَا نُقِلَ عَنْه»(7).
2ـ قال الشيخ محمّد بن طلحة الشافعي(ت: 652ﻫ): «هو من عظماء أهل البيت وساداتهم(عليهم السلام)، ذو علوم جمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه…»(8).
3ـ قال مالك بن أنس إمام المالكية: «والله ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمّد(ع) زهداً وفضلاً وعبادة وورعاً، وكنت أقصده فيُكرمني ويقبل عليّ»(9).
وقال أيضاً: «وكان(ع) رجلاً لا يخلو من ثلاث خصال: إمّا صائماً، وإمّا قائماً، وإمّا ذاكراً، وكان من عظماء العبّاد، وأكابر الزهّاد الذين يخشون الله عزّ وجل، وكان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد»(10).
4ـ قال ابن الصبّاغ المالكي(ت: 855ﻫ): «كان جعفر الصادق ابن محمّد بن علي بن الحسين(عليهم السلام) من بين إخوانه خليفة أبيه محمّد بن علي(عليهما السلام) ووصيّه، والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل، وكان أنبههم ذكراً، وأعظمهم قدراً، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث»(11).
5ـ قال حسن بن زياد: «سمعت أبا حنيفة وسُئل: مَن أفقه مَن رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد»(12).
تضييق المنصور له
لقد ازداد تضييق المنصور العبّاسي على الإمام الصادق(ع)، وأخذ يُمهّد لقتله، فقد روى الفضل بن الربيع عن أبيه قال: «دعاني المنصور فقال: إنّ جعفر بن محمّد يُلحد في سلطاني، قتلني الله إن لم أقتله. فأتيته، فقلت: أجب أمير المؤمنين. فتطهّر ولبس ثياباً أحسبه قال جدداً، فأقبلت به فاستأذنت له، فقال: أدخله، قتلني الله إن لم أقتله، فلمّا نظر إليه مقبلاً قام من مجلسه فتلقّاه وقال: مرحباً بالنقي الساحة، البرئ من الدغل والخيانة، أخي وابن عمّي. فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه، وسأله عن حاله، ثمّ قال: سلني عن حاجتك.
فقال: أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم فتأمر لهم به. قال: أفعل. ثمّ قال: يا جارية ائتني بالتحفة. فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلّفه بيده وانصرف، فاتبعته، فقلت: يا ابن رسول الله، أتيت بك ولا أشكّ أنّه قاتلك، فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرّك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال: قلت: اللَّهُمَّ احْرُسْنِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاكْنُفْنِي بِرُكْنِكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَاحْفَظْنِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ، وَلَا تُهْلِكْنِي وَأَنْتَ رَجَائِي…»(13).
استشهاده
استُشهد في الخامس والعشرين من شوال 148ﻫ بالمدينة المنوّرة.
دفنه
تولّى الإمام الكاظم (ع) تجهيز جثمان أبيه (ع)، وبعد تشييعه دُفن بجوار مرقد أبيه الإمام محمّد الباقر، وجدّه الإمام علي زين العابدين، والإمام الحسن المجتبى (عليهم السلام) بمقبرة البقيع.
من وصاياه
1ـ قال(ع): «إِيَّاكُمْ وَالخُصُومَةَ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتُورِثُ النِّفَاقَ، وَتُكْسِبُ الضَّغَائِنَ، وَتَسْتَجِيزُ [تَسْتَجِيرُ] الْكَذِب»(14).
2ـ قال(ع): «مَنْ أُعْطِيَ ثَلَاثاً لَمْ يُمْنَعْ ثَلَاثاً، مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ أُعْطِيَ الإِجَابَةَ، ومَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ أُعْطِيَ الزِّيَادَةَ، ومَنْ أُعْطِيَ التَّوَكُّلَ أُعْطِيَ الْكِفَايَةَ.
ثُمَّ قَالَ: أتَلَوْتَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ومَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه﴾، وقَالَ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾، وقَالَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾»(15).
3ـ قال(ع): «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، ولَا يَكُونُ لَه رَجَاءٌ إِلَّا عِنْدَ الله، فَإِذَا عَلِمَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِه لَمْ يَسْأَلِ اللَه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه»(16).
4ـ قال(ع): «لَا تَمْزَحْ فَيَذْهَبَ نُورُكَ، وَلَا تَكْذِبْ فَيَذْهَبَ بَهَاؤُكَ، وَإِيَّاكَ وَخَصْلَتَيْنِ: الضَّجَرَ وَالْكَسَلَ، فَإِنَّكَ إِنْ ضَجِرْتَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ، وَإِنْ كَسِلْتَ لَمْ تُؤَدِّ حَقّاً»(17).
رثاؤه
ممّن رثاه السيّد محسن الأمين(رحمه الله) بقوله:
«تَبكِي العُيونُ بِدمعِها المتورِّدِ ** حُزناً لِثَاوٍ في بَقيعِ الغَرقدِ
تَبكي العُيونُ دَماً لِفقدِ مُبرَّزٍ ** مِن آلِ أحمدَ مِثلُه لم يُفقدِ
أيُّ النَّواظِرِ لا تَفيضُ دُمُوعُها ** حُزناً لمأتمِ جَعفرِ بنِ مُحمَّدِ
الصَّادقُ الصِّدّيقُ بَحرُ العِلمِ مِصـ ** باحُ الهُدى والعَالِمُ المتهجّدِ
رُزءٌ لهُ أركانُ دِينِ مُحمَّدٍ ** هُدَّتْ ونابَ الحُزنُ قَلبَ مُحمَّدِ
رُزءٌ لهُ تَبكِي شَريعةُ أحمدٍ ** وتَنوحُ مُعوِلَةً بِقلبٍ مُكمدِ
رُزءٌ بِقلبِ الدِّينِ أثبتَ سَهمَهُ ** ورَمى حُشاشةَ قلبِ كُلِّ مُوحِّدِ
ماذا جَنَتْ آلُ الطَّليقِ وما الذي ** جَرَّت على الإسلامِ من صُنعٍ رَدِي
كَم أنزَلَتْ مُرَّ البَلاءِ بِجعفرٍ ** نَجمِ الهُدى مَأمونِ شِرعةِ أحمدِ
كَم شَرَّدَتهُ عن مَدينةِ جدِّهِ ** ظُلماً تجشِّمُه السرى في فدفد
كَمْ قد رَأى المنصورُ منهُ عَجائباً ** ورَأى الهُدَى لَكنَّهُ لم يَهتدِ
لَم يَحفظُوا المختارَ في أولادِهِ ** وسِواهُمُ مِن أحمدٍ لم يُولَد
لَم يَكفِ مَا صَنَعَتْ بِهم أعداؤهُم ** زَمنَ الحَياةِ ومَا اعتَدَاهُ المُعتدي
حَتَّى غَدَتْ بَعدَ المماتِ خَوارجٌ ** في الظُّلمِ بالماضينَ منهُم تَقتَدِي
هُدِمَتْ ضَرائحُ فوقَهُم قد شُيِّدَتْ ** مَعقودةً مِن فَوقِ أشرفِ مَرقدِ»(18).
ــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: إعلام الورى بأعلام الهدى 1/ 513، الأنوار البهية: 147.
2ـ كفاية الأثر: 83.
3ـ اُنظر: الإرشاد 2/ 179.
4ـ اُنظر: رجال النجاشي: 12 رقم7.
5ـ رجال النجاشي: 40 رقم80.
6ـ الكافي 1/ 53 ح14.
7ـ الإرشاد 2/ 179.
8ـ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 436.
9ـ الأمالي للصدوق: 636 ح852.
10ـ المصدر السابق: 234 ح247.
11ـ الفصول المهمّة 2/ 907.
12ـ الكامل لابن عدي 2/ 132.
13ـ سير أعلام النبلاء 6/ 266.
14ـ الأمالي للصدوق: 503 ح691.
15ـ الكافي 2/ 65 ح6.
16ـ المصدر السابق 2/ 148 ح2.
17ـ الأمالي للصدوق: 636 ح853.
18ـ المجالس السنية 5/ 516.
تعليق