إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(هذا رأسُ أبي) علي الخباز

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (هذا رأسُ أبي) علي الخباز


    الله أكبر..
    الله اكبر..
    أنا قتلت آبر التميمي، قتلته لأزيح عن قلبي تلك الغمامة التي استولت على خاطري، ولألقي على روحي أطياف نور بهي. ولا يهم بعد الآن من يقتلني أو كيف سأحاكم، المهم أني أخذت ثأر أبي، فيا مصعب بن الزبير، قبل أن تسألني من أنا، ومن أكون، ولِمَ ذبحت آبرا هذا اللعين؟ أرى عليك أن تعود الى ذلك البذار السخي، وتقرأ تاريخ من وهب دمه ليرويه فيثمر السلام.
    كان أبي يحمل عطر صحبة قدسها النبي (ص)، ومن خواص رفقة أعادت الشمس ليقظتها من أجل أن تصلي، ومن أصحاب ذلك الأفق المذبوح بكربلاء، سلاما إلهياً مباركاً، كان كبير قومه، رجل في العقد الثامن من عمره، وحمل السيف نصرة للحق والعدل والولاء، قبل أن تسألني من أنت يا أمير، دعني أحدثك عن قدسية الانتماء في عرف عائلة تجلس لتتناول الغداء، تحيط المائدة ببسملة تهدي الشبع والبركة والعافية، وإذا غصة أمي تكون قد أشرقت بنبوءة خير:- يا أبا القاسم، ستطرق باب بهجتنا بطارق ارسله الله لنا خيراً ومثوبة وجهاد.
    وما ان انتهت من قولها، وإذا بالباب تقرع ورسالة مولاي الحسين (عليه السلام): اما بعد يا حبيب (أنت أعرف بنا من غيرك) لبوة الرحمة تستنهضه: بالله عليك يا حبيب، إذا قدمت اليه قبِّل يديه نيابة عني، واقرأه السلام.
    وعلى جمر الشوق، وعلى أثير رؤيا مباركة، جاءت امرأة من قريباتنا تحمل النداء الى أبي من سيدة نساء العالمين (عليها سلام الله)، سألتها: كيف حال بني أسد؟ وكيف حال حبيب بن مظاهر؟ أبلغيه عني السلام، وقولي له ليخضب لحيته برشاد بصير، فكان الدم هو الخضاب.
    نظر إليّ أميرهم مصعب بن الزبير، وأنا تحت اثقال القيد، وقال:- أخبرني بعض من حضر الطف من رجال هذا المعسكر، ومن القريبين جدا من الواقعة، بأنك لست ابن حبيب، فالقاسم بن الحبيب قد قتل مع أبيه في كربلاء، فمن انت؟
    قلت لنفسي: وقح هذا الأمير، يعترف بإيواء قتلة الحسين (عليه السلام) في جيشه دون حرج. قلت: أيها الأمير، إن فطنة الشر غواية، وذاكرة المظلوم اقوى من ذاكرة الظالم، أنا ابن حبيب بن مظاهر الأسدي، الرجل الذي دافع عن ابن بنت رسول الله (ص) وجاد بنفسه.
    على كتفي حملت اليتم فصول حزن قويمة، وعلى ضفة أساي جرح مهضوم لا يسعفه سوى القصاص، فأنا اقول لك الآن وبصوت عال:- أنا القاسم بن حبيب بن مظاهر الأسدي، ولي أخوان محمد وعبد الله، حين كبُر العزم عند أبي (رحمه الله) وأراد أن يشد الرحال الى النصرة، خشي الجهر أن يكون سلما لممانعة العشيرة له، ولذلك أخذ محمداً معه وأبقاني شاخصاً للتمويه، ومحمد صار سلوة الدرب، وبهجة القلب معه.
    صاح مصعب بن الزبير:- ومن كان ثالثهما إذن؟ قلت:- الثالث كان الغلام الذي اطلق أبي عبوديته حرا لله تعالى، فتوجه مضحيا بروحه نصرة للحسين (عليه السلام). وقف حينها أبي أمام حيّ من أحياء بني أسد القريبة من أرض الواقعة:- يا بني أسد، على اسوار الحي نزل ابن النور الزهراء بنت رسول الله (ص)، وابن المرتضى علي (سلام الله عليه)، وقد نشر الأعداء ميراث حقدهم المهين، سألني حينها مصعب بن الزبير:- ألا تخشى الموت؟
    قلت:- الأشجار الباسقة لا تنمو إلا بخصوبة أرض وصفاء غُدران، وأنا ابن الذي أضحكته الحرب، فسأله برير (رحمة الله عليه) أن يميل لهول الموقف ساعتها، فقال:- أي موضع أحق من هذا السرور، سيف يضربنا وإذا نحن نعانق الحور العين.
    الحرب بلا قلب، والحرب بلا ضمير، هكذا يقول الجند، وأصحاب الحسين (عليه السلام) استنهضوا قيماً صارت قلوبا تنبض، وضمائر صاحية حتى أن مسلم بن عوسجة، يوصي ابي حبيب (رحمهما الله):- أوصيك بهذا، ويقصد بسيد الشهداء الإمام الحسين (سلام الله عليه) فأجابه أبي:- أفعل ورب الكعبة.
    بماذا تريد أن تحكمني أيها الأمير، وهل لديك حكم غير الموت، وعندي يعني الشهادة، ويعني أني سأتبع هوية ابي شهيداً؟ أم تريدني أن أتأمل منكم العفو، أبي أخذ رأس بديل مطية لشهادته، وأنا اخترت آبر مطية لشهادتي، أبي رجل بلغ العقد الثامن من عمره، قتل بديل الغطفاني في مبارزة ومواجهة رجل لرجل، والتحق رجل من بني تميم ليضرب أبي، وساندهما الحصين، وبعدما قتلوه احتزوا رأسه، وتشاجروا على أثمانه..!
    يا الله... أي نوع من البشر هؤلاء؟ وانت اليوم تحاكمني ايها الامير؛ لأني قتلت هذا الخبث المتأصل فيه؛ كي لا ينشر نتنه بين الناس.
    يبدو أن بال مصعب بن الزبير مشغول بشيء آخر، وإذا به يصرخ غاضباً:- كيف تجرأت على قتله هنا بين معسكري وتحت حمايتي، وهل تعرف من يكون آبر بالنسبة لي؟
    قلت:- جرأني الجرح أيها الامير، جرأني الجرح، كيف ستكون وأنت ترى رأس أبيك على رمح خبيث، وبيد شرير لا يمتلك ذرة من ضمير، يأخذ الرأس يريد ان يبيعه، نعم، أتقبل لمن يبيع رأس أبيك، رجل يقتل في الحرب ليس في الأمر شيء، لكن أن تقطع رأسه، وتحمل كل هذه المسافة من أجل المال، فتلك عجيبة، الى أي ملة ينتمون؟ ومن أي دين يكونون؟ لقد رأيته بعيني يا أمير، هو يعبث بالرأس، قلت:- قف أرجوك، أتوسل اليك أعطني الرأس.
    أجابني بصلافة القتلة:- وما شأنك والرأس؟ قلت:- إنه رأس أبي، ما رأيك لو قلت لك ايها الامير إن هذا الرأس الذي بين يديك رأس أبي، فامنحني اياه؛ كي أواريه التراب، كيف ترضون ايها الامراء أن تضموا لمعسكراتكم قادة، يحسبون رؤوس الناس دنانير؟ وانتم تقولون: أشهد أن لا إله إلا الله، كيف؟ فلذلك صرت أترقب وجوده اينما ذهب، وحين دخلتم (باجميرا) دخل عسكركم هذه المدينة.
    أربكني المشهد حين رأيت قاتل ابي يدخل قائداً من قواد عسكركم، صعب عليّ أن أراه امامي ينعم بالحياة التي حرم أبي منها، دخلت عليه فسطاطه وذبحته، ذبحته أيها الأمير، ولا شغل عندي بالرأس فهو حلال عليكم.​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X