تتحرك المنظومة المعرفية الاستشراقية للبحث داخل أطر الواقع التأريخي، لتكوين محصلة نهائية تعتمد على حيوية التأثير بالمدون العربي باختلافاته الحادة، فمن المستشرقين من نهل المعلومة من مناهل عذبة تقرأ التأريخ قراءة منهجية، تحوي قدراته النهضوية، ومنهم عدد غير قليل من الذين اشتغلوا على سطحية المدون بطريقة نقلية ببغاوية، أخذوا المعلومة من المؤرخين الحاقدين على النقاط المضيئة في التأريخ، فشوهوا الكثير من معالم سمات الائمة (عليهم السلام) الشخصية، وتأثيرهم البصير على مسيرة التأريخ نفسه.
شكلت رموز أهل البيت (عليهم السلام) جذر الواقع التكويني المعرفي المتحرك، وهذا ما جعل التحامل كبيراً على هذه الرموز الخيرة، ومنها الامام الحسن بن علي (عليهما السلام). والمتابع لحركة المستشرقين التدوينية يحتاج الى الوقوف طويلاً أمام تلك التحريفات التي رسخت – للأسف - في عقلية المدون التأريخي، وأغلبها كان يعمل ضمن قصدية معروفة ومعلومة.
ولتوضيح معالم قضية تاريخية مهمة هي (صلح الحسن عليه السلام) أصدر قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة كتاباً بعنوان (صلح الحسن عليه السلام في فكر المستشرقين) تأليف الأستاذ (كريم جهاد الحساني) وتمت مراجعة الكتاب من قبل شعبة الدراسات والنشرات، حيث كان الفصل الاول دراسة بعنوان (بين يدي الامام الحسن عليه السلام)، وهي على مبحثين: الأول في البيت المحمدي ووريث الخلافة الوحيد، والبحث الثاني، الصلح العلوي الاموي في التاريخ الاسلامي، ومن ثم الاسباب والدواعي.
وليخصص الفصل الثاني في قضية العنونة التي طرحها البحث، فكان الصلح في المنظور الاستشراقي يتجه باتجاه عملية التقنين لتأجيج قضية الخلاف الذي حفل به التاريخ الاسلامي، كواقع سياسي اتخذ موضوع الخلافة نقطة خلاف كبيرة، والصلح كان تحولاً شهد وضعاً سياسياً.
يرى السيد الباحث ان واقعة الصلح واقعة ليست عابرة، بل كان لها الاثر الاكبر عمقا في امتداد الرسالة الاسلامية، وبحث في مسألة مهمة بواسطة سؤال هو: لماذا يكتب المستشرقون؟ ونحن نضيف اداة سؤال أخرى: بماذا كان يكتب المستشرقون؟ فالمستشرقون لا ينظرون الى الوقائع بإيمان، بل يستقصي اغلب المستشرقين الاحداث من المدونات المتاحة والقريبة بين يديه، مع وجود قيمة معنوية لبعض المستشرقين المتأملين، والذين استطاعوا ان يكشفوا المغالطات التي وردت في كتابات الاخرين من المستشرقين، فسلامة العمل الابداعي يحتاج الى قراءة واعية في عملية الخلق نفسها، حفاظاً على المنظومة الفكرية التي تستقرئ بنى التأريخ بأمانة، وأغلب المستشرفين تناولوا سير أهل البيت (عليهم السلام) ببواعث وأغراض غير نجيبة، ولذلك تراهم سعوا لتشويه الحقائق ونتيجة القصور الذهني او التعصب والبعض من تلك القراءات المشوهة، كانت بسبب النزعات العرقية والجهل والسطحية في العمق البحثي.
وبغض النظر عن الآليات التي تعامل بها المستشرقون، إلا انهم سعوا لتشويه ارقى السمات الانسانية عند الرموز اليقينية خشية خلق النموذج الأمثل القدوة.
البحث الثاني تضمن موقف المستشرقين من الامام الحسن (عليه السلام)، إذ تداولوا الاتهامات تداولاً (ببغاويا) ليكثروا الوجع في أية قراءة منصفة، موجهين النقد اللاذع للإمام الحسن عليه السلام، كنغمة تعدد الزوجات، الاسراف بالملذات، حيث صوروه مزواجاً ومطلاقاً..! ومصدر اغلب تلك التهم هي الحقد على الاسلام، والطعن والتشويه والافتراء برجل من رجالات بيته الطاهر (عليهم السلام).
بينما يرى احد المستبصرين ان هذا التعاقب الامامي لامتلاكهم جوهر نور سماوي، فكيف يتهم بالميل الى الشهوات من مشى عشرين حجة الى بيت الله الحرام، وخرج من ماله لله وقاسمه المال يعطي للفقراء مثلما يصرف لبيته، فهل نترك ما قاله النبي (ص) عن الامام الحسن (عليه السلام) ونعتز بما قاله (لامنس) وغيره من المستشرقين بحق امامنا المظلوم؟!
والصلح هو من اكثر المواقف التي وقف عندها المستشرقون بين مؤيد ومعارض، واغلب الاراء متحاملة على الامام الحسن (سلام الله عليه). كتاب (صلح الحسن عليه السلام في فكر المستشرقين) من الكتب المهمة التي لابد ان تنصر الحق والحقيقة، فبارك الله هذا المسعى الفكري الراشد.
تعليق