مقدّمة
يعدّ تراث أهل البيت(عليهم السلام) في كلّ ما وردنا عنهم مدرسةً للمعارف في مختلف صنوف المعرفة الإسلامية والإنسانيّة، فسِيَرُهم بما تحتوي من أحاديث ومواقف وتقريرات هي مناهل فيض ومعرفة ونور، تضيء الطّريق للسّالك إلى الله تعالى في بناء نفسه، وتقويم ذاته، وإصلاح حياته، وتعلّم السلوك الاجتماعيّ القويم الذي ينبغي أن يكون عليه ليسير في طريق الكمال.
ومن هنا؛ وردت الأحاديث الشريفة مؤكِّدة على ضرورة الاهتمام والمحافظة على أحاديثهم ورواياتهم الطّاهرة، كالأحاديث التي تحثّ على الأخذ برواياتهم وتدوينها وحفظها ونشرها بين الأصحاب والشيعة، بل بين عموم المسلمين؛ لتنير لهم الطّريق، فما حفظ أحاديثهم لحروفها، بل لمفاهيمها ومعانيها وقيمها.
ومن ضمن هذا التراث المبارك لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) تبرز نصوص الزيارات الشريفة المروية عنهم كأظهر ما يكون؛ ولذا رأينا علماءنا من المتقدّمين والمتأخّرين يولون الزيارات أهمّية خاصّة في مؤلّفاتهم، سواء كانت بصورة عامّة ضمن موسوعاتهم، أم بصورة خاصّة ضمن مؤلّفات خُصّت بها الزيارات(1).
من هنا؛ لا بدَّ من الالتفات الدّقيق إلى الزيارات لاكتشاف ما تحوي من مفاهيم ومبادئ يمكن للإنسان أن يتبّعها؛ ليرسم الطّريق الصّحيح له وفق ما أراده أهل البيت(عليهم السلام) وعلّموه لشيعتهم؛ ليقرّوا به في أشرف المواضع وأطهرها، وفي أشرف المناسبات، والمخاطبات.
ومن هنا؛ كان المعصومون المطهّرون(عليهم السلام) يؤكّدون على نصّ الزيارة التي يزورون بها، من ذلك قول الإمام الصادق(عليه السلام): «يا مُفضل، إذا أتيت قبر الحسين بن علي(عليهما السلام)، فقف بالباب، وقل هذه الكلمات، فإنّ لك بكلّ كلمةٍ كفلاً من رحمة الله...»[1]، فكلمات الزيارات هي الكفل من رحمة الله.
ولذلك؛ كان أصحاب الأئمّة من السّلف الصّالح ناظرين إلى أهمّية هذه النصوص وخطرها؛ فكانوا يطلبون منهم تعلُّم نصوص الزيارة، فقد سأل علقمة ابن محمّد الحضرميّ الإمامَ الباقر(عليه السلام) قائلاً: «علّمني دعاءً أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب، ودعاءً أدعو به إذا لم أزره من قريب، وأومأت إليه من بعد البلاد، ومِن داري»[2]، وكان الإمام(عليه السلام) حاضراً بالإجابة، فعلَّمه الزيارة، وقال له بعد أن أتمّها: «إن استطعتَ أن تزوره في كلّ يومٍ بهذه الزيارة من دهرك فافعل، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى»[3].
وورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) في الزيارة نفسها والدعاء المرويّ بعدها أنّه قال لصفوان: «تعاهد هذه الزيارة، وادع بهذا الدعاء، وزر به؛ فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزيارة، ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد، أنّ زيارته مقبولة، وسعيه مشكور، وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضيّة من الله، بالغاً ما بلغت، ولا يخيّبه...»[4].
ومن هنا اتّضحت أهمّية هذه النصوص الشريفة على لسان الأئمّة الطّاهرين(عليهم السلام) الذين ينقلون كلامهم كابراً عن كابر عن النبيّ الأطهر(صلى الله عليه واله) الذي لا ينطق عن الهوى، بل إنّ كلامه وحي يوحى.
التوحيد في نصوص الزيارات
والبحث الحاليّ ينظر إلى جانب واحدٍ ممّا ورد في الزيارات الشريفة، وهذا الجانب هو جانب التّأكيد على (التوحيد) في نصوص الزيارات.
وهذا الجانب يلمسه الزائر والقارئ للنصّوص الشريفة بسهولة؛ وذلك أنّ معظم الزيارات تبدأ بتوحيد الله وتعظيمه وتمجيده، من هذا ما جاء في بداية إحدى الزيارات: «اللهُ أَكْبَرُ كَبيراً، وَسُبْحانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصيلاً»[5]، فيكون مفتاحُ الزيارة توحيدَ الله تعالى، والزائر يفتتح زيارته بكلمات التوحيد لله تعالى؛ لتنفتحَ له آفاقُ الدنيا بألطاف الله تعالى الذي خلق، وأنعم، وكفى، وبلّغ، ووفّق، وأنجز ما وعد، ولم يخيِّب سائلاً سأله؛ ولـمّا كان هذا التّوجّه الرّوحيّ بالاتّصال بالله تعالى هو الغالب والسّائد على الزائر، حينئذٍ نفهم حقيقة الرّوايات التي تؤكّد أنّ الدعاء عند قبر الإمام الحسين(عليه السلام) مستجاب[6]؛ وذلك لما تزوّد به الزائر ممّا رزقه الله تعالى به من بُعْدٍ معنويّ في اتّصاله بالملأ الأعلى.
ونقرأ في نصوص أُخرى من الزيارة: «الـحَمْدُ للهِ الْواحِدِ المُـتَوّحِّدِ بِالأُمورِ كُلّها، خالِقِ الخَلْقِ، ولَمْ يَعْزُبْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُمورِهِمْ، وَعَلِمَ كلَّ شَيْءٍ بِغَيْرِ تَعْليمٍ... لا إلهَ إلا اللهُ في عِلْمِهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ، لا إلهَ إلا اللهُ بَعْدَ عِلْمِهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ مَعَ عِلْمِهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ... لا إلهَ إلا اللهُ تَهْليلاً لا يُحْصيهِ غَيْرُهُ، قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، وَبَعْدَ كُلِّ أَحَدٍ، وَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ، وَعَدَدَ كُلِّ أَحَدٍ...»[7]، فالتوحيد هنا - كما هو واضح - المحور الذي يدور حوله النصّ.
إلّا أنّ البحث لا يريد النظر إلى التوحيد في الزيارات من جانب عامّ، بل يريد النظر إليه من جانب لغوي، إذ يريد تحديد الصّيغ اللغوية التي ورد فيها التّأكيد على التوحيد ضمن النصوص المروية عن أهل البيت(عليهم السلام) في زيارات الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد وجد الباحث موارد عدّة لتأكيد التوحيد بصيغ مختلفة.
يعدّ تراث أهل البيت(عليهم السلام) في كلّ ما وردنا عنهم مدرسةً للمعارف في مختلف صنوف المعرفة الإسلامية والإنسانيّة، فسِيَرُهم بما تحتوي من أحاديث ومواقف وتقريرات هي مناهل فيض ومعرفة ونور، تضيء الطّريق للسّالك إلى الله تعالى في بناء نفسه، وتقويم ذاته، وإصلاح حياته، وتعلّم السلوك الاجتماعيّ القويم الذي ينبغي أن يكون عليه ليسير في طريق الكمال.
ومن هنا؛ وردت الأحاديث الشريفة مؤكِّدة على ضرورة الاهتمام والمحافظة على أحاديثهم ورواياتهم الطّاهرة، كالأحاديث التي تحثّ على الأخذ برواياتهم وتدوينها وحفظها ونشرها بين الأصحاب والشيعة، بل بين عموم المسلمين؛ لتنير لهم الطّريق، فما حفظ أحاديثهم لحروفها، بل لمفاهيمها ومعانيها وقيمها.
ومن ضمن هذا التراث المبارك لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) تبرز نصوص الزيارات الشريفة المروية عنهم كأظهر ما يكون؛ ولذا رأينا علماءنا من المتقدّمين والمتأخّرين يولون الزيارات أهمّية خاصّة في مؤلّفاتهم، سواء كانت بصورة عامّة ضمن موسوعاتهم، أم بصورة خاصّة ضمن مؤلّفات خُصّت بها الزيارات(1).
من هنا؛ لا بدَّ من الالتفات الدّقيق إلى الزيارات لاكتشاف ما تحوي من مفاهيم ومبادئ يمكن للإنسان أن يتبّعها؛ ليرسم الطّريق الصّحيح له وفق ما أراده أهل البيت(عليهم السلام) وعلّموه لشيعتهم؛ ليقرّوا به في أشرف المواضع وأطهرها، وفي أشرف المناسبات، والمخاطبات.
ومن هنا؛ كان المعصومون المطهّرون(عليهم السلام) يؤكّدون على نصّ الزيارة التي يزورون بها، من ذلك قول الإمام الصادق(عليه السلام): «يا مُفضل، إذا أتيت قبر الحسين بن علي(عليهما السلام)، فقف بالباب، وقل هذه الكلمات، فإنّ لك بكلّ كلمةٍ كفلاً من رحمة الله...»[1]، فكلمات الزيارات هي الكفل من رحمة الله.
ولذلك؛ كان أصحاب الأئمّة من السّلف الصّالح ناظرين إلى أهمّية هذه النصوص وخطرها؛ فكانوا يطلبون منهم تعلُّم نصوص الزيارة، فقد سأل علقمة ابن محمّد الحضرميّ الإمامَ الباقر(عليه السلام) قائلاً: «علّمني دعاءً أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب، ودعاءً أدعو به إذا لم أزره من قريب، وأومأت إليه من بعد البلاد، ومِن داري»[2]، وكان الإمام(عليه السلام) حاضراً بالإجابة، فعلَّمه الزيارة، وقال له بعد أن أتمّها: «إن استطعتَ أن تزوره في كلّ يومٍ بهذه الزيارة من دهرك فافعل، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى»[3].
وورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) في الزيارة نفسها والدعاء المرويّ بعدها أنّه قال لصفوان: «تعاهد هذه الزيارة، وادع بهذا الدعاء، وزر به؛ فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزيارة، ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد، أنّ زيارته مقبولة، وسعيه مشكور، وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضيّة من الله، بالغاً ما بلغت، ولا يخيّبه...»[4].
ومن هنا اتّضحت أهمّية هذه النصوص الشريفة على لسان الأئمّة الطّاهرين(عليهم السلام) الذين ينقلون كلامهم كابراً عن كابر عن النبيّ الأطهر(صلى الله عليه واله) الذي لا ينطق عن الهوى، بل إنّ كلامه وحي يوحى.
التوحيد في نصوص الزيارات
والبحث الحاليّ ينظر إلى جانب واحدٍ ممّا ورد في الزيارات الشريفة، وهذا الجانب هو جانب التّأكيد على (التوحيد) في نصوص الزيارات.
وهذا الجانب يلمسه الزائر والقارئ للنصّوص الشريفة بسهولة؛ وذلك أنّ معظم الزيارات تبدأ بتوحيد الله وتعظيمه وتمجيده، من هذا ما جاء في بداية إحدى الزيارات: «اللهُ أَكْبَرُ كَبيراً، وَسُبْحانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصيلاً»[5]، فيكون مفتاحُ الزيارة توحيدَ الله تعالى، والزائر يفتتح زيارته بكلمات التوحيد لله تعالى؛ لتنفتحَ له آفاقُ الدنيا بألطاف الله تعالى الذي خلق، وأنعم، وكفى، وبلّغ، ووفّق، وأنجز ما وعد، ولم يخيِّب سائلاً سأله؛ ولـمّا كان هذا التّوجّه الرّوحيّ بالاتّصال بالله تعالى هو الغالب والسّائد على الزائر، حينئذٍ نفهم حقيقة الرّوايات التي تؤكّد أنّ الدعاء عند قبر الإمام الحسين(عليه السلام) مستجاب[6]؛ وذلك لما تزوّد به الزائر ممّا رزقه الله تعالى به من بُعْدٍ معنويّ في اتّصاله بالملأ الأعلى.
ونقرأ في نصوص أُخرى من الزيارة: «الـحَمْدُ للهِ الْواحِدِ المُـتَوّحِّدِ بِالأُمورِ كُلّها، خالِقِ الخَلْقِ، ولَمْ يَعْزُبْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُمورِهِمْ، وَعَلِمَ كلَّ شَيْءٍ بِغَيْرِ تَعْليمٍ... لا إلهَ إلا اللهُ في عِلْمِهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ، لا إلهَ إلا اللهُ بَعْدَ عِلْمِهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ مَعَ عِلْمِهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ... لا إلهَ إلا اللهُ تَهْليلاً لا يُحْصيهِ غَيْرُهُ، قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، وَبَعْدَ كُلِّ أَحَدٍ، وَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ، وَعَدَدَ كُلِّ أَحَدٍ...»[7]، فالتوحيد هنا - كما هو واضح - المحور الذي يدور حوله النصّ.
إلّا أنّ البحث لا يريد النظر إلى التوحيد في الزيارات من جانب عامّ، بل يريد النظر إليه من جانب لغوي، إذ يريد تحديد الصّيغ اللغوية التي ورد فيها التّأكيد على التوحيد ضمن النصوص المروية عن أهل البيت(عليهم السلام) في زيارات الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد وجد الباحث موارد عدّة لتأكيد التوحيد بصيغ مختلفة.
تعليق