بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الذين يعتقدون أن مسائل الحياة منفصلة عن بعضها البعض وأن كل شيء مستقل بذاته وله حدوده وعالمه الخاص به وأن كل زاوية من زوايا حياة الإنسان إنما تتعلق بشيء خاص بها دون الزوايا الأخرى، فسوف يتعجبون وأحياناً ينكرون أن يطرح أحد مسألة بعنوان (الاقتصاد الإسلامي)، لأنهم يعتقدون أن كلاًّ من الإسلام والاقتصاد إنما هو مسألة منفصلة عن الأخرى. أي أن الإسلام دين فقط لذاته لا علاقة له بأي أمرٍ آخر وكذلك الاقتصاد هو علم أو فلسفة قائمة بذاتها أيضاً، فللإسلام عالمه الخاص المستقل به وللاقتصاد كذلك عالمه الخاص الآخر، كما أن لكلٍ من الثقافة والسياسة والقضاء بل وحتى الأخلاق عالمه الخاص به المنفصل عن الإسلام.
وذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك فقالوا أن الحياة بنحو كلي مسألة والدين مسألة أخرى ولا ينبغي خلط الدين بمسائل الحياة.
والاشتباه الأول الذي وقع فيه هؤلاء هو أنهم افترضوا مسائل الحياة أموراً مجردة وغير مرتبطة بغيرها من المسائل...
كلا، بل الحياة وحدة تامة بحيث أن كل شأنٍ من شؤونها ملازم للشأن الآخر ومرتبط به. فإن الصلاح والفساد في كل شأن من شؤون الحياة له أثره في سائر شؤونها الأخرى، إذ ليس من الممكن مثلاً أن يكون كلٌّ من ثقافة المجتمع وسياسته وقضاؤه وأخلاقه وتربيته واقتصاده فاسداً في نفس الوقت الذي يكون فيه دينه صالحاً أو بالعكس.
فنحن لو افترضنا أن الدين ينحصر في الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة وفي الصلاة والصوم فلمدَّع أن يدعي حينئذٍ أن الدين منفصل عن سائر مسائل الحياة، إلا أن هذا الافتراض لو صدق على المسيحية فإنه لا يصدق على الإسلام.
الإسلام والاقتصاد
إن بين الإسلام والاقتصاد نحوين من الارتباط، مباشر وغير مباشر:
أما الارتباط المباشر فهو من جهة أن الإسلام قد أصدر مجموعة من الأحكام الاقتصادية المتعلقة بالملكية والتبادل والضرائب والحجر والإرث والهبات والصدقات والأوقاف وأروش الجنايات والواجبات المالية المترتبة على الثروة وغير ذلك، ففي الإسلام هناك كتاب البيع وكتاب الإجارة وكتاب الوكالة وكتاب الرهن وكتاب الإرث وكتاب الهبة وكتاب الوقف وغيره.
وبما أننا نعلم من جهة أخرى أن القرآن الكريم قد رفض القاعدة التي تقول: ﴿ ... نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ... ﴾ 1 فلذلك يجب علينا إما أن نأخذ بالإسلام مطلقاً وبكل ما فيه وإما أن نرده مطلقاً وبكل ما فيه.
وأما الارتباط غير المباشر بين الإسلام والاقتصاد فهو عن طريق الأخلاق، وقد نحت بعض الأديان الأخرى غير الإسلام في هذا الطريق بنحو ما. فالإسلام يأمر الناس بالأمانة والعفّة والعدالة والإحسان والإيثار وينهاهم عن السرقة والخيانة والرشوة، وكل هذه المفاهيم أو أن قسماً منها يتعلق بالثروة، وإذا لم تتضح حدود المسائل الاقتصادية فلن تتضح حدود العدالة والأمانة والعفّة والإحسان وكذلك حدود السرقة والخيانة والرشوة.
رأي الإسلام في الثروة
إذا أردنا أن نلقي نظرةً على النظام الاقتصادي للإسلام فلا بد لنا أن نعرف ما هو رأي الإسلام في الثروة والمال، فمن الممكن أن يظن البعض بأن الإسلام لا يقبل الثروة ولا يعترف بها ويعتبرها أمراً سيئاً ومرفوضاً، والشيء السيء المرفوض وغير المقبول لن تتعلق به مقررات وأحكام. وبعبارة أخرى، إن العقيدة التي ترفض أمراً معيناً لا يمكنها أن تصدر أحكاماً ومقررات بشأنه بل سوف تكون جميع أحكامها بخصوصه من قبيل: لا تأتوا بهذا الشيء، لا تلمسوه، لا تستعملوه، لا تتعاملوا به، الخ كما في أحكام الإسلام بالنسبة للخمر: لعن الله بايعها ومشتريها وآكل ثمنها وساقيها وشاربها...
والجواب على ذلك بأن هذا اشتباه كبير، فالإسلام لم يحتقر المال والثروة أبداً لا على صعيد الإنتاج ولا على صعيد المبادلة ولا على صعيد التصريف والإنفاق.
بل كل ذلك كان مما أكدّ عليه الإسلام وأوصى به وجعل له شرائط وموازين، فلم تكن الثروة مرفوضة في الإسلام بل كان إهدارها بنحو الإسراف والتبذير وإتلاف المال هو المرفوض والحرام، والإسلام إنما لا يقبل تحصيل الثروة إذا كان الإنسان هو الذي سوف يقع ضحية لها، ولهذا تصدّى الإسلام لمثل ذلك بقوةٍ وأدان بشدةٍ عبودية الإنسان للمال وسعيه إليه فقط من أجل تحصيله وجمعه وادخاره وحفظه، فقد ورد في الكتاب العزيز ﴿ ... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 2 ، وهذا هو ما يسمى بالحرص والبخل والطمع. وكذلك أدان الإسلام جمع المال من أجل إشباع البطن ومجرد العيش والبطالة والعطالة، وهو ما يسمى بإشباع الغرائز حيث يصبح في هذه الحالات جمع المال مرادفاً للدناءة وعاملاً في تذويب شخصية الإنسان وماحياً لكل نحوٍ من أنحاء الشخصية الإنسانية والمعنويات العالية.
وفي مقابل ذلك تتضح صورة التعامل مع المال، وهو بأن يتخذه الإنسان وسيلة للعمل والتأثير والإنتاج، وفي هذه الصورة سوف يصبح المال تابعاً لذلك الهدف الكلي الذي أراد الإنسان المال لأجله، ففي حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح".
وقد نظم الشاعر مولوي مضمون هذا الحديث فقال:
فالماء فوق الفلك عيــن هـلاكــها إن كان للدين مال المرء حامله
والماء تحت الفلك جسر خلاصها قال الرسول فنعم المال صالحه
فتشبيه المال والإنسان بالبحر والمركب رائع جداً، حيث أنه من جهة يغرقه ويمحو شخصيته ومن جهةٍ أخرى لا أنه فقط لا يؤثر في شخصيته بل يكون وسيلة وحيدة يصل بها إلى أهدافه وتكتمل بها شخصيته.
والآية الكريمة: ﴿ ... إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴾ 3 تبيّن مدى مدخلية المال في إفساد شخصية الإنسان. وكذلك الآية الكريمة: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ 4 وكذلك الآية الكريمة ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ... ﴾ 5 فكما أن الهدف في الآية ليس هو الأمر بالتخلي والترك الحقيقي والعملي للنساء والبنين لأن ذلك أمر غير ممكن، فكذلك الهدف في الآية ليس هو الترك والتخلي مطلقاً عن المال والثروة.
فالإسلام أدان إذن عبودية المال ولم يدن نفس المال والثروة وذلك من خلال:
أ - أنه أوصى بإنتاج الثروة الزراعية والحيوانية والصناعية.
ب - أوصى بتبادل الثروات أي بالتجارة والمبادلة.
ج - أوصى باستهلاك الثروة وإنفاقها في حدود احتياجات الفرد البعيدة عن كل نوع من أنواع التبذير والإسراف المفسد للإنسان.
د - حرّم الإسلام ومنع التبذير والإسراف وإتلاف المال.
هـ - وضع الإسلام أحكاماً قضائية وجزائية متشددة في موارد الظلم والانحراف والسرقة والخيانة.
و - جعل الإسلام الدفاع عن المال في حكم الجهاد والمقتول في سبيل ماله شهيداً: "المقتول دون أهله وماله...".
ز - جعل الإسلام للمال على الإنسان حقوقاً وواجبات.
ح - أخيراً اعتبر القرآن الكريم مجرد الثروة "خيراً" فقال: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ... ﴾ 6 .
المصادر
1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 150، الصفحة: 102.
2. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 34، الصفحة: 192.
3. القران الكريم: سورة العلق (96)، الآية: 6 و 7، الصفحة: 597.
4. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآيات: 10 - 15، الصفحة: 564.
5. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 14، الصفحة: 51.
6. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 180، الصفحة: 27.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الذين يعتقدون أن مسائل الحياة منفصلة عن بعضها البعض وأن كل شيء مستقل بذاته وله حدوده وعالمه الخاص به وأن كل زاوية من زوايا حياة الإنسان إنما تتعلق بشيء خاص بها دون الزوايا الأخرى، فسوف يتعجبون وأحياناً ينكرون أن يطرح أحد مسألة بعنوان (الاقتصاد الإسلامي)، لأنهم يعتقدون أن كلاًّ من الإسلام والاقتصاد إنما هو مسألة منفصلة عن الأخرى. أي أن الإسلام دين فقط لذاته لا علاقة له بأي أمرٍ آخر وكذلك الاقتصاد هو علم أو فلسفة قائمة بذاتها أيضاً، فللإسلام عالمه الخاص المستقل به وللاقتصاد كذلك عالمه الخاص الآخر، كما أن لكلٍ من الثقافة والسياسة والقضاء بل وحتى الأخلاق عالمه الخاص به المنفصل عن الإسلام.
وذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك فقالوا أن الحياة بنحو كلي مسألة والدين مسألة أخرى ولا ينبغي خلط الدين بمسائل الحياة.
والاشتباه الأول الذي وقع فيه هؤلاء هو أنهم افترضوا مسائل الحياة أموراً مجردة وغير مرتبطة بغيرها من المسائل...
كلا، بل الحياة وحدة تامة بحيث أن كل شأنٍ من شؤونها ملازم للشأن الآخر ومرتبط به. فإن الصلاح والفساد في كل شأن من شؤون الحياة له أثره في سائر شؤونها الأخرى، إذ ليس من الممكن مثلاً أن يكون كلٌّ من ثقافة المجتمع وسياسته وقضاؤه وأخلاقه وتربيته واقتصاده فاسداً في نفس الوقت الذي يكون فيه دينه صالحاً أو بالعكس.
فنحن لو افترضنا أن الدين ينحصر في الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة وفي الصلاة والصوم فلمدَّع أن يدعي حينئذٍ أن الدين منفصل عن سائر مسائل الحياة، إلا أن هذا الافتراض لو صدق على المسيحية فإنه لا يصدق على الإسلام.
الإسلام والاقتصاد
إن بين الإسلام والاقتصاد نحوين من الارتباط، مباشر وغير مباشر:
أما الارتباط المباشر فهو من جهة أن الإسلام قد أصدر مجموعة من الأحكام الاقتصادية المتعلقة بالملكية والتبادل والضرائب والحجر والإرث والهبات والصدقات والأوقاف وأروش الجنايات والواجبات المالية المترتبة على الثروة وغير ذلك، ففي الإسلام هناك كتاب البيع وكتاب الإجارة وكتاب الوكالة وكتاب الرهن وكتاب الإرث وكتاب الهبة وكتاب الوقف وغيره.
وبما أننا نعلم من جهة أخرى أن القرآن الكريم قد رفض القاعدة التي تقول: ﴿ ... نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ... ﴾ 1 فلذلك يجب علينا إما أن نأخذ بالإسلام مطلقاً وبكل ما فيه وإما أن نرده مطلقاً وبكل ما فيه.
وأما الارتباط غير المباشر بين الإسلام والاقتصاد فهو عن طريق الأخلاق، وقد نحت بعض الأديان الأخرى غير الإسلام في هذا الطريق بنحو ما. فالإسلام يأمر الناس بالأمانة والعفّة والعدالة والإحسان والإيثار وينهاهم عن السرقة والخيانة والرشوة، وكل هذه المفاهيم أو أن قسماً منها يتعلق بالثروة، وإذا لم تتضح حدود المسائل الاقتصادية فلن تتضح حدود العدالة والأمانة والعفّة والإحسان وكذلك حدود السرقة والخيانة والرشوة.
رأي الإسلام في الثروة
إذا أردنا أن نلقي نظرةً على النظام الاقتصادي للإسلام فلا بد لنا أن نعرف ما هو رأي الإسلام في الثروة والمال، فمن الممكن أن يظن البعض بأن الإسلام لا يقبل الثروة ولا يعترف بها ويعتبرها أمراً سيئاً ومرفوضاً، والشيء السيء المرفوض وغير المقبول لن تتعلق به مقررات وأحكام. وبعبارة أخرى، إن العقيدة التي ترفض أمراً معيناً لا يمكنها أن تصدر أحكاماً ومقررات بشأنه بل سوف تكون جميع أحكامها بخصوصه من قبيل: لا تأتوا بهذا الشيء، لا تلمسوه، لا تستعملوه، لا تتعاملوا به، الخ كما في أحكام الإسلام بالنسبة للخمر: لعن الله بايعها ومشتريها وآكل ثمنها وساقيها وشاربها...
والجواب على ذلك بأن هذا اشتباه كبير، فالإسلام لم يحتقر المال والثروة أبداً لا على صعيد الإنتاج ولا على صعيد المبادلة ولا على صعيد التصريف والإنفاق.
بل كل ذلك كان مما أكدّ عليه الإسلام وأوصى به وجعل له شرائط وموازين، فلم تكن الثروة مرفوضة في الإسلام بل كان إهدارها بنحو الإسراف والتبذير وإتلاف المال هو المرفوض والحرام، والإسلام إنما لا يقبل تحصيل الثروة إذا كان الإنسان هو الذي سوف يقع ضحية لها، ولهذا تصدّى الإسلام لمثل ذلك بقوةٍ وأدان بشدةٍ عبودية الإنسان للمال وسعيه إليه فقط من أجل تحصيله وجمعه وادخاره وحفظه، فقد ورد في الكتاب العزيز ﴿ ... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 2 ، وهذا هو ما يسمى بالحرص والبخل والطمع. وكذلك أدان الإسلام جمع المال من أجل إشباع البطن ومجرد العيش والبطالة والعطالة، وهو ما يسمى بإشباع الغرائز حيث يصبح في هذه الحالات جمع المال مرادفاً للدناءة وعاملاً في تذويب شخصية الإنسان وماحياً لكل نحوٍ من أنحاء الشخصية الإنسانية والمعنويات العالية.
وفي مقابل ذلك تتضح صورة التعامل مع المال، وهو بأن يتخذه الإنسان وسيلة للعمل والتأثير والإنتاج، وفي هذه الصورة سوف يصبح المال تابعاً لذلك الهدف الكلي الذي أراد الإنسان المال لأجله، ففي حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح".
وقد نظم الشاعر مولوي مضمون هذا الحديث فقال:
فالماء فوق الفلك عيــن هـلاكــها إن كان للدين مال المرء حامله
والماء تحت الفلك جسر خلاصها قال الرسول فنعم المال صالحه
فتشبيه المال والإنسان بالبحر والمركب رائع جداً، حيث أنه من جهة يغرقه ويمحو شخصيته ومن جهةٍ أخرى لا أنه فقط لا يؤثر في شخصيته بل يكون وسيلة وحيدة يصل بها إلى أهدافه وتكتمل بها شخصيته.
والآية الكريمة: ﴿ ... إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴾ 3 تبيّن مدى مدخلية المال في إفساد شخصية الإنسان. وكذلك الآية الكريمة: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ 4 وكذلك الآية الكريمة ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ... ﴾ 5 فكما أن الهدف في الآية ليس هو الأمر بالتخلي والترك الحقيقي والعملي للنساء والبنين لأن ذلك أمر غير ممكن، فكذلك الهدف في الآية ليس هو الترك والتخلي مطلقاً عن المال والثروة.
فالإسلام أدان إذن عبودية المال ولم يدن نفس المال والثروة وذلك من خلال:
أ - أنه أوصى بإنتاج الثروة الزراعية والحيوانية والصناعية.
ب - أوصى بتبادل الثروات أي بالتجارة والمبادلة.
ج - أوصى باستهلاك الثروة وإنفاقها في حدود احتياجات الفرد البعيدة عن كل نوع من أنواع التبذير والإسراف المفسد للإنسان.
د - حرّم الإسلام ومنع التبذير والإسراف وإتلاف المال.
هـ - وضع الإسلام أحكاماً قضائية وجزائية متشددة في موارد الظلم والانحراف والسرقة والخيانة.
و - جعل الإسلام الدفاع عن المال في حكم الجهاد والمقتول في سبيل ماله شهيداً: "المقتول دون أهله وماله...".
ز - جعل الإسلام للمال على الإنسان حقوقاً وواجبات.
ح - أخيراً اعتبر القرآن الكريم مجرد الثروة "خيراً" فقال: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ... ﴾ 6 .
المصادر
1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 150، الصفحة: 102.
2. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 34، الصفحة: 192.
3. القران الكريم: سورة العلق (96)، الآية: 6 و 7، الصفحة: 597.
4. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآيات: 10 - 15، الصفحة: 564.
5. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 14، الصفحة: 51.
6. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 180، الصفحة: 27.
تعليق