أنزلته على ورقي الدامع، وهو يعربد بصولاته الغبر، لأقول له:ـ ما الذي تريده بعد يا شمر؟ أجاب بصلف كنت أتوقعه:ـ أريد أن أجعل الدنيا تزف بشارتها، لذلك قررت أن أشذب كل ذاكرة تحمل نزف بدر وحنين.. سوف لن أدع منهم صغيرا أو كبيرا إلا ذبحته الساعة..!
قلت:ـ ألا تخجل.. ألا تخاف.. وهم رحمة الله الباقية على هذه الأرض.
صاح بي غاضباً:ـ لا أحد يكلمني بلغة الرحمة بعد الآن.. الحرب لا قلب لها ولا ضمير.. هويتها العقر والذبح والقتل.. وتلك وربي أوامر ابن زياد، قلت لأغيظه: ثق يا شمر لا يمسه أحد بسوء.. وزينب (عليها السلام) على قيد الحياة.
ابتعد عني قليلاً وراح يندب حظه:ـ خبرت كل ميادين القتال فلم أر نصراً بهذا البؤس، ولا ادري من منا المنكسر الآن؟ أبعد كل تلك السنوات الحاسرات نستيقظ على نصر مهزوم.. لا، أنا سأقتل هذا العلي بن الحسين؛ كي أسدد آخر دين يشاكسني به العويل، وان عجزت فلا بأس رصيد الحسابات ما زال لم يغلق بعد..!
متى ما نريد نشعل الطف من جديد، وفي أي زمان او مكان، ومع أي حسين.. كان يزهو النصر لهاثاً في غبرة هذي الخيل..
ولتكتبوا اليوم أسماءكم في عذوبة هذا الخلاص.. وحتى لو قتلنا الحسين فنحن ما زلنا نحتاج إلى من يخمش وجه الكون..!
رغم اني اشعر بالانكسار... ما زلت أحتاج إلى فعل أكبر من القتل؛ كي أروي غليل هذا الظمأ المستعر في الروح...
قلت لأحاوره عساني اعرف بأي عقلية كانوا يتصرفون: أكل هذا الفتك من أجل جوائز لا قيمة لها، قال لي وهو يرفع يديه: دعني الان، فانا اريد ان اصلي صلاة الحمد لهذا النصر..! قلت مستغربا: احقا تصلون؟ أي صلاة تلك التي تفترش أكذوبة هذا اللهاث، تنطقون بكلمات الايمان زوراً..!
تصلون... الله أكبر وتهمسون في أذن الارض هذيانات مخاوفكم، وزيفكم الهزيل، أي صلاة وهذا الحسين ينام على تراب مذبوح، ويسافر برأسه عبر البراري على رمح..! تصلون على محمد وانتم ذبحتم البسملة، وملأتم بالجراحات فتحها المبين..! تنادون الله أكبر وانتم تسبون نساء الحسين..!
وأطفال الحسين (عليهم السلام) تسيروهم على أقتاب الجمال كما تساق سبايا الترك، وكأنكم تفاوضون البراري عن موعد العاصفة..! تصلون وبقية أهل البيت على بعير يقاد مقيدا..! ألم يأتك صوت زينب (عليها السلام) وهي تقول بخشوع المصلين: اللهم تقبل منا هذا القربان..
فاسمعني يا شمر لو كنتم تؤمنون بالله حقيقةً لما اصبحتم على رماد والرؤوس مرفوعة على الرماح، ولا أكلت الظهيرة أكباد أبناء رسول الله (ص)، اما سمعت سيدتي زينب (عليها السلام) وهي تواسي العليل:- ميثاق هو عهد الله إلى نبي العزة ووصي المسرة والحبور.. في ذاكرة الجود ستنهض من هذي الأرض رايات خير وبركة ونور، وسيرفع الطف هامته بيرغا لثرى أبيك سيد الشهداء (عليه السلام).
نظر اليّ الشمر وهو يصرخ غاضبا:ـ وأين نحن منها؟ أين منها إرثنا الذي سيحمل عتمة هذا التيه عويلاً يتوهج عند راية كل قتال..؟
هل تدرك معنى أن تتوهج عتمة في ذاكرة السنين؟
قلت: اجابتك مولاتي لحظتها:ـ لتجتهد أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا علوا..
ينظر اليّ الشمر بغضب وهو يجيبني:ـ كان بودي أن يقتلوا حتى الأطفال، والله لكانت كربلاء كما تمنيت، وكم تمنيت أن تكون هي الختام، لننهي شر من سيعانق سيف النصرة في غد..
شئناها حصادا لتضيء قناديل الأمن دون انطفاء، وإذا بها تصير مزاراً لأتون قادم.. أنا سأقتلكم جميعا وسأوغر بعد ذلك صدور الوالهين.. أستخرج الولاء من كل قلب وأحاكمه بتهمة الخيانة.
قلت: تحاكم مَنْ ايها المعتوه.. وانتم رفعتم رأس الحسين (عليه السلام) على رماحكم؟ فمن ذا ينسى رأساً ناغته الملائكة كي ينام...؟ ألا تدرون سيستفيق بعد حين ينفض جراحه كي ينشر الحياة، ليتحف هذا الكون بقداسة كربلاء.
(القناة/ مسرحية الخدعة - من اصدارات قسم الشؤون الفكرية والثقافية - العتبة العباسية المقدسة)