اللهم صل على محمد وآل محمد
تعليم الجاهل القاصر:
إنَّ أول مصداق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من قبيل التعليم. فقد تواجه إنسانـًا لم يكن باستطاعته في السابق أن يتعلم أحكام الاسلام لأسباب مختلفة، مثل كونه قد وصل الى سن البلوغ والتكليف حديثا، أو أن ظروفه والبيئة التي كان يعيش فيها غير مؤهلة لذلك، كما لو كان يعيش في منطقة بعيدة عن مركز الاسلام أو كانت تحت سلطة الكقار. ويصطلح على هذا الفرد بأنه جاهل قاصر بالنسبة الى أحكام الاسلام، أي أنه لم يرتكب تقصير في مجال عدم علمه بالحكم أو كيفية تنفيذه. فهو لم تتوفر له ظروف تعلم أحكام الاسلام ولم يتهاون في هذا المضمار.
لابدَّ أن يتم هذا التعليم بحنان ولين، لأن المتعلم لم يكن مقصّرًا في جهله. ويتعين البحث عن أفضل الأساليب التعليمية واستخدامها بما يتناسب مع عمر المتعلم وظروف حياته ودرجة استعداده وفهمه حتى يتعلم بصورة أحسن وأسرع. فمثلا بالنسبة للشاب الذي وصل توًا الى سن البلوغ لا يصح استخدام نفس الأسلوب التعليمي الذي يستخدم عادة لكبار السن. وهكذا فإن اسلوب التعليم يختلف بحسب درجات استعداد الأفراد ومستواهم العلميّ.
القسم الآخر هو الجاهل المقصّر:
بمعنى أنه كان يتمتع بالقدرة على التعلم ولكنّه تكاسل وأهمل في هذا المجال. وفي هذه الصورة اذا طالب الجاهل المقصر بالتعليم فانه يجب تعليمه. أما إذا لم يطلب ذلك ونحن نعلم أن هذا الجاهل المقصر لا يعلم واجبه ولا يعلم أنه قد قصر في التعلم فهنا يجب تعليمه ويجب أيضا اللجوء إلى اسلوب في تعليمه بحيث ينجذب الى هذا التعليم.
في «الجاهل القاصر» يتمتع - بذاته - بدافع للتعلم إلا أنَّ ظروف التعلم لم تتيسر له ولهذا لم يستطع أن يتعلم.
أما بالنسبة الى «الجاهل المقصّر» فإن ظروف التعلم میسورة له فكان باستطاعته أن يتعلم ولكنه تهاون وتكاسل. ولهذا لابد من ایجاد الدافع في نفسه لكي يستمع ويهتم حتى يتعلم. وهذا يعني أنه لابد من استخدام اسلوب تعليمي أشد تعقيدًا في هذا المجال حتى يوجد الاستعداد في الجاهل المقصر ليطلب التعليم بنفسه.
وفي غير هذه الصورة اذا قيل له - لإقامة الحجة عليه فقط : تعال لنعلمك المسائل، وهو يجيب بأنني لا أحب أن أتعلمها، فإن التكليف لا يسقط عنّا في هذه الحالة.
اذن اسلوب العمل في مجال الأمر بالمعروف بالنسبة للجاهل المقصر يكون أكثر تعقيدا. وحسب اختلاف الظروف فان التكليف قد يقع على عاتق فرد معين أو قد يوضع على عاتق مؤسسة مثل مؤسسة التربية والتعليم.
القسم الثالث في حالة الشخص الذي يتصوّر أنه قد تعلم الحكم وأنه يعرف كيفية تنفيذه
ولكنه في الحقيقة مشتبه في ذلك.
مثلاً في الشؤون الفردية هناك أشخاص تكون قراءتهم خاطئة في الصلاة ولكنهم يتصورون أنهم يقرأون بشكل صحيح. أو هناك مؤمن يتخيل انه قد نهض بواجبه الاجتماعي بصورة صحيحة، لكنه مخطئ في هذا التخيل.
فهنا يعد هذا الانسان جاهلا من لون الجهل المركب، بمعنى اأنه لا يعلم ويظن أنه يعلم. مثل هذا الشخص لابدّ من تعليمه، إلا أنّ اسلوب تعليم أمثال هذا يكون أشدّ تعقيدًا من الأسلوبين السابقين.
أي لابدّ من التحدث معه بشكل لين حتى يصبح مستعد للتغير، أي ينبغي أن نعمل شيئا يجعله يحتمل أنه مخطئ في كيفية القيام بالواجب، لأنه كما ذكرنا يعتقد أنه يؤدي واجبه بشكل صحيح، ولهذا فمن الصعوبة بمكان أن يسلّم بأنه مخطئ في عمله. ثم بعد ذلك نعلمه الشيء الصحيح.
فالكثير منا قد سمع بقصة الامام الحسن والامام الحسين عليهما السلام في طفولتهما، فقد نقل أنّهما في يوم من الأيام شاهدا شیخا يتوضأ ولكنه كان مخطئ في كيفية الوضوء. وعقدا العزم على تعليمه الطريقة الصحيحة للوضوء.
وهما يعرفان جيدًا أنّ الأدب الاسلامي يقتضي احترام الطاعنين في السن أكثر من غيرهم، فحاولا تعليمه مع المحافظة على كرامته، فذهب الحسنان اليه و سلّما عليه وقالا له: نحن أخوان ونريد أن نتوضأ أمامك فانظر أينا يتوضأ أفضل من الآخر.
لم يقولا له: انك تتوضأ بصورة خاطئة، ولماذا لم تتعلم كيفية الوضوء؟ وانّما احترما كبر سنه وسلّما عليه ثم عرضا عليه أن يتوضا أمامه ليحكم بينهما أيهما أفضل وضوء. فتأمل الشيخ في كيفية وضوئيهما متعجبا وعرف أنهما يحاولان بهذا الاسلوب أن يعلماه الطريقة الصحيحية للوضوء.
وراح الشيڅ يغدّي الحسنين بأبويه قائلا لهما: إنكما تتوضأن بشكل جيد وأنا المخطئ في وضوئي.
==================================
اية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي حفظه الله
من كتاب بارقة من سماء كربلاء
تعليق