ما سبب توقّفَ إرسالِ الرّسل؟ خاصّةً أنّنا في زمانِ العلومِ والتكنولوجيا ومعجزةٌ واحدةٌ تقهرُ العقولَ كفيلةٌ بجعلِ البشرِ يؤمنون؟
الجوابُ:
----------
أوّلاً: إنَّ المعاجزَ لها فلسفةٌ خاصّةٌ ليسَ مِنها إرغامُ الناسِ على الإيمانِ دونَ قناعةٍ وتصديقٍ قلبيّ، يقولُ تعالى: ﴿قَالَ يَا قَومِ أَرَأَيتُم إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحمَةً مِّن عِندِهِ فَعُمِّيَت عَلَيكُم أَنُلزِمُكُمُوهَا وَأَنتُم لَهَا كَارِهُونَ﴾[1]، فاليقينُ والقناعةُ مِن شروطِ الإيمانِ الضروريّة، يقولُ تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم﴾[2]، حيثُ تؤكّدُ الآيةُ على شرطِ قبولِ الإيمانِ وهوَ دخولُ الإيمانِ إلى القلب، فالإيمانُ الذي يقومُ على الخضوعِ والتسليمِ الظاهريّ غيرُ مقبولٍ في منطقِ القرآن، وعليهِ لابدَّ منَ الإخلاصِ الذي يقومُ على العلمِ واليقينِ والاقتناعِ الشخصي.
مُضافاً إلى ذلكَ ليسَ هناكَ رابطٌ ضروريٌّ بينَ وجودِ المُعجزاتِ التي تقهرُ العقولَ وبينَ إيمانِ البشرِ جميعاً، فأكثرُ المعاجزِ التي جرَت على أيدي الأنبياءِ لم تكُن سبباً في إيمانِ أقوامِهم، فالمعاجزُ تأتي في مقامِ التحدّي وكسرِ عنادِ الجاحدينَ والمُستكبرين، حتّى يهلكَ مَن هلكَ عن بيّنةٍ، فمَن يرفضُ منطقَ الحقِّ سيرفضُ منطقَ الإعجازِ أيضاً، يقولُ تعالى: ﴿وَمَا يَجحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾[3]، ومَن كانَ يرفضُ الحقَّ لهوىً في نفسِه سيرفضُه سواءٌ كانَ يعيشُ في القرونِ الوسطى أو كانَ يعيشُ في عصرِ التكنلوجيا، فطبيعةُ الإنسانِ واحدةٌ لا تتغيّرُ بتغيّرِ الظروفِ المادّيّة.
وعليهِ فإنَّ إظهارَ المُعجزاتِ في عصرِ التكنلوجيا ليسَ سبباً كافياً لبعثِ الرّسلِ والأنبياءِ بعدَ النبيّ محمّد (صلّى اللهُ عليهِ وآله).
ثانياً: إنَّ الغايةَ الأولى والأخيرةَ مِن بعثِ الأنبياءِ هيَ تبليغُ كلامِ اللهِ للعباد، وما مِن شيءٍ يريدُ اللَّهُ سبحانَه أن يبلّغَه إلى عبادِه إلّا وهوَ موجودٌ في القرآنِ الكريم، يقولُ تعالى: ﴿ونَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبياناً لِكُلِّ شَيءٍ﴾[4]، ويقولُ: ﴿مَا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ﴾[5] أي أنَّ كلَّ شيءٍ يُرادُ بيانُه للعبادِ في أمورِ دنياهم وآخرتِهم تمَّ بيانُه في القرآنِ الكريم، فرسالاتُ اللهِ وصلَت إلى أهدافِها المقصودةِ وليسَ هناكَ حاجةٌ إلى إرسالِ رسولٍ جديد. يقولُ تعالى: ﴿رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ﴾[6]، حيثُ تشيرُ الآيةُ إلى أنَّ اللهَ قد أرسلَ الرّسلَ ولم يدَع أيَّ ثغرةٍ يمكنُ الاحتجاجُ بها على اللهِ تعالى، وبعدَ وصولِ رسالةِ الإسلامِ إلى جميعِ أنحاءِ العالمِ لم يعُد هناكَ حاجةٌ لإرسالِ رسولٍ جديد، وليسَ أمامَ البشريّةِ إلّا حفظُ الرّسالةِ وتطبيقُها والعملُ بمُقتضاها.
ثالثاً: عندَما نتحدّثُ عن توقّفِ إرسالِ الأنبياءِ والرّسل، فإنَّ هذا ليسَ توقّفاً بمعنى إنهاءِ الاتّصالِ بالبشريّة أو تركِها بلا هُدىً، بل هوَ توقّفٌ بمعنى انتهاءِ فترةِ الرّسالاتِ النبويّةِ التي بُعثَت لتوجيهِ البشريّةِ إلى الطريقِ الصحيح وتحقيقِ الهدفِ الأسمى مِن وجودِهم في الدّنيا، وهوَ عبادةُ اللهِ والتقرّبُ إليه وتحقيقُ سعادتِهم في الدّنيا والآخرة. فالنبوّةُ خُتمَت بمُحمّدٍ إلّا أنَّ الإمامةَ بدأت بعليٍّ (عليهِ السلام) ومِن بعدِه إثنا عشرَ إماماً معصوماً آخرُهم الإمامُ المهديّ الذي بظهورِه الشريف سيقودُ العالمَ برسالةِ الإسلام، وسيملأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً بعدَ أن مُلئَت ظُلماً وجوراً.
------------------------------------------------
[1] سورة هود - الآية: 28.
[2] سورة الحجرات - الآية: 14.
[3] سورة لقمان - الآية: 32.
[4] سورة النحل - الآية: 89.
[5] سورة الأنعام - الآية: 38.
[6] سورة النساء - الآية: 165.
الجوابُ:
----------
أوّلاً: إنَّ المعاجزَ لها فلسفةٌ خاصّةٌ ليسَ مِنها إرغامُ الناسِ على الإيمانِ دونَ قناعةٍ وتصديقٍ قلبيّ، يقولُ تعالى: ﴿قَالَ يَا قَومِ أَرَأَيتُم إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحمَةً مِّن عِندِهِ فَعُمِّيَت عَلَيكُم أَنُلزِمُكُمُوهَا وَأَنتُم لَهَا كَارِهُونَ﴾[1]، فاليقينُ والقناعةُ مِن شروطِ الإيمانِ الضروريّة، يقولُ تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم﴾[2]، حيثُ تؤكّدُ الآيةُ على شرطِ قبولِ الإيمانِ وهوَ دخولُ الإيمانِ إلى القلب، فالإيمانُ الذي يقومُ على الخضوعِ والتسليمِ الظاهريّ غيرُ مقبولٍ في منطقِ القرآن، وعليهِ لابدَّ منَ الإخلاصِ الذي يقومُ على العلمِ واليقينِ والاقتناعِ الشخصي.
مُضافاً إلى ذلكَ ليسَ هناكَ رابطٌ ضروريٌّ بينَ وجودِ المُعجزاتِ التي تقهرُ العقولَ وبينَ إيمانِ البشرِ جميعاً، فأكثرُ المعاجزِ التي جرَت على أيدي الأنبياءِ لم تكُن سبباً في إيمانِ أقوامِهم، فالمعاجزُ تأتي في مقامِ التحدّي وكسرِ عنادِ الجاحدينَ والمُستكبرين، حتّى يهلكَ مَن هلكَ عن بيّنةٍ، فمَن يرفضُ منطقَ الحقِّ سيرفضُ منطقَ الإعجازِ أيضاً، يقولُ تعالى: ﴿وَمَا يَجحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾[3]، ومَن كانَ يرفضُ الحقَّ لهوىً في نفسِه سيرفضُه سواءٌ كانَ يعيشُ في القرونِ الوسطى أو كانَ يعيشُ في عصرِ التكنلوجيا، فطبيعةُ الإنسانِ واحدةٌ لا تتغيّرُ بتغيّرِ الظروفِ المادّيّة.
وعليهِ فإنَّ إظهارَ المُعجزاتِ في عصرِ التكنلوجيا ليسَ سبباً كافياً لبعثِ الرّسلِ والأنبياءِ بعدَ النبيّ محمّد (صلّى اللهُ عليهِ وآله).
ثانياً: إنَّ الغايةَ الأولى والأخيرةَ مِن بعثِ الأنبياءِ هيَ تبليغُ كلامِ اللهِ للعباد، وما مِن شيءٍ يريدُ اللَّهُ سبحانَه أن يبلّغَه إلى عبادِه إلّا وهوَ موجودٌ في القرآنِ الكريم، يقولُ تعالى: ﴿ونَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبياناً لِكُلِّ شَيءٍ﴾[4]، ويقولُ: ﴿مَا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ﴾[5] أي أنَّ كلَّ شيءٍ يُرادُ بيانُه للعبادِ في أمورِ دنياهم وآخرتِهم تمَّ بيانُه في القرآنِ الكريم، فرسالاتُ اللهِ وصلَت إلى أهدافِها المقصودةِ وليسَ هناكَ حاجةٌ إلى إرسالِ رسولٍ جديد. يقولُ تعالى: ﴿رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ﴾[6]، حيثُ تشيرُ الآيةُ إلى أنَّ اللهَ قد أرسلَ الرّسلَ ولم يدَع أيَّ ثغرةٍ يمكنُ الاحتجاجُ بها على اللهِ تعالى، وبعدَ وصولِ رسالةِ الإسلامِ إلى جميعِ أنحاءِ العالمِ لم يعُد هناكَ حاجةٌ لإرسالِ رسولٍ جديد، وليسَ أمامَ البشريّةِ إلّا حفظُ الرّسالةِ وتطبيقُها والعملُ بمُقتضاها.
ثالثاً: عندَما نتحدّثُ عن توقّفِ إرسالِ الأنبياءِ والرّسل، فإنَّ هذا ليسَ توقّفاً بمعنى إنهاءِ الاتّصالِ بالبشريّة أو تركِها بلا هُدىً، بل هوَ توقّفٌ بمعنى انتهاءِ فترةِ الرّسالاتِ النبويّةِ التي بُعثَت لتوجيهِ البشريّةِ إلى الطريقِ الصحيح وتحقيقِ الهدفِ الأسمى مِن وجودِهم في الدّنيا، وهوَ عبادةُ اللهِ والتقرّبُ إليه وتحقيقُ سعادتِهم في الدّنيا والآخرة. فالنبوّةُ خُتمَت بمُحمّدٍ إلّا أنَّ الإمامةَ بدأت بعليٍّ (عليهِ السلام) ومِن بعدِه إثنا عشرَ إماماً معصوماً آخرُهم الإمامُ المهديّ الذي بظهورِه الشريف سيقودُ العالمَ برسالةِ الإسلام، وسيملأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً بعدَ أن مُلئَت ظُلماً وجوراً.
------------------------------------------------
[1] سورة هود - الآية: 28.
[2] سورة الحجرات - الآية: 14.
[3] سورة لقمان - الآية: 32.
[4] سورة النحل - الآية: 89.
[5] سورة الأنعام - الآية: 38.
[6] سورة النساء - الآية: 165.