﴿وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾
سورة الضحى، الآيات:1-4.
لماذا القسم بالليل والنهار ؟
سؤال: لماذا أقسم اللَّه تعالى في هذه السورة بهاتين النعمتين الكبيرتين: الليل والنهار ؟ وبعبارة اخرى: ما هو المقسم له، ومن أجل أي شيء أقسم اللَّه تعالى بهاتين النعمتين ؟
الجواب: إنّ المقسم له يتبيّن في الآية الشريفة ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ فالقسمان المذكوران لتقرير وتوكيد هذه الحقيقة الواردة في هذه الآية الشريفة .
وتوضيح ذلك: إنّ ﴿الضُّحَى﴾ بمنزلة «الوحي الإلهي» و «الليل» بمنزلة القطع المؤقت للوحي، لأنّ الليل يقطع النهار بصورة مؤقتة حتى يطلع النهار بعده مرّة ثانية، وكما أنّ الليل والنهار أو بعبارة اخرى: الضحى وانقطاعه بصورة مؤقتة يعتبران من النعم الإلهيّة، فإنّ الوحي الإلهي والقطع المؤقت له أيضاً من النعم الإلهيّة الكبيرة.
وبذلك يكون معنى الآية، قسماً بالنهار عندما ترتفع الشمس ويسود ضوؤه جميع أرجاء المعمورة، وقسماً بالليل عندما يسود ظلامه جميع الأماكن، أننا وخلافاً لما يقوله المشركون والأعداء، لم نتركك ولم نغضب عليك، بل إنّ قطع الوحي الإلهي في مدّة قصيرة من أجل مصلحة وحكمة، وهذا الأمر فيه نفع لك وللمسلمين .
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾.
وقد ذكر المفسّرون معنيين لهذه الآية الشريفة:
أ - إنّ اللَّه تعالى قد أنعم على نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله) بنعم كثيرة، فقد كان يتيماً فآواه، وضالًا فهداه، وفقيراً فأغناه (وسيأتي شرح هذه النعم في البحوث اللاحقة)، ولكنّ النعم الاخروية المعدّة للنبي أعظم وأعلى من ذلك بكثير .
ب - ﴿الْآخِرَةُ﴾ في هذه الآية ليست بمعنى اليوم الآخر، بل يقصد بها المقطع الأخير من عمر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، كما أنّ كلمة ﴿الْأُولَى﴾ لا تعني الحياة في الدنيا، بل بمعنى المقطع الأوّل من عمر النبي صلى الله عليه و آله، وطبقاً لهذا الاحتمال فإنّ النصف الثاني من عمر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (عندما جاء إلى المدينة وأقام الحكومة الإسلامية وثبّت أركان الإسلام وانتصر على أعدائه المشركين ودخل الناس أفواجاً إلى الإسلام). كان أفضل من النصف الأوّل من عمره، وطبقاً لهذا التفسير فإنّ هذه الآية الشريفة تمثّل خبراً من الأخبار الغيبية في القرآن، لأنّ اللَّه تعالى أخبر عن النجاحات التي ستكون من نصيب النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في السنوات اللاحقة في المدينة .
وبعبارة اخرى، إنّ اللَّه تعالى يخبر نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله) أنّ عاقبة هذه الصعوبات والأزمات والمشقات التي تتحمّلها أنت والمسلمون في مكّة، ستكون إلى الخير وستنتهي إلى النصر والعزّة والقوّة، وهذا الأمر يعتبر ذا أهمية لجميع الناس .
العاقبة الحسنة:
إنّ كلّ إنسان يتمنّى أن تكون عاقبته حسنة وطيبة، ولكنّ هذا الحلم لا يتحقّق دائماً، فأحياناً يعيش الإنسان طيلة عمره بعزّة وكرامة وثروة، ولكن بسبب زلّة واحدة في آخر عمره يفقد كلّ شيء، وأحياناً بالعكس، فنرى إنساناً يرتكب مختلف أنواع الذنوب والخطايا ويتحرّك في حياته في خطّ الانحراف والشرّ والضلالة، ولكنّه يوفق في نهاية عمره للتوبة وجبران ما فات ويخرج من الدنيا طاهراً مطهراً، بحيث إنّ كلّ من يسمع باسمه يطلب الرحمة له والغفران، مثل الحرّ بن يزيد الرياحي الذي كان يسير في خط الانحراف والشرّ مع جيش ابن زياد، وانتهى به الأمر إلى أن التحق بالحسين (عليه السلام) واستشهد بين يديه، وفي الجهة المقابلة نجد عمر بن سعد الذي كانت عاقبته خزي الدنيا والآخرة .
تعليق