علي عبد الجواد
نشرة الخميس 934
12 /ذي القعدة/ 1444هـ - 1 / 6 /2023م
يقول أحدهم: كنّا في الزمن الماضي القريب نعيش ببساطة وقناعة، تتماسك الأسر فيما بينها وتتعاطف ويحنُّ بعضها لبعض ويشدّ بعضهم بعضاً في الشدائد والملمّات، ويقفون جنباً إلى جنب في الأفراح والأتراح، وترى أسر المنطقة الواحدة كأسرة واحدة، لا تدخل بيتاً أكلة جديدة إلا وشاركوا الجيران بها، ولا فرق بين أبنائهم، فالكل مسؤول عنهم، وتجد الجار يعاقب ابن جيرانه إذا ما رأى منه حالة سلبية، وأهل ذلك الطفل لا يعترضون أبداً، بل يوافقونه ويشدّون على يديه، ويعتبرونه واجباً قد أداه يُشكر عليه، ولا يسمحون للغريب أن يتسلّل ويدخل إلى منطقتهم إذا ما رأوا منه حالة مريبة، خاصة إذا ما تعلّق الأمر بالأخلاق والأعراض، حميةً ونصرةً للمبادئ والقيم.
الصدق والكرم والإيثار تجده عند أسرنا تلك، ولا طعن ولا غدر ولا سوء معاملة، بل يتّسم أفرادها بالنصح والإرشاد لمن يحتاجه، فتجد الطفل يتربّى وينشأ على هذه القيم الاجتماعية الرصينة، خاصة وأن أفراد تلك العوائل صغيرها وكبيرها وحتى نساءها يجتمعون في مناسبات أهل البيت (عليهم السلام) المفرحة منها والمحزنة، في تلك المجالس الإيمانية ليغترفوا من نمير علومهم (عليهم السلام) ويتأدّبوا بآدابهم ويتخلّقوا بأخلاقهم، فترى علاقاتهم الاجتماعية لا تخرج عن تلك المبادئ والقيم إلا ما شذّ منها!
ومن الطبيعي أن ترى أحد الجيران ينهر ذلك الطفل وتلك الفتاة وذلك الشاب إذا ما خرجوا عن تلك المبادئ والأخلاق، فيكون من المعيب أن يخرج أحد أفراد تلك العوائل عن أخلاقيات ذلك المجتمع الصغير -الذي بدوره يشكّل نواة ذلك المجتمع الملتزم بقيمه ومبادئه- فالعيب عندهم يستمد أصوله من آداب وأخلاق أهل البيت (عليهم السلام).
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نكاد لا نرى تلك المُثل والقيم الآن في أغلب مجتمعاتنا؟ لماذا أصبحنا نسمع كلمة (هذا أمر لا يعنيك)، (لا تتدخل في أمور غيرك)؟ لماذا بتنا نسمع أن الجار -أو الأخ- لا يكلّم جاره، وقد يعاديه لأنه نصحه بأمر يخصّ عائلته وأولاده؟ ولماذا، ولماذا..
فما أحوجنا اليوم الى أن نفعّل ذلك الدور الرقابي والرادع المجتمعي الذي يحصّن مجتمعاتنا من الملوّثات والأخلاق الغريبة عن قيمنا وأخلاقنا التي أصبحت تتغلغل فيه وتنخره من الداخل، حتى يصبح خاوياً وأوهن من بيت العنكبوت فيسهل اصطياد أفراده وتتبعثر أخلاقياته فيدخل عليه كل ما هو ضار ومدمّر للحمته! إنّما المؤمنون إخوة وكالبنيان المرصوص الذي يشدّ بعضه بعضاً!