إعداد/ وحدة النشرات
الخميس 934
12 /ذي القعدة/ 1444هـ - 1 / 6 /2023م
تقول إحدى الأمهات: أنا أم في الثالثة والستين من عمري الآن، تقاعدت من عملي منذ ثلاث سنوات بعد أن أفنيت زهرة شبابي وأنا أعمل معلمة، اثنان وثلاثون عاماً لم أتذمّر خلالها حتى لا أمنح نفسي الفرصة لأتوقف، فقد أصبحت أرملة وأنا في الثلاثين من عمري، ورفضت فكرة الزواج نهائياً؛ لأن تحت جناحي ستة أبناء؛ أربع بنات وولدين، فهم الأولى بمنحهم وقتي وشبابي ومالي وصحتي، وطوال هذه السنين المريرة لم أجعلهم يحتاجون إلى أي مخلوق في هذا العالم، ولم أشعرهم بأنهم أقل من غيرهم، ودارت عجلة الحياة وكبروا وتزوجوا الآن جميعاً، ولم يبق في المنزل سواي ومدبّرة منزل تعينني في شؤون البيت.هم يزورونني أسبوعياً، لكن يحزّ في خاطري! حين أرى صور بناتي الأربع وأبنائهنّ في (مجموعة التواصل الاجتماعي الخاصة) وهم في سفرة في إحدى الحدائق أو في أحد المطاعم دون أن يدعونني إلى الخروج معهم، أو حين أعلم فيما بعد أن إحداهنّ كانت عندها مناسبة في بيتها دون أن تخبرني بذلك، كنت في البداية أغضب وأتضايق وأناقشهن في ذلك! فكنّ يقلن لي: إنهنّ يقصدن بذلك راحتي وهدوئي، ورغم علمهنّ أن تصرفاتهنّ تلك تُشعرني بالألم، وتجرح مشاعري وتضايقني، إلا أنهنّ استمررن في ذلك.
أما الأبناء، فلا أعلم عن أمر سفرهم وزوجاتهم وأبنائهم إلا حين يصلون إلى البلد الذي سافروا إليه، ويتصلون بي من هناك قائلين: "ماما نحن في البلد الفلاني هل ترغبين في شيء نأتي به لك"، أنا لا أريد منهم شيئاً، إلا أن يشعروني بقيمتي في حياتهم، وأني لست غرضاً قديماً يعلوه الغبار فوق رفّ مظلم قد انتهت صلاحيته!
لو كنت عجوزاً متعبة ومريضة بالكاد أسير لعذرتهم! لكني بفضل الله تعالى عليّ أني أتمتع بصحتي وعافيتي، فلماذا يحرمونني من قضاء تلك الأوقات الجميلة برفقتهم وأبنائهم؟!
أصبحت أشاهد "مقاطعهم وتعليقاتهم" وأكتفي بالدموع والصمت الذي يحزنني جداً!
* هذه الأم وأجزم بأن غيرها كثيرات، يعانين من هذه المعاملة، هو مؤشر خطير يخبرنا بأن هناك خللاً في فهم برّ الوالدين وخاصة (الأمهات) ومداراة خواطرهم، والرأفة بمشاعرهم في هذا العمر.* لماذا بعض الأبناء والبنات يُحزنون والديهم ويحطّمون قلوبهم، فهم لا يستحقون ذلك منهم، وهم في النهاية أصبحوا آباء وأمهات، فهلّا شعروا بهم؟!