إن الإنسان لاينفك عن حالة نفسية معينة هي التي تحدد سلوكه في المجتمع.
و في الحقيقة فإن أفعال الإنسان ما هي إلا مظاهر لحالات نفسية تكتنفه، فجوارح الإنسان تمتثل للنفس الإنسانية فإذا قررت النفس السرقة فإنها تبدأ بالتخطيط والمراقبة والذهاب إلى موضع السرقة والاستيلاء على المسروق وإخفائه وغير ذلك من سلوكيات، وكذلك الأمر فيما إذا قررت النفس مساعدة اليتيم فإنها تتفحص عنه وتذهب لزيارة المؤمنين لجمع المال له ثم الذهاب إلى السوق لشراء ما يحتاجه، وهكذا الأمر في عموم الممارسات السلوكية.
هذه هي السلوكيات المترتبة على النفس، ولكن لماذا تنتهج نفس هذا النوع من السلوك دون الآخر، بينما نفس أخرى تنتهج سلوكا مغايرا؟
القرآن الكريم يحدثنا عن النفس الإنسانية بقوله تبارك وتعالى: ﴿ ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقوها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ﴾ (الشمس/7-10)، فالله عز وجل بين للنفس وعرفها ما ينبغي أن تفعله وتتركه، وغرس فيها غرائز وخصال لكي تظهر بالشكل المتوازن للنفس، من غير إفراط ولا تفريط، فلا يكبتها ولا يطلق عنانها، ثم خيرها، فمن ربى في نفسه تلك الصفات عند حدها فقد نمى النفس وزكاها، ومن غطى عليها وكبتها فقد دس النفس.
وعن أمير المؤمنين (ع):
«إن نفسك مطيتك، إن أجهدتها قتلتها، وإن رفقت بها أبقيتها». (ميزان الحكمة ج10 ص133)
وعنه (ع) أيضا:
«الرجل حيث اختار لنفسه، إن صانها ارتفعت، وإن ابتذلها اتضعت». (نفس المصدر ص134)
وإذا ما انطبعت النفس على واحدة من صورتي النفس الزاكية أو غير الزاكية، فإنها تأخذ في سلوكها منحى معينا مرتبطا بتلك النفس، فالنفس الزاكية مرتبطة بالتواضع والصدق والحلم أو ما يسمى بالفضائل وحسن الخلق، والنفس غير الزاكية مرتبطة بالغضب والكبر والكذب أو ما يسمى بالرذائل وسوء الخلق، والخلق هو الهيئة الراسخة في النفس التي تصدر عنها الأفعال المتناسبة معها، وفي الواقع فإن الخلق (بضم الخاء واللام) هو صورة الباطن كما أن الخلق (بفتح الخاء وسكون اللام) هو صورة الظاهر.
وإذا ما فهمنا الأخلاق على هذا الأساس نستطيع أن نفهم الموقع الكبير الذي احتله الأخلاق في الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع)، فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الرضا (ع)، عن رسول الله (ص) أنه قال:
«ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق». (عيون أخبار الرضا ج2 ص37 ح98)
وروى الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر (ع) قال:
«إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا». (الكافي ج2 ص99 ح1)
فالأخلاق الحسنة تعني الفضائل النفسانية التي تصدر الأفعال بموجبها، ومن الواضح أن كمال الإيمان يكون بكمال الفضائل، والفضائل لاتترسخ في النفس من غير مجاهدة ومواظبة على أفعال الخير وتكرارها.
أما الطغاة وأتباعهم فإن نفوسهم المظلمة بالجهل وإطلاق العنان للشهوات هي التي تفرز سلوكهم الإجرامي، فالظالم يبطش لأنه لم يقيد قوة الغضب عنده، وهو يسرق أموال الشعب لأنه لم يحجم على صفة الطمع، فصارت أفعال الطغاة رهينة أخلاق نفوسهم، قال تعالى: ﴿ قل كل يعمل على شاكلته ﴾ (الإسراء/84).