إن أفعال الإنسان ما هي إلا مظاهر لحالات نفسية تكتنفه، فجوارح الإنسان تمتثل للنفس الإنسانية فإذا قررت النفس السرقة فإنها تبدأ بالتخطيط والمراقبة والذهاب إلى موضع السرقة والاستيلاء على المسروق وإخفائه وغير ذلك من سلوكيات، وكذلك الأمر فيما إذا قررت النفس مساعدة اليتيم فإنها تتفحص عنه وتذهب لزيارة المؤمنين لجمع المال له ، وهكذا الأمر في عموم الممارسات السلوكية.
وقد تجسدت هذه الحالات النفسية المختلفة في واقعة كربلاء
فتذكر كتب المقاتل أن عبيد الله بن زياد أرسل كتابا إلى عمر بن سعد يقول فيه:
"أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولايذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان".
فلما ورد عمر بن سعد ذلك أمر عمرو بن الحجاج أن يسير في 500 راكب فينيخ على الشريعة ويحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، وذلك قبل مقتله (ع) بثلاثة أيام، وتنقل بعض المصادر أن عمرو بن الحجاج قال للإمام الحسين (ع):
"يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب وتشرب منه الحمير والخنازير، والله لاتذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم".
وفي البعض الآخر أن عبد الله بن أبي حصين الأزدي قال:
"يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لاتذوق منه قطرة حتى تموت عطشا".
فقال الإمام الحسين (ع):
«اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا».
قال حميد بن مسلم: "والله لعدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر (أي يشرب ولايروى) ثم يقيء، ثم يعود فيشرب حتى يبغر فيما يروي، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ عصبه يعني نفسه".
ونقل في مقتل عمرو بن الحجاج أنه مات عطشا هو وأصحابه في الصحراء بعد أن هرب خوفا من ملاحقة المختار الثقفي. (عبرات المصطفين في مقتل الحسين ج1 ص433-435 نقلا عن عدة مصادر كأنساب الأشراف للبلاذري والفتوح لابن أعثم والأخبار الطوال للدينوري)
نلاحظ في هذا المثال كيف اجتمع الكذب مع الحقد الأعمى، فالإمام الحسين (ع) لم تكن له يد في مقتل عثمان حتى يعاقب بمنع الماء عنه، ولكنهم أرادوا بترويج هذه الكذبة رفع قميص يجمعون أهل الباطل حوله كما رفعوا من قبل قميص عثمان في وجه أمير المؤمنين (ع).
ومن جهة أخرى فقد كانت في نفوس مقاتلي الإمام الحسين (ع) أحقاد سوداء مع أمير المؤمنين (ع) فأرادوا التنفيس عنها في ابنه وسبط النبي (ص) الإمام الحسين (ع)، ومن هنا ينقل أبو مخنف في مقتل الإمام الحسين (ع):
«أنه (ع) توجه نحو القوم: يا ويلكم على م تقتلوني؟! على حق تركته؟! أم على سنة غيرتها؟! أم على شريعة بدلتها؟!
فقالوا: بل نقاتلك بغضا منا لأبيك، وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين، فلما سمع كلامهم بكى». (مقتل الحسين ص132، ينابيع المودة ص416)
والإمام يبكي هنا شفقة عليهم فهو يعلم أن بغض أمير المؤمنين (ع) يوجب دخول النار لا محالة، وأن بغضه (ع) من أسوأ الرذائل النفسانية، فلا أمل لمن يحاربه في النجاة مع رسوخ هذه الصفة في ذاته.
المثال الثاني:
قصة النزاع بين شمر وعمر بن سعد على قيادة الجيش، فكتب المقاتل وخاصة مقتل أبي مخنف تذكر أنه عندما حل الإمام الحسين (ع) في كربلاء منعه عمر بن سعد أن يفعل أي شيء حتى يرى ما يراه ابن زياد عليه اللعنة، وكان عمر بن سعد راغبا في عدم مقاتلة الإمام الحسين (ع)، كتب إلى ابن زياد بكتاب رغب فيه في عدم القتال وأن يخلي الطريق للإمام الحسين (ع) كي يرجع إلى الموضع الذي أتى منه، فقال ابن زياد: هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه، نعم قد قبلت، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن مشفق على قومه نعم قد قبلت. قال: فقام إليه شمر بذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه؟ وقد نزل بأرضك إلى جنبك، والله لئن رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز ولتكونن أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فان عاقبت فأنت ولى العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك ، والله لقد بلغني إن حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأي رأيك.
ثم إن عبيدالله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، وإن هم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل (أي ابن سعد) فاسمع له وأطع، وإن هو أبي فقاتلهم فأنت أمير الناس وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.
وكان نص الكتاب الذي بعثه عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد يتضمن إما استسلام الإمام الحسين (ع) وأصحابه أو مقاتلتهم والتمثيل بهم ووطء الخيل صدر الحسين وظهره، وختم ابن سعد كتابه بالقول:
"إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بين ذي الجوشن وبين العسكر فإنه قد أمرناه بأمرنا".
فلما أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد عليهم اللعنة، قال عمر للشمر: مالك لا قرب الله دارك، وقبح الله ما قدمت به علي، والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمرا كنا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسينا، إن نفسا أبية بين جنبيه، فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضى لأمر أميرك وتقتل عدوه، وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر. قال : لا، ولا كرامة لك، وأنا اتولى ذلك. (عبرات المصطفين ج1 ص425-426، و438-439)
هذا النص يكشف أن عمر بن سعد كان يريد الدنيا ولم يكن يريد خسران الآخرة، طبعا من خلال منظاره الخاص للآخرة والذي يقضي بعدم قتال الإمام الحسين (ع)، وقد يخدعه الشيطان فيصور له أن ولايته ليزيد لا تتنافى مع الآخرة، ولكنه كان يعلم يقينا أن مقاتلة الإمام الحسين تدخله النار، فخير نفسه بين الدنيا المتمثلة بالجاه والزعامة وقيادة الجيش والحصول على إمارة الري وبين الآخرة المتمثلة في نبذ قتال الإمام الحسين (ع)، فاختار الدنيا وفضلها.
وقد تجسدت هذه الحالات النفسية المختلفة في واقعة كربلاء
فتذكر كتب المقاتل أن عبيد الله بن زياد أرسل كتابا إلى عمر بن سعد يقول فيه:
"أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولايذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان".
فلما ورد عمر بن سعد ذلك أمر عمرو بن الحجاج أن يسير في 500 راكب فينيخ على الشريعة ويحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، وذلك قبل مقتله (ع) بثلاثة أيام، وتنقل بعض المصادر أن عمرو بن الحجاج قال للإمام الحسين (ع):
"يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب وتشرب منه الحمير والخنازير، والله لاتذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم".
وفي البعض الآخر أن عبد الله بن أبي حصين الأزدي قال:
"يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لاتذوق منه قطرة حتى تموت عطشا".
فقال الإمام الحسين (ع):
«اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا».
قال حميد بن مسلم: "والله لعدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر (أي يشرب ولايروى) ثم يقيء، ثم يعود فيشرب حتى يبغر فيما يروي، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ عصبه يعني نفسه".
ونقل في مقتل عمرو بن الحجاج أنه مات عطشا هو وأصحابه في الصحراء بعد أن هرب خوفا من ملاحقة المختار الثقفي. (عبرات المصطفين في مقتل الحسين ج1 ص433-435 نقلا عن عدة مصادر كأنساب الأشراف للبلاذري والفتوح لابن أعثم والأخبار الطوال للدينوري)
نلاحظ في هذا المثال كيف اجتمع الكذب مع الحقد الأعمى، فالإمام الحسين (ع) لم تكن له يد في مقتل عثمان حتى يعاقب بمنع الماء عنه، ولكنهم أرادوا بترويج هذه الكذبة رفع قميص يجمعون أهل الباطل حوله كما رفعوا من قبل قميص عثمان في وجه أمير المؤمنين (ع).
ومن جهة أخرى فقد كانت في نفوس مقاتلي الإمام الحسين (ع) أحقاد سوداء مع أمير المؤمنين (ع) فأرادوا التنفيس عنها في ابنه وسبط النبي (ص) الإمام الحسين (ع)، ومن هنا ينقل أبو مخنف في مقتل الإمام الحسين (ع):
«أنه (ع) توجه نحو القوم: يا ويلكم على م تقتلوني؟! على حق تركته؟! أم على سنة غيرتها؟! أم على شريعة بدلتها؟!
فقالوا: بل نقاتلك بغضا منا لأبيك، وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين، فلما سمع كلامهم بكى». (مقتل الحسين ص132، ينابيع المودة ص416)
والإمام يبكي هنا شفقة عليهم فهو يعلم أن بغض أمير المؤمنين (ع) يوجب دخول النار لا محالة، وأن بغضه (ع) من أسوأ الرذائل النفسانية، فلا أمل لمن يحاربه في النجاة مع رسوخ هذه الصفة في ذاته.
المثال الثاني:
قصة النزاع بين شمر وعمر بن سعد على قيادة الجيش، فكتب المقاتل وخاصة مقتل أبي مخنف تذكر أنه عندما حل الإمام الحسين (ع) في كربلاء منعه عمر بن سعد أن يفعل أي شيء حتى يرى ما يراه ابن زياد عليه اللعنة، وكان عمر بن سعد راغبا في عدم مقاتلة الإمام الحسين (ع)، كتب إلى ابن زياد بكتاب رغب فيه في عدم القتال وأن يخلي الطريق للإمام الحسين (ع) كي يرجع إلى الموضع الذي أتى منه، فقال ابن زياد: هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه، نعم قد قبلت، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن مشفق على قومه نعم قد قبلت. قال: فقام إليه شمر بذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه؟ وقد نزل بأرضك إلى جنبك، والله لئن رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز ولتكونن أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فان عاقبت فأنت ولى العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك ، والله لقد بلغني إن حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأي رأيك.
ثم إن عبيدالله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، وإن هم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل (أي ابن سعد) فاسمع له وأطع، وإن هو أبي فقاتلهم فأنت أمير الناس وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.
وكان نص الكتاب الذي بعثه عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد يتضمن إما استسلام الإمام الحسين (ع) وأصحابه أو مقاتلتهم والتمثيل بهم ووطء الخيل صدر الحسين وظهره، وختم ابن سعد كتابه بالقول:
"إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بين ذي الجوشن وبين العسكر فإنه قد أمرناه بأمرنا".
فلما أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد عليهم اللعنة، قال عمر للشمر: مالك لا قرب الله دارك، وقبح الله ما قدمت به علي، والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمرا كنا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسينا، إن نفسا أبية بين جنبيه، فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضى لأمر أميرك وتقتل عدوه، وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر. قال : لا، ولا كرامة لك، وأنا اتولى ذلك. (عبرات المصطفين ج1 ص425-426، و438-439)
هذا النص يكشف أن عمر بن سعد كان يريد الدنيا ولم يكن يريد خسران الآخرة، طبعا من خلال منظاره الخاص للآخرة والذي يقضي بعدم قتال الإمام الحسين (ع)، وقد يخدعه الشيطان فيصور له أن ولايته ليزيد لا تتنافى مع الآخرة، ولكنه كان يعلم يقينا أن مقاتلة الإمام الحسين تدخله النار، فخير نفسه بين الدنيا المتمثلة بالجاه والزعامة وقيادة الجيش والحصول على إمارة الري وبين الآخرة المتمثلة في نبذ قتال الإمام الحسين (ع)، فاختار الدنيا وفضلها.
تعليق