كثيراً ما تُداهمنا تلك الصيغة المُضطرَبة، من الخِطاب الإيصاليّ بلغة غير منطوقة ، الموجّه الى شريحة جماهيرية محددة ، والتي بمجرد سماعها من منابر الخطابة و وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ، تفعل فعلتها ، فلا فكرة واضحة، ولا ثمرة في الطرح، ولا يُدرى ماهو بيت القصيد ؟
وعادةً ما تكون الإستجابة بمغادرة الموضوع وعدم الخوض فيه، بما يؤسس لـ(مُحبَط تلازمي)، فمتى ما ذكر الموضوع توَلّدَ نفور ذهني وضجر نفسي من الإستمرار في متابعته..
والامر ليس جزافاً أو من قبيل الصدفة المحضة، بل هو أمر نابع من ضخ إعلامي مدروس بعناية، يخبئ بين جنباته كماً من محفزات الشك، وشبهات حيكت خيوطها بإحكام، ولا سبيل لردها او تفنيدها إلا بواسطة أدوات التحليل والدراسة، و تشخيص الضعف والمتناقضات ،وصولا الى تفنيدها ونسفها بالكامل..
ما تقدم ينطبق على مفهوم (أهل البيت) حينما تطرحه وسائل الاعلام الدعوي والثقافي لجمهور المسلمين، والتي يبتجح الآخرون من خلالها ،بمقولة ( نحن أهل الحديث، وأعلم الناس بعلومه )، ويرفضون كل دعوى مخالفة.. بينما تراهم يتخبطون في تخريجهم وتفسيرهم لـ (أهل البيت)!!! مفهوماً ومصداقاً وقرينة.. ورغم زعمهم بأنهم مذهب واحد، و على ما كان عليه النبي (صلى الله علبيه وآله) وأصحابه ، وانهم مصداق للحديث المروي عن صاحب الرسالة السمحاء (صلى الله عليه وآله ) " ”إنَّ أهْلَ الكِتابِ تَفَرَّقُوا في دِينِهِمْ عَلى ثِنْتَيْنِ وسَبْعِينَ مِلَّةً، وتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلى ثَلاثٍ وسَبْعِينَ، كُلُّها في النّارِ إلّا واحِدَةً، وهي الجَماعَةُ، ويَخْرُجُ في أُمَّتِي أقْوامٌ تَتَجارى تِلْكَ الأهْواءُ بِهِمْ كَما يَتَجارى الكَلْبُ بِصاحِبِهِ، فَلا يَبْقى مِنهُ عِرْقٌ ولا مِفْصَلٌ إلّا دَخَلَهُ“"..
لكنهم – باعترافهم – إختلفوا وفشلوا، في تصدير تعريف علمي دقيق يستند الى الكتاب والسنة، رغم وضوح السنة ، ورغم أن صاحب الرسالة (صلوات الله عليه وآله) قد ترك الامة على بينة من أمرها ، وأوضح دقائق مسائل الحلال والحرام، واحصى الزكاة والخمس بالأرقام، وأوضح سبيل الحائرين والمتحيرين الى يوم القيامة..
ولنا أن نسائلهم : لماذا عَزَفَ هذا الكتاب المنزل ، والسنة النبوية الشريفة من تبيان مفصلية مهمة في حياة المسلمين؟ وتبعاً لذلك : إختلفتم في بيان حقيقة هذا المفهوم؟
و حسب ما ذكره (إبن تيمية)، فإنكم إختلفتم الى ستة مذاهب أو ستة آراء بهذا الشأن:
الأول: أنَّهم الذين حُرِّمت عليهم الصَّدقة.. والثَّاني: أنَّهم الأزواج والذُّريَّة.. و الثَّالث: أنَّهم نِساء النبي صلَّى الله عليه وآله خاصَّة...و الرابع: أنَّهم أصحاب الكِساء خاصَّة.. والخامس: أنَّهم أمَّته وأتباعه إلى يوم القيامة...والسادس: أنَّهم الأتقياء من أمَّته.
ونحن اليوم في عصر لا تجدي معه لغة الميثولوجيا القديمة، او الأحجيات المقدسة، أو التراتيل المؤدلجة.. فالضرورة تقضي ببيان الأمر وفق المنطق الرياضي، الذي يتعاطى مع عقول الشباب بمنطق الحداثوية المعاصر..
كيف جاز لهذه الأمة ان تتناقل هذا الخلاف من جيل الى جيل، دونما الوصول الى حل المشكلة جذريا، ورفع طائلة الشبهة وعدم الوعي لدى أجيال المسلمين عبر الأزمان؟
يا ترى هل يتحمل خاتم الانبياء (صلى الله عليه واله) المسؤولية في عدم فهم الامة لذلك؟ ...
أم يتحمل العلماء ورثة الانبياء ،هذا التخبط والانزياح في توضيح ما أشكل من الدين؟
ماذا يعني أهل البيت (عليهم السلام) للعالم المعاصر؟ وهل في حياتهم وتراثهم ما يشكل إضافة جديدة لمعارف البشر، أو يقدم خدمة مفيدة لقضايا الإنسانية اليوم؟
كيف سينتفع العالم من أهل البيت (عليهم السلام)،ما لَمْ تكن هنالك فُرَصَاً للتعرف على تراثهم؟
ففي الوقت الذي نشاهد المعرفة العالمية ،قد أحاطتْ عِلماً بالإرث الإنساني لتاريخ الخليقة الغابر وحتى يومنا هذا ، نجد التعتيم والتشويش على إرثٍ (أهل البيت) الحضاريٍ الممتد لـ (250) سنة، من عُمر الزمان !!!
ولو أنشأنا قاعدة بيانات عن حضورهم الفكري والمعرفي ، في الجامعات العالمية المعروفة ، و معاهد الأبحاث والدراسات المشهورة، فإننا نُفاجَئ بالجفاء غير المفهوم!!!
حتى أن الباحث الأمريكي (مايكل هارت) كتَبَ عن أكثر الشخصيات تأثيراً تاريخ البشرية، وتوصل الى مائة شخصية دينية وعلمية وسياسية، خلَتْ من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ما خَلا خاتم الانبياء والمرسلين (محمد) صلى الله عليه وآله..
أما الساحة الإسلامية العامة.. ففي الوقت الذي تُدَرَّس فيه مذاهبُ أفرادٍ من عامة الناس،في الجامعات الإسلامية والمعاهد الدينية،نراها تُجافي مذهب أهل البيت عقائدياً، ولا تقرر دراسته كمذهب إسلامي ،إلا على إستحياء، او نتيجة تجاذب سياسي، او يُدرس على نحو التوهين والتضعيف ..وشمل فضلاء الصحابة المنضوين تحت راية أهل البيت (عليهم السلام)..حتى آل الأمر الى ر إستهتار الكاتب المصري (أحمد أمين) بشخصية الصحابي العظيم (أبي ذر الغفاري) (رض) مُعَرِّضاً بآراءه الإصلاحية قائلاً ".. كان عند الفرس المذهب المزدكي، نحن نلحظ أن أبا ذر الغفاري عنده آراء تشبه آراء مزدك!! فهو يدعوا إلى أن يتساوى الناس في الأموال ولذلك اعترض على الخليفة عثمان وعلى معاوية بن أبي سفيان وكان يكرر الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾، فأبو ذر من أين جاء بهذه الأفكار المشابهة لآراء مزدك؟... وعثرت على رواية تشير إلى أن ابن أبي السوداء عبد الله بن سبأ هذا التقى مرة مع أبي ذر وأمره بطرح هذه الأشياء.."!!!!
فأين دُعاة تبجيل وتعظيم أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) من هذا التجاوز ؟؟
تعليق