الأئمّة المستورون
إنّ الإسماعيلية أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيات واختصاصات واسعة ، وسيوافيك بيان تلك الدرجات والرتب، غير أنّ المهم هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور، دخل كهف الاستتار؛ وظاهر ، يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع.
فالأئمّة المستورون هم الأئمّة الأربعة الأوائل الذين جاءوا بعد إسماعيل ، ونشروا الدعوة سراً وكتماناً، وهم :
1. محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الحبيب » : ولد سنة 132 هـ في المدينة المنورة ، وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء، ولقّب بالإمام المكتوم، لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية ، وتوفي عام 193 هـ.
2. عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الوفي » : ولد عام 179 هـ في مدينة محمود آباد ، وتولّى الإمامة عام 193 هـ بعد وفاة أبيه ، وسكن السلْمية عام 194 هـ مصطحباً بعدد من أتباعه ، وهو الذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً ، توفي عام 212 هـ.
3. أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقب بـ « التقي » : ولد عام
198 ، وتولّى الإمامة عام 212 هـ ، سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة ، توفي فيها عام 265 هـ.
4. الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل المقلب بـ « الرضي » : ولد عام 212 هـ ، وقيل 228 هـ ؛ وتولّى الإمامة عام 265 هـ ، ويقال انّه اتخذ عبد الله بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه ، توفي عام 289 هـ.
والمعروف بين الإسماعيلية انّ عبيد الله المهدي ـ الذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطمية ـ كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار .
وانّهم عُرِّفوا بالإسماعيلية تارة ، والباطنية أُخرى ، والملاحدة ثالثاً ، وبالسبعية رابعاً.
قال المحقّق الطوسي : إنّما سُمُّوا بالإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.
والباطنية لقولهم : كلّ ظاهر فله باطن ، يكون ذلك الباطن مصدراً وذلك الظاهر مظهراً له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلّا ما هو مثل السراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلّا خيال لا أصل له.
ولقّبوا بالملاحدة لعدولهم من ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الأحوال. (1)
وأمّا تسميتهم بالسبعية ، لأنّهم قالوا : إنّما الأئمّة تدور على سبعة سبعة ، كأيام الأُسبوع ، والسماوات السبع ، والكواكب السبع. (2) فدور الإمامة عندهم لا يتجاوز عن سبعة ، ثمّ يأتي دور آخر على هذا الشكل.
ويقول أيضاً : قالوا الإمام في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان علياً عليهالسلام ، وبعده كان ابنه الحسن إماماً مستودعاً ، وبعده الحسين إماماً مستقراً ولذلك لم تذهب الإمامة في ذرية الحسن عليهالسلام ، ثمّ نزلت الإمامة في ذرية الحسين ، وانتهت بعده إلى علي ابنه ، ثمّ إلى محمد ابنه ، ثمّ إلى جعفر ابنه ، ثمّ إلى إسماعيل ابنه وهو السابع. (3)
ومعنى ذلك انّ الدور تمّ بإسماعيل ، وهو متم الدور ، وانّ ابنه بادئ للدور الآخر كالتالي :
١. محمد بن إسماعيل.
٢. عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقب بالرضي.
٣. أحمد بن عبد الله الملقب بالوفي.
٤. الحسين بن أحمد الملقب بالتقي.
٥. عبيد الله المهدي بن الحسين.
٦. القائم.
٧. المنصور ، وبه يتم الدور ويبتدأ دور آخر بالإمام المعز لدين الله.
ولو قلنا بخروج الحسن عليهالسلام لكونه إماماً مستودعاً لا مستقراً يتم الدور بمحمد بن إسماعيل. ويأتي الدور الجديد ، وسيوافيك تفصيله في بيان أدوار الإمامة.
وعلى كلّ تقدير فالسبعة عندهم لها مكانة خاصة ، فلا يتجاوز دور الأئمّة في تمام مراحلها عن السبعة.
انّ المذهب الإسماعيلي لم يظهر على مسرح الحياة بصورة مذهب مدوّن متكامل ، وإنّما أخذ بالتكامل عبر العصور ، وفي ظل احتكاك الدعاة بأصحاب الحركات الباطنية أوّلاً ، وأصحاب الفلسفات ثانياً. وقد ظهر في أوّل يوم
نشوئه بصورة عقيدة بسيطة ، وهو أنّ الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل ، وانّه لم يمت بل غاب ويظهر حتى يملك الأرض وهو القائم ، وهذه هي الإسماعيلية المحضة ، ولم يخالط هذه العقيدة شيء آخر.
نعم لما كان قبولها محفوفاً بغموض ، فرجع بعضهم عن حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم انّ الإمامة كانت في أبيه ، وانّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ.
والظاهر من الشيخ المفيد أنّ الفرقة الأُولى انقرضت ولم يبق منهم من يومأ إليه والفرقة الباقية إلى اليوم هي الإسماعيلية غير الخالصة. (4) ثمّ صار المذهب الواحد مذاهب متشتتة ومختلفة. وقد كان للدعاة تأثير في نضوج العقيدة الإسماعيلية وتكاملها مع اختلاف بينهم في بعض الأُصول فمثلاً الداعي النسفي ( ... ـ331 هـ ) وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب.
ثمّ جاء بعده أبو حاتم الرازي ( 260 ـ 322 هـ ) فوضع كتابه « الإصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه.
ثمّ جاء بعده أبو يعقوب السجستاني الذي كان حيّاً سنة ( 360 هـ ) وكان أُستاذاً للكرماني فانتصر للنسفي وخالف أبا حاتم.
ثمّ جاء الكرماني ( 352 ـ 411 هـ ) فألّف كتاب « راحة العقل »، واستطاع أن يوفق بين آراء شيخه « السجستاني » وبين آراء « أبي حاتم الرازي ».
أضف إلى ذلك أنّ تأويل الظواهر لا يعتمد على ضابطة فكل يؤوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية.
والذي ظهر من التتبّع في كتب الإسماعيلية انّ الفرقة المستعلية القاطنين في اليمن والهند أقرب إلى الحقّ وعقائد جمهور المسلمين من النزارية، فالطبقة الأُولى متعبّدون بالظواهر وتطبيق العمل على الشريعة بخلاف أغلب النزارية خصوصاً الدعاة المتأخرين منهم ، فإنّهم يواجهون الأحداث الطارئة والمستجدة بالتدخل في الشريعة (5)، ويظهر ذلك من أبحاثنا الآتية.
وأخيراً فالمذهب الإسماعيلي اكتنفه غموض وأحاطه إبهام ، فإصابة الحقّ في جميع المراحل أمر مشكل، نستعينه سبحانه أن يوفقنا لبيان الحقّ ويحفظنا عن العثرة انّه هو المجيب.
والذي يهم الباحث هو تبيين جذور المذهب وانه كيف نشأ ؟ وهل كان هناك اتصال بين الإسماعيلية، والحركات الباطنية التي نشأت في عصر الصادق (عليه السلام) أو لا ؟ وهذا هو الذي نطرحه على طاولة البحث في الفصل القادم بعد المرور على كلمات أصحاب المعاجم في حقّهم.
______________________
1. كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، ص301.
2. الشهرستاني : الملل والنحل، ج1، ص 200.
3 . كشف الفوائد، ص303 ، المتن.
4 . المفيد : الإرشاد، ص 285.
5 . أعيان الشيعة، ج 10، ص 202 .
إنّ الإسماعيلية أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيات واختصاصات واسعة ، وسيوافيك بيان تلك الدرجات والرتب، غير أنّ المهم هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور، دخل كهف الاستتار؛ وظاهر ، يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع.
فالأئمّة المستورون هم الأئمّة الأربعة الأوائل الذين جاءوا بعد إسماعيل ، ونشروا الدعوة سراً وكتماناً، وهم :
1. محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الحبيب » : ولد سنة 132 هـ في المدينة المنورة ، وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء، ولقّب بالإمام المكتوم، لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية ، وتوفي عام 193 هـ.
2. عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الوفي » : ولد عام 179 هـ في مدينة محمود آباد ، وتولّى الإمامة عام 193 هـ بعد وفاة أبيه ، وسكن السلْمية عام 194 هـ مصطحباً بعدد من أتباعه ، وهو الذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً ، توفي عام 212 هـ.
3. أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقب بـ « التقي » : ولد عام
198 ، وتولّى الإمامة عام 212 هـ ، سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة ، توفي فيها عام 265 هـ.
4. الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل المقلب بـ « الرضي » : ولد عام 212 هـ ، وقيل 228 هـ ؛ وتولّى الإمامة عام 265 هـ ، ويقال انّه اتخذ عبد الله بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه ، توفي عام 289 هـ.
والمعروف بين الإسماعيلية انّ عبيد الله المهدي ـ الذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطمية ـ كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار .
وانّهم عُرِّفوا بالإسماعيلية تارة ، والباطنية أُخرى ، والملاحدة ثالثاً ، وبالسبعية رابعاً.
قال المحقّق الطوسي : إنّما سُمُّوا بالإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.
والباطنية لقولهم : كلّ ظاهر فله باطن ، يكون ذلك الباطن مصدراً وذلك الظاهر مظهراً له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلّا ما هو مثل السراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلّا خيال لا أصل له.
ولقّبوا بالملاحدة لعدولهم من ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الأحوال. (1)
وأمّا تسميتهم بالسبعية ، لأنّهم قالوا : إنّما الأئمّة تدور على سبعة سبعة ، كأيام الأُسبوع ، والسماوات السبع ، والكواكب السبع. (2) فدور الإمامة عندهم لا يتجاوز عن سبعة ، ثمّ يأتي دور آخر على هذا الشكل.
ويقول أيضاً : قالوا الإمام في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان علياً عليهالسلام ، وبعده كان ابنه الحسن إماماً مستودعاً ، وبعده الحسين إماماً مستقراً ولذلك لم تذهب الإمامة في ذرية الحسن عليهالسلام ، ثمّ نزلت الإمامة في ذرية الحسين ، وانتهت بعده إلى علي ابنه ، ثمّ إلى محمد ابنه ، ثمّ إلى جعفر ابنه ، ثمّ إلى إسماعيل ابنه وهو السابع. (3)
ومعنى ذلك انّ الدور تمّ بإسماعيل ، وهو متم الدور ، وانّ ابنه بادئ للدور الآخر كالتالي :
١. محمد بن إسماعيل.
٢. عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقب بالرضي.
٣. أحمد بن عبد الله الملقب بالوفي.
٤. الحسين بن أحمد الملقب بالتقي.
٥. عبيد الله المهدي بن الحسين.
٦. القائم.
٧. المنصور ، وبه يتم الدور ويبتدأ دور آخر بالإمام المعز لدين الله.
ولو قلنا بخروج الحسن عليهالسلام لكونه إماماً مستودعاً لا مستقراً يتم الدور بمحمد بن إسماعيل. ويأتي الدور الجديد ، وسيوافيك تفصيله في بيان أدوار الإمامة.
وعلى كلّ تقدير فالسبعة عندهم لها مكانة خاصة ، فلا يتجاوز دور الأئمّة في تمام مراحلها عن السبعة.
انّ المذهب الإسماعيلي لم يظهر على مسرح الحياة بصورة مذهب مدوّن متكامل ، وإنّما أخذ بالتكامل عبر العصور ، وفي ظل احتكاك الدعاة بأصحاب الحركات الباطنية أوّلاً ، وأصحاب الفلسفات ثانياً. وقد ظهر في أوّل يوم
نشوئه بصورة عقيدة بسيطة ، وهو أنّ الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل ، وانّه لم يمت بل غاب ويظهر حتى يملك الأرض وهو القائم ، وهذه هي الإسماعيلية المحضة ، ولم يخالط هذه العقيدة شيء آخر.
نعم لما كان قبولها محفوفاً بغموض ، فرجع بعضهم عن حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم انّ الإمامة كانت في أبيه ، وانّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ.
والظاهر من الشيخ المفيد أنّ الفرقة الأُولى انقرضت ولم يبق منهم من يومأ إليه والفرقة الباقية إلى اليوم هي الإسماعيلية غير الخالصة. (4) ثمّ صار المذهب الواحد مذاهب متشتتة ومختلفة. وقد كان للدعاة تأثير في نضوج العقيدة الإسماعيلية وتكاملها مع اختلاف بينهم في بعض الأُصول فمثلاً الداعي النسفي ( ... ـ331 هـ ) وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب.
ثمّ جاء بعده أبو حاتم الرازي ( 260 ـ 322 هـ ) فوضع كتابه « الإصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه.
ثمّ جاء بعده أبو يعقوب السجستاني الذي كان حيّاً سنة ( 360 هـ ) وكان أُستاذاً للكرماني فانتصر للنسفي وخالف أبا حاتم.
ثمّ جاء الكرماني ( 352 ـ 411 هـ ) فألّف كتاب « راحة العقل »، واستطاع أن يوفق بين آراء شيخه « السجستاني » وبين آراء « أبي حاتم الرازي ».
أضف إلى ذلك أنّ تأويل الظواهر لا يعتمد على ضابطة فكل يؤوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية.
والذي ظهر من التتبّع في كتب الإسماعيلية انّ الفرقة المستعلية القاطنين في اليمن والهند أقرب إلى الحقّ وعقائد جمهور المسلمين من النزارية، فالطبقة الأُولى متعبّدون بالظواهر وتطبيق العمل على الشريعة بخلاف أغلب النزارية خصوصاً الدعاة المتأخرين منهم ، فإنّهم يواجهون الأحداث الطارئة والمستجدة بالتدخل في الشريعة (5)، ويظهر ذلك من أبحاثنا الآتية.
وأخيراً فالمذهب الإسماعيلي اكتنفه غموض وأحاطه إبهام ، فإصابة الحقّ في جميع المراحل أمر مشكل، نستعينه سبحانه أن يوفقنا لبيان الحقّ ويحفظنا عن العثرة انّه هو المجيب.
والذي يهم الباحث هو تبيين جذور المذهب وانه كيف نشأ ؟ وهل كان هناك اتصال بين الإسماعيلية، والحركات الباطنية التي نشأت في عصر الصادق (عليه السلام) أو لا ؟ وهذا هو الذي نطرحه على طاولة البحث في الفصل القادم بعد المرور على كلمات أصحاب المعاجم في حقّهم.
______________________
1. كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، ص301.
2. الشهرستاني : الملل والنحل، ج1، ص 200.
3 . كشف الفوائد، ص303 ، المتن.
4 . المفيد : الإرشاد، ص 285.
5 . أعيان الشيعة، ج 10، ص 202 .