بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
وليعلم انّ الاجتهاد وهو التصدّي لتحصيل العلم بالحجّة للاستناد إليها في مقام العمل هو الأصل الوحيد والركن السديد من بين الامور الثلاثة «الاجتهاد والتقليد والعمل بالاحتياط». وأما التقليد : وهو العمل برأي من قامت عنده الحجّة على الحكم الشرعي ، ويقتضيه ارتكاز العامي وفطرته الحاكمة برجوع الجاهل إلى العالم ، وعليه أيضا جرى بناء العقلاء في حياتهم الاجتماعية ، فهو انّما تصل إليه النّوبة بعد العجز عن الاجتهاد ، وفي ظرف عدم القدرة عليه ، فهو في طول الاجتهاد بحسب المرتبة لا في عرضه.
علما ان أصل لزوم التقليد عقلي، ولا يمكن أن يكون تعبّديا وتقليديّا لاستلزامه حينئذ الدّور أو التسلسل، لأنّ وجوب الرجوع إلى زيد «المجتهد مثلا» لو كان بتقليد عمرو «المجتهد» ننقل الكلام إلى قول عمرو، فبأيّ دليل صار حجّة، فإن كان بسبب قول بكر وهكذا يلزم التسلسل (والمراد من التسلسل في أمثال المقام هو عدم انتهائه إلى حدّ يقف فيه لا التسلسل الفلسفي) وإن رجع حجّية قول عمرو إلى قول زيد مثلا يلزم الدور، وسيأتي البحث في بعض الجوانب الأخرى من التقليد.
وأمّا العمل بالاحتياط فهو : أوّلا : مما لا يمكن في جميع الموارد لاستلزامه اختلال النظام لكثرة المحتملات وكذا في أغلب الموارد لاستلزامه العسر والحرج «ولذلك لم نر من يعمل به من بين المسلمين». وثانيا : انه لا يتمشّى فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة ، وفيما إذا كان محتمل الوجوب عبادة واحتمل المكلّف عدم جواز الامتثال الإجمالي في العبادات عند التمكّن من امتثالها تفصيلا اجتهادا أو تقليدا ، وكذا إذا احتمل دخالة قصد الوجه والتمييز ولو بالاجتهاد أو التقليد، فيلزم عليه حينئذ الاجتهاد ولو لم يمكن فالتقليد، فانقدح ان العمل بالاحتياط ليس في عرض الأوّلين بحسب المرتبة ، بل في طولهما ، فالاجتهاد هو الأصل الوحيد والركن السديد كما ذكرنا.
الاجتهاد
وأخصر ما قيل في تعريفه انه : تحصيل الحجّة على الحكم عن ملكة.
ويتوقّف الاجتهاد على امور :
١ ـ معرفة اللغة العربية وقواعدها ، فإن الكتاب المجيد والأخبار الصادرة عن النبيّ الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة الطاهرين عليهمالسلام قد وردت باللغة العربية ، فالاستفادة منهما واستيعاب مفاهيمهما بدون الاطّلاع على اللغة العربية غير ممكن.
٢ ـ معرفة الكتاب العزيز بالمراجعة إلى التفاسير خصوصا التفاسير المتكفّلة لتفسير الآيات بالأخبار الواردة عن المعصومين عليهمالسلام كتفسير البرهان ونور الثقلين والصافي.
٣ ـ علم الاصول ، ومسيس الحاجة إليه في الاجتهاد ممّا لا يخفى ، فإن القواعد التي قد تكفّل هذا العلم لتشييدها وتنقيحها سواء أكانت من المسائل المرتبطة بالألفاظ وهيآتها أم من القواعد العقلية المحضة ، أم من القواعد المتعلقة بحجية الاصول ومجاريها وأحكام تعارضها وغيرها ، أم من القواعد المبيّنة لكيفيّة الجمع بين المتعارضين من الأخبار العلاجية وغيرها ممّا لا يستغني عنه أيّ مجتهد.
فما ذهب إليه الأخباريّون من أصحابنا من إنكار شأن علم الاصول فممّا لا ريب في بطلانه ، فهل يسوغ للأخباري أن يستغني عن مثل هذه المسائل مع ان أكثر مداركها مأخوذ من الكتاب العزيز والأخبار الصادرة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، وهذا صاحب الحدائق وقد عدّ من رؤساء الأخباريين ، هل كان يمكن له أن يستنبط الأحكام من الكتاب العزيز وأخبار الأئمّة الأطهار مع قطع النظر عن هذه القواعد؟ وإن شئت فارجع إلى الحدائق تجد صحّة ما ذكرنا.
٤ ـ التتبّع التامّ في الأخبار الصادرة عن أهل البيت عليهمالسلام والانس والإحاطة بها ، إذ بها دارت رحى الاستنباط عند فقهاء الإماميّة في عامّة الأدوار والأعصار وبالممارسة فيها تحصل القوّة القدسيّة التي بها يكون الفقيه فقيها.
قال أبو عبد الله عليه السلام : (أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا). (1)
وقال عليه السلام أيضا : (ممّن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا). (2)
٥ ـ علم الرجال والدراية ، وذلك لأنّ غالب الأحكام الشرعية يستفاد من الأخبار المأثورة عن أهل البيت عليهمالسلام وليس كل خبر حجّة ، لأنهم عليهمالسلام قد قالوا إنّا لا نخلو عن كذّاب يكذب علينا ، فلا بدّ من تمييز الغثّ عن السمين ، ولا يحصل ذلك إلّا بالبحث والتنقيب عن أحوال الرواة الواقعين في سلسلة السند واحدا بعد واحد.
٦ ـ الاطلاع على فتاوى الأصحاب خصوصا قدمائهم الذين كان دأبهم الفتوى على أساس متون الروايات ، وكذا الاطلاع على فتاوى العامّة الدارجة في أعصار الأئمّة الأطهار عليهمالسلام وذلك لأنه يظهر من كثير من الأخبار ان الأئمة الأطهار عليهمالسلام كانوا ناظرين إلى ما في أيدي العامة وفقهائهم من الروايات والفتاوى في تلك العصور المظلمة ، وعليه فتمييز ما هو الصادر منهم عليهمالسلام تقية أو ردّا على ما هو الدارج في أيديهم يحتاج إلى الاطّلاع على فتاويهم ورواياتهم في تلك الأزمنة.
__________________
(1) الوسائل الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح 27، ج 18.
(2) الوسائل الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح 1، ج 18.
اللهم صل على محمد وآل محمد
وليعلم انّ الاجتهاد وهو التصدّي لتحصيل العلم بالحجّة للاستناد إليها في مقام العمل هو الأصل الوحيد والركن السديد من بين الامور الثلاثة «الاجتهاد والتقليد والعمل بالاحتياط». وأما التقليد : وهو العمل برأي من قامت عنده الحجّة على الحكم الشرعي ، ويقتضيه ارتكاز العامي وفطرته الحاكمة برجوع الجاهل إلى العالم ، وعليه أيضا جرى بناء العقلاء في حياتهم الاجتماعية ، فهو انّما تصل إليه النّوبة بعد العجز عن الاجتهاد ، وفي ظرف عدم القدرة عليه ، فهو في طول الاجتهاد بحسب المرتبة لا في عرضه.
علما ان أصل لزوم التقليد عقلي، ولا يمكن أن يكون تعبّديا وتقليديّا لاستلزامه حينئذ الدّور أو التسلسل، لأنّ وجوب الرجوع إلى زيد «المجتهد مثلا» لو كان بتقليد عمرو «المجتهد» ننقل الكلام إلى قول عمرو، فبأيّ دليل صار حجّة، فإن كان بسبب قول بكر وهكذا يلزم التسلسل (والمراد من التسلسل في أمثال المقام هو عدم انتهائه إلى حدّ يقف فيه لا التسلسل الفلسفي) وإن رجع حجّية قول عمرو إلى قول زيد مثلا يلزم الدور، وسيأتي البحث في بعض الجوانب الأخرى من التقليد.
وأمّا العمل بالاحتياط فهو : أوّلا : مما لا يمكن في جميع الموارد لاستلزامه اختلال النظام لكثرة المحتملات وكذا في أغلب الموارد لاستلزامه العسر والحرج «ولذلك لم نر من يعمل به من بين المسلمين». وثانيا : انه لا يتمشّى فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة ، وفيما إذا كان محتمل الوجوب عبادة واحتمل المكلّف عدم جواز الامتثال الإجمالي في العبادات عند التمكّن من امتثالها تفصيلا اجتهادا أو تقليدا ، وكذا إذا احتمل دخالة قصد الوجه والتمييز ولو بالاجتهاد أو التقليد، فيلزم عليه حينئذ الاجتهاد ولو لم يمكن فالتقليد، فانقدح ان العمل بالاحتياط ليس في عرض الأوّلين بحسب المرتبة ، بل في طولهما ، فالاجتهاد هو الأصل الوحيد والركن السديد كما ذكرنا.
الاجتهاد
وأخصر ما قيل في تعريفه انه : تحصيل الحجّة على الحكم عن ملكة.
ويتوقّف الاجتهاد على امور :
١ ـ معرفة اللغة العربية وقواعدها ، فإن الكتاب المجيد والأخبار الصادرة عن النبيّ الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة الطاهرين عليهمالسلام قد وردت باللغة العربية ، فالاستفادة منهما واستيعاب مفاهيمهما بدون الاطّلاع على اللغة العربية غير ممكن.
٢ ـ معرفة الكتاب العزيز بالمراجعة إلى التفاسير خصوصا التفاسير المتكفّلة لتفسير الآيات بالأخبار الواردة عن المعصومين عليهمالسلام كتفسير البرهان ونور الثقلين والصافي.
٣ ـ علم الاصول ، ومسيس الحاجة إليه في الاجتهاد ممّا لا يخفى ، فإن القواعد التي قد تكفّل هذا العلم لتشييدها وتنقيحها سواء أكانت من المسائل المرتبطة بالألفاظ وهيآتها أم من القواعد العقلية المحضة ، أم من القواعد المتعلقة بحجية الاصول ومجاريها وأحكام تعارضها وغيرها ، أم من القواعد المبيّنة لكيفيّة الجمع بين المتعارضين من الأخبار العلاجية وغيرها ممّا لا يستغني عنه أيّ مجتهد.
فما ذهب إليه الأخباريّون من أصحابنا من إنكار شأن علم الاصول فممّا لا ريب في بطلانه ، فهل يسوغ للأخباري أن يستغني عن مثل هذه المسائل مع ان أكثر مداركها مأخوذ من الكتاب العزيز والأخبار الصادرة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، وهذا صاحب الحدائق وقد عدّ من رؤساء الأخباريين ، هل كان يمكن له أن يستنبط الأحكام من الكتاب العزيز وأخبار الأئمّة الأطهار مع قطع النظر عن هذه القواعد؟ وإن شئت فارجع إلى الحدائق تجد صحّة ما ذكرنا.
٤ ـ التتبّع التامّ في الأخبار الصادرة عن أهل البيت عليهمالسلام والانس والإحاطة بها ، إذ بها دارت رحى الاستنباط عند فقهاء الإماميّة في عامّة الأدوار والأعصار وبالممارسة فيها تحصل القوّة القدسيّة التي بها يكون الفقيه فقيها.
قال أبو عبد الله عليه السلام : (أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا). (1)
وقال عليه السلام أيضا : (ممّن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا). (2)
٥ ـ علم الرجال والدراية ، وذلك لأنّ غالب الأحكام الشرعية يستفاد من الأخبار المأثورة عن أهل البيت عليهمالسلام وليس كل خبر حجّة ، لأنهم عليهمالسلام قد قالوا إنّا لا نخلو عن كذّاب يكذب علينا ، فلا بدّ من تمييز الغثّ عن السمين ، ولا يحصل ذلك إلّا بالبحث والتنقيب عن أحوال الرواة الواقعين في سلسلة السند واحدا بعد واحد.
٦ ـ الاطلاع على فتاوى الأصحاب خصوصا قدمائهم الذين كان دأبهم الفتوى على أساس متون الروايات ، وكذا الاطلاع على فتاوى العامّة الدارجة في أعصار الأئمّة الأطهار عليهمالسلام وذلك لأنه يظهر من كثير من الأخبار ان الأئمة الأطهار عليهمالسلام كانوا ناظرين إلى ما في أيدي العامة وفقهائهم من الروايات والفتاوى في تلك العصور المظلمة ، وعليه فتمييز ما هو الصادر منهم عليهمالسلام تقية أو ردّا على ما هو الدارج في أيديهم يحتاج إلى الاطّلاع على فتاويهم ورواياتهم في تلك الأزمنة.
__________________
(1) الوسائل الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح 27، ج 18.
(2) الوسائل الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح 1، ج 18.
تعليق