لكل مجتمع تقاليده التي يلتزم بها وتتوارثها الأجيال لتصبح جزءاً لايتجزأ من ثقافته وطابعه الخاص الذي يسجله التاريخ وبالتالي يصنع حضارته ، ولكل حقبة زمنية شكلها المميز الذي يعطيها العنوان ، وتتفاوت ثقافات الشعوب استناداً للعديد.من المعطيات ، ويحاول الجميع التعرف على الآخر بتبني لغته كوسيلة مشتركة للتفاهم . ومن خلال رحلتي المطولة في دراسة الحضارات والتعمق بثقافات الشعوب لم أجد يوما لغة أرقى وأكثر دلالة على سمو المشاعر من لغة الزهور عندما تقوم بدور الهدية والتهادي بين الناس لما لها من سحر خاص ، الأسلوب الأرقى تعبيراً على الاطلاق والأبلغ من اي كلام ، وعلى الرغم من أنها لغة عالمية يفهم رموزها كل البشر إلا أنها تبقى لغة متفردة لاتشبه اللغات بل لاتقارن معها لخصوصيتها ، هي رسائل تحمل في طياتها الكثير من المعاني المجردة التي تعجز الحروف عن إيصالها ، بوح وجداني رقيق عما يعترينا من مشاعر تجاه العديد العديد من العلاقات الإنسانية حتى اصبحت من أروع مايمكن أن يقدم كهدية ، فهي لغة الحب ، والشوق ، والحنين ، ولغة التناغم مع الفرح حين يصل إلى ذروته ، ولغة التعاطف مع الألم والمرض ، ولغة التعبير عن التهاني و التباريك في المناسبات السعيدة ، حتى أنها تحمل رسائل وداع بأرق وأرقى مابمكن أن يقال حين تخوننا الكلمات ويكون الحزن أعمق من أن تحتويه سطور أو عبارات ، عالم واسع من الذوق الراقي والحضارة ، اسلوب يعكس ثقافات الشعوب ومؤشر على حضارة وثقافة راقية إلى أبعد الحدود .
وللورود لغة لايعيها إلا من تعمق بعالمها الرائع فنجد أن كل لون من ألوانها يرسل رسالة تختلف عن اللون الآخر ويختزل الكثير من الكلام بمجرد اختيار اللون فهو يكفل إيصال الرسالة دون زيف أو خداع أو تورية أيضاً ، اما بالنسبة للأنواع فلا حصر لها واجملها الجوري الفل الزنبق الغاردينيا والتوليب ..
ويتم تنسيقها في أماكن خاصة حيث يتم اختيار الألوان والأنواع وشكل الباقة والعدد حسب المناسبة ليصبح التعامل معها فناً قائماً بذاته ..
وأرى أن الزهور تنتمي إلى عائلة تحمل نفس الجينات الوراثية وتشترك معها في الرقة وهي موجودة حولنا بأشكال مختلفة ، مثل الأدب الراقي والكتابة بمختلف أنواعها شعراً ونثراً وقصاً ، أيضا العطر الذي يحمل هوية خاصة ، الصباح وولادة الفجر الذي يرسل نسماته العليلة كرسائل نقاء للكون .. ومالايعد ولايحصى من صور الجمال ، فأدرك بأن الجمال أوسع من أن ينتمي إلى ثقافة أو حضارة بل أنه ينبع من النفس فتدرك كل جميل وتوظفه ليعبر عنها وعن عمق الشعور الذي أودعه الله فينا ..
لأجد بأنا غارقون في عالم يحتاج إلى إنصات ، لنستمع إلى موسيقا الكون ، وإلى تأمل ، للشعور بكل هذا الكم الهائل من الجمال والذي تجلى بأروع التجليات .