إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف ندرس الحياة بحيث تدلّنا على المبدع الحي؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف ندرس الحياة بحيث تدلّنا على المبدع الحي؟



    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    جوهر الحياة يتمثّل في الحياة الإدراكية للإنسان، فلندرس حياة الإنسان، فلندرس شخصية الإنسان، بم يتميّز الإنسان على غيره؟ الإنسان يتميّز على غيره بالقدرة الإدراكية، وماذا يعني التميّز بالقدرة الإدراكية؟ القرآن يركّز على هذه القدرة الإدراكية الموجودة عند الإنسان، ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، ويقول في آية أخرى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، القدرة الإدراكية لدى الإنسان لها سمات ثلاث كما ينصّ عليها علماء النفس، المدرسة الاستبطانية في علم النفس تشرّح وتحلّل القدرة الإدراكية للإنسان.
    السمة الأولى: القدرة على التغيير.
    الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على التغيير، القادر على البناء، القادر على تأسيس حضارة، نعم الكائنات الحية لها مجتمعات، القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾، ولكن هذه المجتمعات لا تقدر على التغيير، هي مجتمعات ذات تشكيلة معينة لا تتغير، الإنسان قادر على تغيير مجتمعه، الإنسان قادر على بناء حضارة وبناء كيان اجتماعي مختلف، هو الوحيد القادر على ذلك، من أين ثبتت هذه القدرة؟ من المادة؟! من الصدفة؟! عندما نأتي ونقارن بين مخ الإنسان العادي ومخ آينشتاين، هل يختلفان في الخصائص المادية؟ أبدًا لا يختلفان، الجميع يتكوّن من بروتونات ونيترونات وإلكترونات، يعني المواد الأولية هي هي واحدة، لماذا هذا يمتلك عقلًا تغييريًا، عقل بناء، وهذا لا يمتلك؟ هذا دليل على أنَّ جوهر الحياة لا تولّده المادة، جوهر الحياة لا تولّده الصدفة، وإلا فالمادة مشتركة بين هذه الأدمغة وهذه المخوخ كلها، لكن هذا المخ يتميّز بقدرة إدراكية على المخ الآخر، فمن أين أتت؟
    السمة الثانية: القدرة على التحكّم.
    أنت عندما تصمّم جهازًا فإنَّ الجهاز حتى يبقى يحتاج إلى أربعة عناصر: صنع، طاقة، برمجة، صيانة، لا يستمر الجهاز إلا بهذه العناصر الأربعة، كل جهاز يحتاج إلى هذه العناصر من خارجه، صانع يصنعه، مبرمج يبرمجه، طاقة تمدّ له من جهة أخرى، صيانة تأتيه من جهة أخرى، وهكذا. أما الإنسان فهو جهاز يمتلك التحكّم في هذه العناصر الأربعة بشكل واعٍ ومدرك، وهذا من سمات القدرة الإدراكية لدى الإنسان، كيف؟
    هذا الإنسان يصنع، طبعًا هو لا يخلق حياة، لكن يصنع مولودًا حيًا، هذا يصنعه عن وعي لا مثل بقية الحيوانات، يصنع الحياة عن وعي وإدراك، ولذلك يخطط لولده، يخطط لنسله، يخطط لذريته بشكل معيّن، هذه القدرة على الصنع. القدرة على تجديد الطاقة: الإنسان بوعيه يختار الغذاء المناسب في الظرف المناسب بالطريقة المناسبة ليجدّد طاقة بدنه. الإنسان يتحكّم في البرمجة، يبرمج عقله بالمعارف والأفكار التي تصبّ في تخصصه، التي تصبّ في طريقه. الإنسان يتحكم في صيانة جسده بالطرق التي يحفظ بها حياته. إذن، الإنسان ليس كسائر الأجهزة، وليس كسائر الكائنات الحيّة، من قدرته الإدراكية أنه يقتدر على التحكّم في عناصر البقاء، في الطاقة، في الصنع، في البرمجة، في الصيانة، وهذه السمة تكشف عن قدرة إدراكية متميّزة لدى الإنسان على غيره من الكائنات الأخرى.
    السمة الثالثة: الوحدة المركزية.
    يعني أن تعمل أجزاء الجسم وأجزاء العقل كوحدة واحدة عن وعي وإدراك. الآن نحن نسمع مصطلح فناء الكثرة في الوحدة، كيف تفنى الكثرات في الوحدة؟ بالإنسان أمثّل لك، هذا الإنسان يتكون من بويضة ملقحة، البويضة الملقحة تنقسم إلى ملايين الخلايا، هذه الكثرة، هذه الملايين من الخلايا تتوزع، كل مجموعة تقوم بوظيفة مختلفة عن المجموعة الأخرى، إلى أن تتكون الأنسجة، الأنسجة تبدأ لها وظائف متمايزة فتتكون منها الأعضاء، كل عضو من الأعضاء له وظائف لا وظيفة واحدة، اللسان كم وظيفة يقوم بها؟ كم وظيفة تقوم بها اليد؟ الإنسان مجموع كثرات، ملايين خلايا، أنسجة، أعضاء، وظائف، لكن هذه الكثرات كلها تصبّ في وحدة مركزية معينة، ما هي؟ أنا، أنت عندما تسأل من أنت؟ تقول: أنا، ما هو أنا؟ ما هو المشار إليه بكلمة أنا؟ تلتفت إلى أنّ معنى أنا وحدة مركزية تجمع هذه الكثرات كلها، كلها تصبّ في خدمة أنا بوعي والتفات من الإنسان، هذه القوة الجوارحية.​
    كذلك حال القوة الجوانحية، أنت تملك قوة جوانحية، تملك قوة متخيلة، تملك ذاكرة، تملك خيالًا، تملك قوة الحدس، تملك قوة التفكير، هذه القوى الخمس - القوى الجوانحية - كثرة لكنها كلها تصب في خدمة أنا، هناك كثرات تفنى وتذوب في وحدة مركزية ألا وهي أنا، عن وعي والتفات، هذه سمة ثالثة من سمات القدرة الإدراكية لدى الإنسان.
    القدرة الإدراكية لدى الإنسان بسماتها المتنوعة المتعددة هي العنصر الجوهري للحياة، هي التي تبرز ماهية الحياة، هي التي تدلّ على أنَّ وراء الحياة مصممًا حكيمًا، لا أنّ الحياة وُلِدَت صدفة، ولا أنَّ الحياة جاءت عن طريق المادة التي لا عقل لها، المادة التي لا عقل لها كيف تنتج عقلًا؟! المادة التي لا مادة لها كيف تنتج إدراكًا؟! فاقد الشيء لا يعطيه.
    هذه الحياة هي طريقك إلى الامتحان، القرآن الكريم يقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، الهدف أن تكون أحسن عملًا، أنت وُلِدت في ميدان سباق، سباق حاد، سباق محتدم، فلتكن الأحسن، فلتكن الأفضل، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، أنت تعيش في حياة كدح، في حياة سباق، أمامك طريقان في هذا السباق: إما نزول وإما صعود، إما أن تخرج من هذا السباق مصداقًا لقوله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾، وإما أن تخرج من السباق مصداقًا لقوله عز وجل: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾، إما أن تذهب إلى قوس صعود وإما أن تذهب إلى قوس نزول، إما أن تخرج من هذا السباق إنسانًا نوريًا أو تخرج من هذا السباق إنسانًا ناريًا.
    هنالك إنسان ناري وهنالك إنسان نوري، القرآن الكريم يتحدّث عن الصنفين، يقول: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ﴾، يعني هنالك قسم من الناس هم قطعة نار، ملئوا بالمعاصي والجرائم إلى أن أصبحوا قطعًا ملتهبة من النار. وهناك قسم هم نور، ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾، فهناك نوري وهناك ناري، والميدان أمامك، وأنت في سباقك محتدم، في كل موقف في الحياة إما أن تخرج نوريًا أو تخرج ناريًا.​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X