تعرضت الثورة الحسينية الى الكثير من الغبن على يد المناهج التقليدية التي ترتكز في قراءة التاريخ على المنهج الوضعي وخاصة في المناهج الدراسية حيث اتسمت بانعكاسات مذهبية واضحة وما تسمى في عوالم النقد بالنظرية الاسقاطية اذا جاز التعبير الاستدلالي اذ وضعت موازيين الواقع الحياتي الآني على واقع تاريخي له مميزاته الخاصة كدلالات سببية او نتائج المنطق العام فتصبح الثورة الحسينية حسب هذه التأويلات وكأنها انقلاب عسكري خطط بمصالح شخصية وفشل بسبب عدم النضوج القيادي ولو بحثنا في ولادة هذه المناهج سنجدها لم تلد عن عبث وانما هي وليدة فكر أموي سلطوي استخدم وسائله الترهيبية والترغيبية واعتقد انها كانت عبارة عن تأسيس مفاهيم تحريفية ساذجة غير متطورة لم تستطع الوقوف في حينها امام قوة مرتكزات الثورة حتى بعد وأدها لكنها كبرت واستفحلت وتطورت على يد الاجيال المتأخرة من المدارس التنظيرية الحديثة الحاقدة أي انها عاشت مرحلة تبني اعقبت مرحلة الا نهيار الاموي المؤسس وقد عالجت هذه المدارس المتاخرة بدهاء متطور مواضيع النقد والتجريح وزرع الشك والريبة وتقليل اهمية أي بحث جاد للمرحلة التاريخية ضمن مواصفات تلك المرحلة وماهية المحيط العام والخاص ..
بينما أي منهج حقيقي اذا اراد ان يتصف بالعلمية عليه اولا ان يستوعب ما قبل الواقعة الحسينية وثانيا ان يدخل صميم هذه الثورة بجميع معانيها ومضامينها وثالثا عليه ان يدخل في عوالم ما بعد الثورة ـ أي النتائج التي افرزتها الثورة الحسينية وفي طبيعة الامر ان أي مفهوم من هذه المفاهيم الثلاثة هو قابل للزيف والتحريف مالم يمتلك المصداقية البحثية والدقة التقيمية كمثال .. هناك ناتج ظاهري وهناك نتائج معنوية فالناتج الظاهري يدل على انكسار الثورة الحسينية هذا واقع لايمكن ان ينكر لكن السؤال الذي لابد ان يطرح في مثل هذه المواقع الاستدلالية . هل بامكانية الواقع اذا كان منكسرا ان ينهض بمهمات تاريخية كبيرة؟ هل من الممكن لهذا الواقع الذي صوروه انكسارا ان يكسر شوكة الطغاة المنتصرين عسكريا ؟ هل من الممكن لاي منكسر ان يرقى للشموخ ؟ ويبقى خالدا على مر الدهور ؟ هل يستطيع تاريخ منكسر ان يسمو في كل تقييم يومن بالخلود ؟ وهو امام اندحار كامل لتاريخ يسمى في الصيغ العسكرية انتصارا ؟ وهذا يدل على ظهور مناهج تناقض المناهج التقليدية تمتلك دلالات واسعة مبدعة تستطيع ان تدرك ثنايا التاريخ وبوسعها ان تتحرك ضمن مستجدات الحاضر من حيث المعنى العام فيكون متعدد الابعاد والدلالات ولا ينظر الى التاريخ من زاوية واحدة بوجهة نظر واحدة وللابتعاد عن الجفاف البحثي ورفع ضيق الرؤيا والاعتماد على حيوية واعية تدرك اولا مقومات الثورة الحسينية من اجل خلق فسحة للمقارنة المدركة أي نقاط التقارب والتباعد ...
وهذه بطبيعة الحال مسائل تنظيرية تلجأ لاحتواء المناهج الاخرى ولا علاقة لها بالمحتوى الايماني فانا اؤمن تماما ان من الغبن ان تقاس الثورة الحسينية بأي مقياس مهما كان واعيا وارى ان العكس هو الصحيح وقد ينظر البعض الى ان ما اقدمه هو نوع من المثاليات الحوارية واجد ان مثل هذا الاسلوب يحمل روحية كسب المعنى الاخر من اجل احتواء القناعات ولابد لي من امثلة ابرر فيها سلامة هذا الفعل الحواري مثلا لو سألت عن رجل ترك زوجته الشاية ورضيعها في الصحراء القاحلة وعاد دونهما ؟ ماذا سيكون الحكم العام عنه واذا سالت عن رجل يقتل طفلا لانه يعتقد عندما يكبر يرهق ذويه ؟ فمن المؤكد سيكون الحكم ليس لصالحه وهناك الكثير من الاسئلة التي من الغبن ان تطرح لصيغة التداول المنطقي اذا عرفنا ان الرجل الاول كان النبي ابراهيم والرجل الثاني كان العبد الصالح الخضر عليه السلام لان مؤولات المسند الايماني سيبعد الفعل عن أي حكم وضعي وهذا سيمنحنا استدلالا آخر مفاده ان جميع المناهج التي درست الثورة الحسينية هي ليست مناهج اصلا وانما هي مجرد اتفاقات على موضوع معين ومعظم هذه الاتفاقات لم تنظر الى الخصوصية الايمانية وتجا هلت نبؤات الرسول الكريم ونبؤات الامام علي وتجاهلت الموروث الرسالي قبل ذلك والذي كان يشير الى تبؤات العديد من الانبياء حول واقعة كربلاء ... ويعني انها نظرت الى الثورة كفعل انساني قائم على مصالح معينة ورغم كل هذا ندخل مطمئنين الى رؤى البحث عن مقومات الثورة الناجحة التي لابد ان ننظر لها من خلال المنظور الاسلامي الذي يرتكز على جوهر (البعد الالهي للثورة) .. وبدونه سنرفع الخصوصية الاسمى عن هذه الثورة المباركة ونعرضها الى رؤى مادية متناقضة لكونها ستؤطر باطر سياسية وظيفية تعتني بالوازع السياسي كفكر قيادي بينما قوة هذه الثورة الحسينية بارتباطها وارتباط حركتها التغيرية بالله تعالى وبهذا الايمان سنصل الجوهر الحقيقي لهذه الثورة المتمثلة بالتكليف الرسالي الذي يمنح الثورة البعد الروحي والقدسية التي تتسامى بها حركات الانبياء الاصلاحية ..والتحرك الثوري في قضية الحسين عليه السلام كان مرتبطا منذ النبؤءة الاولى والوهج الاول بالله تعالى وبالاسلام مجموعة اهداف حملتها الثورة كحركة نهضويية ذات مفاهيم وشعارات تفاعل معها الوجدان لانها ذات محتوى مرتبط برسالة الاسلام ليس فيها اشر ولا بطر ولافساد ولا ظلم وانما هو سعي خالص لطلب الاصلاح في امة محمد ص يريد قائدها ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسير بسيرة جده المصطفى فهل ثمة مفاهيم اقرب للعقيدة الاسلامية منها؟
ثمة دلالات لايمكن التماس معها الا بمعرفة وجهي المعادلة مثلا النمط السلطوي الحاكم الذي ابتدع الارتداد عن الاسلام بطرق ملتوية استطاعت تغيير السلوك الوعي الجمعي حتى اصبح الحال يحتاج الى ثورة واعية تعيد التوازن لهوية كادت ان تضيع فحملت الثورة الحسينية البعد الانساني كمعنى يهدف الى الاهتمام بالنواحي الفطرية وهذا هو المفهوم الامتدادي لحركة الرسل والانبياء فجميع تلك الحركات تساهم في مصير واحد يرتقي الى رفض الظلم ومقارعة المستبدين والدعوة الى الحق والعدل والفضيلة من اجل تحقيق الاستقرار ولا يمكن ان تتحقق كل هذه المشاريع الا ببعث عزة الانسان وكرامته والسعي لايقاد شعلة الحرية الحقيقية وهذا هو المسعى الرسالي الذي تكفل به الرسول (ص) رفض العبودية وانحرافات السلطوية والاوهام والتقليد ومحاربة الطغاة الذين يسعون لاستغلال الناس والتحكم في مصائرهم وتوحيد عبادة الله التي تقود الى الكمالات وهذا يدلنا على الاهتمام الشامل بواقع الامة الحياتي لتحريكه من خلال القضايا الحسية المعاشة بمكونات رؤيوية مضيئة تسعى لتحرير الانسان من عبوديته لغير الله تعالى وهذا كفيل بدفع الواقع المعاش للتعامل مع مصدر من اهم مصادر القوة والذي يمتلك مؤثرات تكوينية واضحة المعالم لان الانسا ن الذليل يستسلم للظلم ولايمكن ان يملأ حضوره كانسان حر مقاوم للظلم او ان يطمح وسط هذه الذلة والمهانة للافضل ـ فلذلك أكد قائد الثورة على البعد الانساني وجعله احد الجوانب الانسانية التي دعته للتحرك لأنه رأى الاذلال الذي اراد يزيد ان يلبسه للامة والظلم الذي بسطه عليها . وقد أوضح الحسين عليه السلام هذا البعد في مواقف كثيرة ( لاارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما ).. وشعار الثورة الخالد ( هيهات منا الذلة ) والكثير من هذه المليئة بالحضورفالاخلاص حضور شمولي لابد له ان يحتوي بعدا آخرا هو البعد الاخلاقي في المجتمع بوصفه حاجة من الحاجات الانسانية وبدونها ستكشف خواء نفسي عام تضطرب اثره حياة الانسان وبهذا الوصف ستحتاج الثورة لتبعد هذا الدرك المظلم عن طريقها بواسطة قيادة عاقلة تمتلك الفاعلية العلمية السليمة بما يتلائم والجوهر الايماني والا فأي نجاح دون هذا المحتوى يضعنا امام مكون انفعالي لعاطفة شعورية واحاسيس توفيقية وقد تكون مجرد ردة فعل او تمرد او انعكاس للواقع السيءلكن في كل الاحوال لاتعتبر عملية تغيرية بناءة تهدف الى الامتداد الرسالي الذي شيده النبي (ص) لاتستطيع ان توفر القسط والعدل والتكامل الانساني وهناك تصورات انحرفت عن المسار الفكري المعتدل فراحت تهيء بان الحسين عليه السلام كان لااباليا في قيادته لكونه يمتلك نبؤءة وضحت شكل المصير بينما نجد اولا ان تبيان الهدف وضح المسيرة النهضوية وقد تم تخطيط واعي للحركة منح الانطباع التأكيدي على قدرة قيادية لانجاح الثورة واستلام زمام الحكم لبناء قاعدة اسلامية تعيد ما بناه جده المصطفى (ص)واما انحرافات المأولين ابعدت عنهم النظرة الصائبة لللنظر ان مسألة استلام السلطة وسيلة لنشر حكم اسلامي وليس غاية سعت لها الثورة وبينما الكثير من الامرو تؤكد حسن التخطيط ودقته كموقفه من البيعة ليزيد حيث طبق اسلوب قيادي متميز اسند الحماية لبعض اصحابه في الوقوف خلف الباب للبقاء على هبة الاستعداد لاقتحام الدار الوصايا التي تحمل شعارات الثورة وسعى لافات النظر الى هذه الثورة المقدامة اختياره لتميزات نصب الخيام والخندق حول الخيام وقبل ذلك كان هناك الدور الاعلامي المتميز ـ لأن مجرد الوعي والادراك لايحتوي كما احتوت الثورة الحسينية على هذا الكم العالي من البعد الوجداني الذي تميز بقدرته على الحركة والفاعلية لكون هذا البعد يشكل وجدان المحبة والمعاني الخيرة التي اودعها الله نبيه من العدل والعزة والحرية والكرامة ولينبع من هذا الوجدان الايماني بمنهج الثورة وشعاراتها واهدافها لتهيء لها قاعدة جماهيرية تسعى لاعداد الجماهير فكريا ومعنويا حتى يتحقق التفاعل المنشود