بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ميزات سبع حظي بها الإنسان في أصل وجوده ، فكان المخلوق المفضّل الكريم . و إليك بعض التوضيح :
ميزات الإنسان الفطرية
امتاز الإنسان في ذات وجوده بميزات لم يحظ بها غيره من سائر الخلق :
فقد شرّفه الله بأن خلقه بيديه : ﴿ ... مَا مَنَعَكَ ... ﴾ ( خطاباً لإبليس ) ﴿ ... أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... ﴾ . و الله خالق كلّ شيء . فلا بدّ أن تكون هناك خصوصيّة في خلق هذا الإنسان تستحق هذا التنويه . هي خصوصيّة العناية الربّانيّة بهذا الكائن ، و إيداعُه نفخةً من روح الله دلالةً على هذه العناية !
قال العلاّمة الطباطبائي : نسبة خلقه إلى اليد تشريف بالاختصاص كما قال : ﴿ ... وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ... ﴾
. و تثنية اليد كناية عن الاهتمام البالغ بخلقه و صنعه ، ذلك أنّ الإنسان إذا اهتّم بصنع شيء استعمل يديه معاً عناية به .
و هكذا نفخة الروح الإلهيّة فيه كناية عن جانب اختصاص هذا الإنسان ـ في أصل فطرته ـ بالملأ الأعلى حتّى و لو كان متّخذاً ـ في جانب جسده ـ من عناصر تربطه بالأرض ، فهو في ذاته عنصر سماوي قبل أن يكون أرضيّاً .
و لقد خلق الإنسان من عناصر هذه الأرض ثُمَّ من النفخة العلويّة التي فرّقت بينه و بين سائر الأحياء . و منحته خصائصه الإنسانية الكبرى . و أوّلها القدرة على الارتقاء في سلّم المدارك العليا الخاصّة بعالم الإنسان .
هذه النفخة هي التي تصله بالملأ الأعلى ، و تجعله أهلاً للاتصال بالله ، و للتلقّي عنه و لتجاوز النطاق المادّي الذي تتعامل فيه العضلات و الحواسّ ، إلى النطاق التجريدي الذي تتعامل فيه القلوب و العقول . و التي تمنحه ذلك السرّ الخفيّ الذي يسرب به وراء الزمان و المكان ، و وراء طاقة العضلات و الحواسّ ، إلى ألوان من المدركات و ألوان من التصوّرات غيرالمحدودة في بعض الأحيان
و بذالك استحقّ إيداعه أمانة الله التي هي ودائع ربّانية لها صبغة ملكوتية رفيعة أودعت هذا الإنسان دون غيره من سائر المخلوق . و تتلخّص هذه الودائع في قدرات هائلة يملكها الإنسان في جبلّته الأولى و التي أهّلته للاستيلاء على طاقات كامنة في طبيعة الوجود و تسخيرها حيث يشاء .
إنّها القدرة على الإرادة و التصميم ، القدرة على التفكير و التدبير ، القدرة على الإبداع و التكوين . القدرة على الاكتشاف و التسخير . إنها الجرأة على حمل هذا العبء الخطير . قال سيّد قطب : إنّها الإرادة و الإدراك و المحاولة و حمل التعبة ، هي هي ميزة هذا الإنسان على كثير من خلق الله . و هي هي مناط التكريم الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى و هو يُسجِد الملائكة لآدم . و أعلنه في قرآنه الباقي و هو يقول : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ... ﴾
. فليعرف الإنسان مناط تكريمه عند الله ، و لينهض بالأمانة التي اختارها . و التي عرضت على السماوات و الأرض و الجبال ، فأبين أن يحملنها و أشفقن منها .
إنّها أمانة ضخمة حملها هذا المخلوق الصغير الحجم الكبير القُوى القويّ العزم . و من ثَمَّ كان ظلوماً لنفسه حيث لم ينهض بأداء هذه الأمانة كما حملها ، جهولاً لطاقاته هذه الهائلة المودعة في وجوده و هو بَعْدُ لا يعرفها .
و هكذا علّمه الأسماء : القدرة على معرفة الأشياء بذواتها و خاصّيّاتها و آثارها الطبيعية العاملة في تطوير الحياة ، و التي وقعت رهن إرادة الإنسان ليسخّرها في مآربه حيث يشاء ، و بذلك يتقدّم العالم بحشده و جموعه في سبيل عمارة الأرض و ازدهار معالمها ، حيث أراده الله من هذا الإنسان ﴿ ... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... ﴾ .
و بذلك أصبح هذا الإنسان ـ بهذه الميزات ـ خليفة الله في الأرض ، حيث يتصرّف فيها وفق إرادته و طاقاته المودعة فيه ، و يعمل في عمارة الأرض و تطوير الحياة .
و إسجاد الملائكة له في عرصة الوجود ، كناية عن إخضاع القوى النورانية برمّتها للإنسان ، تعمل وفق إرادته الخاصّة من غير ما تخلّف ، في مقابلة القوى الظلمانية ( إبليس و جنوده ) تعمل في معاكسة مصالحه إلاّ من عصمهُ الله من شرور الشياطين ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ﴾
كما و أنّ تسخير ما في السماوات وما في الأرض جميعاً ، كناية عن إخضاع القوي الطبيعية المودعة في أجواء السماوات و الأرض ـ لهذا الإنسان ، تعمل فور إرادته بلا فتور و لا قصور. و معنى تسخيرها له : أنّ الإنسان فُطر على إمكان تسخيرها .
فسبحانه من خالقٍ عظيم ، إذ خلق خلقاً بهذه العظمة و الاقتدار الفائق على كلّ مخلوق !
هذه دراستنا عن الإنسان على صفحات مشرفة من القرآن الكريم ، فيا ترى أين يوجد مثل هذه العظمة و التبجيل لمخلوقٍ هو في هندامه صغير و في طاقاته كبير ، كبرياءاً ملأ الآفاق!
أتزعم أنك جسمٌ صغيرٌ *** و فيك انطوى العالم الأكبر
فتبارك الله أحسن الخالقين بخلقه أحسن المخلوقين !
خلقتُ الأشياء لأجلك و خلقتك لأجلي !
حديث قدسيّ معروف خطاباً مع بني آدم ، حيث كانوا هم الغاية من الخليقة كما كانت الذات المقدّسة هي الغاية من خلقه الإنسان ! فكما و أنّ الأشياء برمّتها ـ علواً و سفلاً ـ سخّرها الله لهذا الإنسان و لتكون في قبضته فتجلّى فيها مقدرته الهائلة ، كذلك خلق الإنسان ليكون مظهراً تامّاً لكامل قدرته تعالى في الخلق و الإبداع .
ما من مخلوق ـ صغيرٍ أو كبير ـ إلاّ و هو مظهر لتجلّي جانب من سمات الصانع الحكيم « وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد ». أمّا الإنسان فكان المرآة الصقيلة التي تتجلّى فيها جميع صفات الجمال و الجلال .
فإذا سئلت : ما هي الغاية من خلق ما في السماوات و ما في الأرض جميعاً ؟ قُلتَ ـ حسب وصف القرآن ـ : هو الإنسان ذاته مستودع أمانات الله و ليكون خليفته في الأرض !
و إذا سئلت : ماهي الغاية من خلقة الإنسان ذاته ؟ قُلتَ : هُوَ اللهُ الصانعُ الحكيم : حيث الإنسان بقدرته على الخلق و الإبداع أصبح مظهراً تامّاً لكامل الأسماء و الصفات ، فكان وجه الله الأكمل و عين الله الأتمّ !
فكان الإنسان غاية الخليفة ، و كان الله الغاية من خلق الإنسان ، فالله هو غاية الغايات و بذلك ورد : « كنت كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن اُعرَف ، فخلقتُ الخلق لكي اُعرَف » . حيث الإفاضة ـ و هي تجلّي الذات المقدّسة ـ كانت بالخلق و الإبداع و مظهره الأتمّ هو الإنسان .
اللهم صل على محمد وآل محمد
ميزات سبع حظي بها الإنسان في أصل وجوده ، فكان المخلوق المفضّل الكريم . و إليك بعض التوضيح :
ميزات الإنسان الفطرية
امتاز الإنسان في ذات وجوده بميزات لم يحظ بها غيره من سائر الخلق :
فقد شرّفه الله بأن خلقه بيديه : ﴿ ... مَا مَنَعَكَ ... ﴾ ( خطاباً لإبليس ) ﴿ ... أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... ﴾ . و الله خالق كلّ شيء . فلا بدّ أن تكون هناك خصوصيّة في خلق هذا الإنسان تستحق هذا التنويه . هي خصوصيّة العناية الربّانيّة بهذا الكائن ، و إيداعُه نفخةً من روح الله دلالةً على هذه العناية !
قال العلاّمة الطباطبائي : نسبة خلقه إلى اليد تشريف بالاختصاص كما قال : ﴿ ... وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ... ﴾
. و تثنية اليد كناية عن الاهتمام البالغ بخلقه و صنعه ، ذلك أنّ الإنسان إذا اهتّم بصنع شيء استعمل يديه معاً عناية به .
و هكذا نفخة الروح الإلهيّة فيه كناية عن جانب اختصاص هذا الإنسان ـ في أصل فطرته ـ بالملأ الأعلى حتّى و لو كان متّخذاً ـ في جانب جسده ـ من عناصر تربطه بالأرض ، فهو في ذاته عنصر سماوي قبل أن يكون أرضيّاً .
و لقد خلق الإنسان من عناصر هذه الأرض ثُمَّ من النفخة العلويّة التي فرّقت بينه و بين سائر الأحياء . و منحته خصائصه الإنسانية الكبرى . و أوّلها القدرة على الارتقاء في سلّم المدارك العليا الخاصّة بعالم الإنسان .
هذه النفخة هي التي تصله بالملأ الأعلى ، و تجعله أهلاً للاتصال بالله ، و للتلقّي عنه و لتجاوز النطاق المادّي الذي تتعامل فيه العضلات و الحواسّ ، إلى النطاق التجريدي الذي تتعامل فيه القلوب و العقول . و التي تمنحه ذلك السرّ الخفيّ الذي يسرب به وراء الزمان و المكان ، و وراء طاقة العضلات و الحواسّ ، إلى ألوان من المدركات و ألوان من التصوّرات غيرالمحدودة في بعض الأحيان
و بذالك استحقّ إيداعه أمانة الله التي هي ودائع ربّانية لها صبغة ملكوتية رفيعة أودعت هذا الإنسان دون غيره من سائر المخلوق . و تتلخّص هذه الودائع في قدرات هائلة يملكها الإنسان في جبلّته الأولى و التي أهّلته للاستيلاء على طاقات كامنة في طبيعة الوجود و تسخيرها حيث يشاء .
إنّها القدرة على الإرادة و التصميم ، القدرة على التفكير و التدبير ، القدرة على الإبداع و التكوين . القدرة على الاكتشاف و التسخير . إنها الجرأة على حمل هذا العبء الخطير . قال سيّد قطب : إنّها الإرادة و الإدراك و المحاولة و حمل التعبة ، هي هي ميزة هذا الإنسان على كثير من خلق الله . و هي هي مناط التكريم الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى و هو يُسجِد الملائكة لآدم . و أعلنه في قرآنه الباقي و هو يقول : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ... ﴾
. فليعرف الإنسان مناط تكريمه عند الله ، و لينهض بالأمانة التي اختارها . و التي عرضت على السماوات و الأرض و الجبال ، فأبين أن يحملنها و أشفقن منها .
إنّها أمانة ضخمة حملها هذا المخلوق الصغير الحجم الكبير القُوى القويّ العزم . و من ثَمَّ كان ظلوماً لنفسه حيث لم ينهض بأداء هذه الأمانة كما حملها ، جهولاً لطاقاته هذه الهائلة المودعة في وجوده و هو بَعْدُ لا يعرفها .
و هكذا علّمه الأسماء : القدرة على معرفة الأشياء بذواتها و خاصّيّاتها و آثارها الطبيعية العاملة في تطوير الحياة ، و التي وقعت رهن إرادة الإنسان ليسخّرها في مآربه حيث يشاء ، و بذلك يتقدّم العالم بحشده و جموعه في سبيل عمارة الأرض و ازدهار معالمها ، حيث أراده الله من هذا الإنسان ﴿ ... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... ﴾ .
و بذلك أصبح هذا الإنسان ـ بهذه الميزات ـ خليفة الله في الأرض ، حيث يتصرّف فيها وفق إرادته و طاقاته المودعة فيه ، و يعمل في عمارة الأرض و تطوير الحياة .
و إسجاد الملائكة له في عرصة الوجود ، كناية عن إخضاع القوى النورانية برمّتها للإنسان ، تعمل وفق إرادته الخاصّة من غير ما تخلّف ، في مقابلة القوى الظلمانية ( إبليس و جنوده ) تعمل في معاكسة مصالحه إلاّ من عصمهُ الله من شرور الشياطين ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ﴾
كما و أنّ تسخير ما في السماوات وما في الأرض جميعاً ، كناية عن إخضاع القوي الطبيعية المودعة في أجواء السماوات و الأرض ـ لهذا الإنسان ، تعمل فور إرادته بلا فتور و لا قصور. و معنى تسخيرها له : أنّ الإنسان فُطر على إمكان تسخيرها .
فسبحانه من خالقٍ عظيم ، إذ خلق خلقاً بهذه العظمة و الاقتدار الفائق على كلّ مخلوق !
هذه دراستنا عن الإنسان على صفحات مشرفة من القرآن الكريم ، فيا ترى أين يوجد مثل هذه العظمة و التبجيل لمخلوقٍ هو في هندامه صغير و في طاقاته كبير ، كبرياءاً ملأ الآفاق!
أتزعم أنك جسمٌ صغيرٌ *** و فيك انطوى العالم الأكبر
فتبارك الله أحسن الخالقين بخلقه أحسن المخلوقين !
خلقتُ الأشياء لأجلك و خلقتك لأجلي !
حديث قدسيّ معروف خطاباً مع بني آدم ، حيث كانوا هم الغاية من الخليقة كما كانت الذات المقدّسة هي الغاية من خلقه الإنسان ! فكما و أنّ الأشياء برمّتها ـ علواً و سفلاً ـ سخّرها الله لهذا الإنسان و لتكون في قبضته فتجلّى فيها مقدرته الهائلة ، كذلك خلق الإنسان ليكون مظهراً تامّاً لكامل قدرته تعالى في الخلق و الإبداع .
ما من مخلوق ـ صغيرٍ أو كبير ـ إلاّ و هو مظهر لتجلّي جانب من سمات الصانع الحكيم « وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد ». أمّا الإنسان فكان المرآة الصقيلة التي تتجلّى فيها جميع صفات الجمال و الجلال .
فإذا سئلت : ما هي الغاية من خلق ما في السماوات و ما في الأرض جميعاً ؟ قُلتَ ـ حسب وصف القرآن ـ : هو الإنسان ذاته مستودع أمانات الله و ليكون خليفته في الأرض !
و إذا سئلت : ماهي الغاية من خلقة الإنسان ذاته ؟ قُلتَ : هُوَ اللهُ الصانعُ الحكيم : حيث الإنسان بقدرته على الخلق و الإبداع أصبح مظهراً تامّاً لكامل الأسماء و الصفات ، فكان وجه الله الأكمل و عين الله الأتمّ !
فكان الإنسان غاية الخليفة ، و كان الله الغاية من خلق الإنسان ، فالله هو غاية الغايات و بذلك ورد : « كنت كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن اُعرَف ، فخلقتُ الخلق لكي اُعرَف » . حيث الإفاضة ـ و هي تجلّي الذات المقدّسة ـ كانت بالخلق و الإبداع و مظهره الأتمّ هو الإنسان .