من خلال التحقيق في عشرات الآيات الواردة في القرآن المجيد في (الكسب) ومشتقاته، وجد العلماء أن هذه المفردة تستعمل الأعمال الروحية والقلبية؛ فالدعاء هو نوع من الكسب والاكتساب، وخاصة إذا كان الدعاء مقترناً بجميع وجود الإنسان، قال تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيهَا مَا اكتَسَبَتْ)، ونظر بعض المفسرين إلى أن الكسب للأعمال الصالحة، والاكتساب للأعمال السيئة، والكسب بالفطرة دون تكليف، والاكتساب ما يخالف الفطرة.
وجاء في كتاب (البيان في تفسير القرآن) للشيخ الطوسي: إن أصل الكسب هو العمل الذي يجتلب به نفع أو يدفع عن ضرر، والوقوف عند معنى قوله تعالى: (وَيلٌ لهُمْ ممَّا يَكسِبُونَ)، معناه الاحتراف، ولذلك قيل للجوارح من الطير: كواسب، والسعي والعمل: كسب... والكسب من الثواب والعقاب، والتأمل في الآية القرآنية: (إِنمَا استَزَلَّهُمُ الشيطَانُ بِبَعضِ مَا كَسَبُوا)، استزلهم بمحبتهم للغنيمة مع حرصهم، واستزلهم بذكر خطايا سلفت لهم.
وسمعت أمير المؤمنين (ع) يقول: هو من طيبات الكسب، وقد ورد في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي عن قول الله تعالى: (للرجَالِ نَصِيبٌ مما اكتَسَبُوا وَلِلنسَاء نَصِيبٌ مما اكتَسَبنَ)، إن الاكتساب انما يستعمل فيما استفادة الانسان لنفسه، والكسب أعم مما كان لنفسه أو لغيره.
بعض أئمة أهل اللغة يرون أن الكسب يعني الجمع، وفي كتاب (تفسير غريب القرآن)، ورد رأي آخر، فهو يرى أن الكسب في الآية (لَهَا مَا كَسَبَتْ) من الخير، (وَعَلَيهَا مَا اكتَسَبَتْ) من الشر، هناك ملاحظة جميلة، هي أن صفة الكسب لا تطلق أبداً كصفة من صفات الله، قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرثِهِ)، معنى الحرث في اللغة: الكسب، وفلان يحرث لعياله، أي يكتسب لعياله.
والوجود الدنيوي بما كسب من حسنة أو سيئة، وهو الذي يتمتع به في الآخرة من حيث سعادته وشقائه، أي ما يراه فوزاً وفلاحاً لنفسه، وما يراه خيبة وخسراناً، فيعطى سعادته بإعطاء لذائذه، أو يُحرم من نيلها، وهما نعيم الجنة وعذاب النار.