بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[1].
عَنْ مُعَاوِيَةَ اَلدُّهْنِيِّ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْكَ مَا تَفْسِيرُهُ قَالَ: وَمَا هُوَ قُلْتُ: إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اَللَّهِ فَقَالَ: (يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ اَللَّهَ خَلَقَ اَلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نُورِهِ وَصَنَعَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَاِتَّخَذَ مِيثَاقَهُمْ لَنَا فِي اَلْوَلاَيَةِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ يَوْمَ عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ فَالْمُؤْمِنُ أَخُو اَلْمُؤْمِنِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَبُوهُ اَلنُّورُ وَأُمُّهُ اَلرَّحْمَةُ إِنَّمَا يَنْظُرُ بِذَلِكَ اَلنُّورِ اَلَّذِي خُلِقَ مِنْهُ)[2].
وقيل: إنّ الحارث بن حَوْطٍ أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أتُراني للمجهول ـ أي: أتظنني- أظنّ أصحابَ الجمل كانوا على ضلالة؟
فقال (عليه السلام): (يَا حَارِثُ، إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَلَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ.
فقال الحارث: فإنّي أَعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر.
فقال (عليه السلام): إِنَّ سَعِيداً وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ، وَلَمْ يَخْذُلاَ الْبَاطِلَ)[3].
تناولت الآيات السابقة لهذه الآية أوامر حياتية تتضمن السعادة المادية والمعنوية للإنسان، لكن العمل بها غير ممكن إلا في ظلال التقوى، لذلك جاءت هذه الآية المباركة لتؤكد أهمية التقوى وآثارها في مصير الإنسان، وقد بينت الآية أربعة ثمار ونتائج للتقوى.
فقالت ابتداء: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا....
وكلمة " فرقان " صيغة مبالغة من مادة (فرق) وهي هنا بمعنى الشيء الذي يفصل بين الحق والباطل تماما.
إن هذه الجملة الموجزة والكبيرة في معناها قد بينت إحدى أهم المسائل المؤثرة في مصير الإنسان، وهي أن درب الإنسان نحو النصر محفوف دائما بالمصاعب والحفر فإذا لم يبصرها جيدا ويحسن معرفتها واتقاءها فسيسقط فيها لا محالة، فأهم مسألة في هذا الطريق هي معرفة الحق والباطل، معرفة الحسن والقبيح، معرفة الصديق والعدو، معرفة الفوائد والأضرار، معرفة عوامل السعادة والضياع، فإذا استطاع الإنسان معرفة هذه الحقائق جيدا فسيسهل عليه الوصول إلى الهدف.[4]
يتحمّل الإنسان المؤمن المسؤولية الكبرى في الوقوف إلى جانب الحق في مواجهة الباطل، وعند تشخيص الحقّ من الباطل لا يجوز لأيٍ كان التذرع بأيّ حجّة لعدم نصرة الحق.
فاللذّة عند المؤمن تكمن في إتباع الحق، والمرارة في اتباع الباطل.
ولذا يوصي الإمام علي (عليه السلام) أبا ذر بقوله: "يا أبا ذرّ: (لا يؤنِسَنَّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلا الباطل)[5].
ولأن الفاصلة قصيرة بين الحق والباطل، يرشدنا الإمام علي (عليه السلام) إلى المسافة بينهما محذراً من الوقوع في الالتباس نتيجة ذلك بقوله (عليه السلام): (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ وَوَضَعَهَا بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ ثُمَّ قَالَ اَلْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ وَاَلْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ)[6].
وفي جواب له عن سؤال: كم بين الحقّ والباطل؟
عَنْ مُيَسِّرِ بْنِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : سُئِلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كَمْ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَاَلْبَاطِلِ فَقَالَ: (أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَوَضَعَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ يَدَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَعَيْنَيْهِ فَقَالَ: مَا رَأَتْهُ عَيْنَاكَ فَهُوَ اَلْحَقُّ وَمَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ فَأَكْثَرُهُ بَاطِلٌ)[7].
وتطبيقاً لهذه المضمون الراقي والسامي ذكر السيد مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلرَّضِيُّ فِي نَهْجِ اَلْبَلاَغَةِ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: (أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةً فِي دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ فَلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ اَلرِّجَالِ أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي اَلرَّامِي وَتُخْطِئُ اَلسِّهَامُ وَيَحِيكُ اَلْكَلاَمُ وَبَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ)[8].
القمي في تفسيره لهذه الآية: يعني العلم الذي به تفرقون بين الحق والباطل.
ويكفر عنكم سيئاتكم: ويسترها.
ويغفر لكم: بالتجاوز والعفو عنها.
والله ذو الفضل العظيم.
------------------------------------------------------
1. سورة الأنفال، الآية: 29.
2. تحف العقول، ج1، ص286.
3. نهج البلاغة، الخطبة، 262.
4. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 5، ص 405.
5. نهج البلاغة، الخطبة:130.
6. بحار الأنوار،ج75،ص197.
7. بحار الأنوار، ج72، ص195.
8. وسائل الشیعة، ج16، ص379.
⭐اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[1].
عَنْ مُعَاوِيَةَ اَلدُّهْنِيِّ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْكَ مَا تَفْسِيرُهُ قَالَ: وَمَا هُوَ قُلْتُ: إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اَللَّهِ فَقَالَ: (يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ اَللَّهَ خَلَقَ اَلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نُورِهِ وَصَنَعَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَاِتَّخَذَ مِيثَاقَهُمْ لَنَا فِي اَلْوَلاَيَةِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ يَوْمَ عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ فَالْمُؤْمِنُ أَخُو اَلْمُؤْمِنِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَبُوهُ اَلنُّورُ وَأُمُّهُ اَلرَّحْمَةُ إِنَّمَا يَنْظُرُ بِذَلِكَ اَلنُّورِ اَلَّذِي خُلِقَ مِنْهُ)[2].
وقيل: إنّ الحارث بن حَوْطٍ أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أتُراني للمجهول ـ أي: أتظنني- أظنّ أصحابَ الجمل كانوا على ضلالة؟
فقال (عليه السلام): (يَا حَارِثُ، إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَلَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ.
فقال الحارث: فإنّي أَعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر.
فقال (عليه السلام): إِنَّ سَعِيداً وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ، وَلَمْ يَخْذُلاَ الْبَاطِلَ)[3].
تناولت الآيات السابقة لهذه الآية أوامر حياتية تتضمن السعادة المادية والمعنوية للإنسان، لكن العمل بها غير ممكن إلا في ظلال التقوى، لذلك جاءت هذه الآية المباركة لتؤكد أهمية التقوى وآثارها في مصير الإنسان، وقد بينت الآية أربعة ثمار ونتائج للتقوى.
فقالت ابتداء: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا....
وكلمة " فرقان " صيغة مبالغة من مادة (فرق) وهي هنا بمعنى الشيء الذي يفصل بين الحق والباطل تماما.
إن هذه الجملة الموجزة والكبيرة في معناها قد بينت إحدى أهم المسائل المؤثرة في مصير الإنسان، وهي أن درب الإنسان نحو النصر محفوف دائما بالمصاعب والحفر فإذا لم يبصرها جيدا ويحسن معرفتها واتقاءها فسيسقط فيها لا محالة، فأهم مسألة في هذا الطريق هي معرفة الحق والباطل، معرفة الحسن والقبيح، معرفة الصديق والعدو، معرفة الفوائد والأضرار، معرفة عوامل السعادة والضياع، فإذا استطاع الإنسان معرفة هذه الحقائق جيدا فسيسهل عليه الوصول إلى الهدف.[4]
يتحمّل الإنسان المؤمن المسؤولية الكبرى في الوقوف إلى جانب الحق في مواجهة الباطل، وعند تشخيص الحقّ من الباطل لا يجوز لأيٍ كان التذرع بأيّ حجّة لعدم نصرة الحق.
فاللذّة عند المؤمن تكمن في إتباع الحق، والمرارة في اتباع الباطل.
ولذا يوصي الإمام علي (عليه السلام) أبا ذر بقوله: "يا أبا ذرّ: (لا يؤنِسَنَّك إلاّ الحقّ، ولا يوحشنّك إلا الباطل)[5].
ولأن الفاصلة قصيرة بين الحق والباطل، يرشدنا الإمام علي (عليه السلام) إلى المسافة بينهما محذراً من الوقوع في الالتباس نتيجة ذلك بقوله (عليه السلام): (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ وَوَضَعَهَا بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ ثُمَّ قَالَ اَلْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ وَاَلْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ)[6].
وفي جواب له عن سؤال: كم بين الحقّ والباطل؟
عَنْ مُيَسِّرِ بْنِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : سُئِلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كَمْ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَاَلْبَاطِلِ فَقَالَ: (أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَوَضَعَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ يَدَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَعَيْنَيْهِ فَقَالَ: مَا رَأَتْهُ عَيْنَاكَ فَهُوَ اَلْحَقُّ وَمَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ فَأَكْثَرُهُ بَاطِلٌ)[7].
وتطبيقاً لهذه المضمون الراقي والسامي ذكر السيد مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلرَّضِيُّ فِي نَهْجِ اَلْبَلاَغَةِ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: (أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةً فِي دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ فَلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ اَلرِّجَالِ أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي اَلرَّامِي وَتُخْطِئُ اَلسِّهَامُ وَيَحِيكُ اَلْكَلاَمُ وَبَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ)[8].
القمي في تفسيره لهذه الآية: يعني العلم الذي به تفرقون بين الحق والباطل.
ويكفر عنكم سيئاتكم: ويسترها.
ويغفر لكم: بالتجاوز والعفو عنها.
والله ذو الفضل العظيم.
------------------------------------------------------
1. سورة الأنفال، الآية: 29.
2. تحف العقول، ج1، ص286.
3. نهج البلاغة، الخطبة، 262.
4. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 5، ص 405.
5. نهج البلاغة، الخطبة:130.
6. بحار الأنوار،ج75،ص197.
7. بحار الأنوار، ج72، ص195.
8. وسائل الشیعة، ج16، ص379.
⭐اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
تعليق