إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف يصبح الله حاضراً في حياتنا؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف يصبح الله حاضراً في حياتنا؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد



    حضور الله في حياتنا

    لقاء الله تعالى على نحوين، لقاءٌ في الدنيا ولقاءٌ في يوم القيامة عند البعث والحساب. وكلامنا الآن يتمحور حول لقاء الله في الدنيا قبل الآخرة. وليس المقصود بلقاء الحق تعالى اللقاء الحسّي ورؤيته تعالى بالبصر المادي، لأنّ الله تعالى ليس بجسمٍ، ولا يحدّه مكان، ولا يُرى بالعين، فإنه ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾

    بل المراد به اللقاء المعنوي، بمعنى حضوره تعالى الدائم في حياتنا، وعدم الغفلة عنه أبداً، والتوجّه إليه باستمرار، ومشاهدة آياته وآثار قدرته تعالى في كلّ شيءٍ. فلا نعبد غيره، ولا ندعو سواه، ولا نطلب حوائجنا إلّا منه. فالإنسان عندما يدرك أن الله تعالى خالقه، ومالك كل شيء، وبيده الأمر كله، وهو في السماء إله،ٌ وفي الأرض إله، وهو ربّ العالمين، فمن الطبيعي أن يتوجّه إليه بالعبوديّة له والتسليم.

    والوصول إلى هذه المنزلة الإنسانية الرّفيعة، من لقاء الحق والحضور في محضره إنِّما يصبح ميسوراً في حالةٍ واحدةٍ فقط، وهي عندما يصبح الله تعالى حاضراً دائماً في حياة الإنسان، فيرى الإنسان خالقه حاضراً وموجوداً في جميع شؤون حياته، ويشاهد نفسه دائماً في مشهد الله العظيم وفي ساحة حسابه يوم القيامة.

    وكيف لا يكون ذلك وهو تعالى معه أينما ولّى وجهه ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

    وهو أقرب إليه من حبل الوريد ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد﴾

    وهو شاهدٌ على كلّ حركةٍ يقوم بها وكلّ لفظةٍ ينطق بها ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودً﴾.

    فالإنسان إذا أراد أن يحصل على مقعد صدقٍ عند الله، ينبغي له في البداية أن يرى الله حاضراً وناظراً إليه في جميع شؤونه، ثم بعد ذلك يؤدّي على أساس هذا الشهود جميع الأعمال خالصةً لوجه الله. فممّا أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا ذر رضوان الله عليه أن قال له: "يا أبا ذرّ إنك منّا أهل البيت، وإني موصيك بوصيّة فاحفظها، فإنّها جامعة لطرقِ الخير وسبلِه، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان، يا أبا ذرّ اعبد الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، واعلم أن أول عبادة الله المعرِفة به"

    وهذه الحالة تحصل للإنسان في هذه الدنيا نتيجة الطّهر والتقوى والعبادة وتهذيب النفس. وقد سأل رجلٌ يقال له ذعلب أمير المؤمنين عليه السلام: "هل رأيت ربك؟ قال عليه السلام: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربّاً لم أره. فقال: يا أمير المؤمنين: كيف رأيته؟ قال عليه السلام: "ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائقِ الإيمان".

    أثر حضور الله في حياتنا

    إذا أدرك الإنسان أنّه في محضر الله تقدّست ذاته، وأنه مطّلعٌ على جميع حركاته وسكناته، فلن يقوم بالأعمال التي لا ترضي الله، ولن يعصيه أبداً، بل سوف يسعى دائماً لأن يجعل كلّ أعماله موافقةً لإرادته تعالى وخالصةً لوجهه سبحانه. فالله تعالى يرى ويشاهد أعمال الإنسان، وليس هو وحده وإنما رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومون عليهم السلامشاهدون على أفعالنا أيضاً ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

    وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "تُعرَض الأعمال على رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم أعمالُ العبادِ كلّ صباح أبرارها وفجّارها فاحذروها، وهو قول الله تعالى ﴿اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾، وسكت". وعندما سئل عليه السلام عن "المؤمنون" في الآية الكريمة قال عليه السلام: "هم الأئمة عليهم السلام".

    فإذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة وهي أن كل أعماله مشهودةٌ عند الله وملائكته الذين يكتبون كل شيء، وكذلك الأئمة المعصومين عليهم السلام، عندها سوف يسعى لاجتناب المعاصي وفعل الصّالحات. أما إذا لم يطّلع الإنسان على أصل أن "الله معه" دائماً، وظنّ أنه غائبٌ عنه، فإنه سوف يغرق بالغفلة، وسوف يتهاون في أداء الأعمال الواجبة عليه، ولن يهتمّ باجتناب المحرّمات. بخلاف ما إذا أدرك أنّ الله تعالى محيطٌ به ووجد نفسه دائماً في مشهده ومحضره، فإنه يسعى لأداء كل الأعمال طبق الإرادة الإلهية. وهذه الأعمال التي تؤدّى وفق إرادة الله هي أعمالٌ مقرّبةٌ إلى الله، كالصلاة مثلاً التي هي "قربان كل تقي" كما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام. وإذا وصل الإنسان إلى هذا الحدّ فاعتقد أن الله ناظرٌ إلى أعماله، راعى الخلوص أيضاً في كل أعماله. فهو من جهةٍ يؤدّي الأعمال بحسب أوامر الله، ومن ناحيةٍ ثانية يكون مخلصاً في القيام بأعمال البرّ والخير. وهذه منزلةٌ رفيعةٌ يصل إليها الإنسان وهي متيسّرة للجميع، فما أخسر الذين يبيعون أنفسهم للدنيا وهم مدعوّون للوصول إلى هذا المقام الرفيع.


    كيف يصبح الله حاضراً في حياتنا؟

    إذا كان كمال الإنسان وسعادته الحقيقيّة تكمن في التقرّب إلى الكمال المحض وصيرورته عند الله كما هو حال الشهداء، فإن تحقّق ذلك إنما يكون من خلال أمرين أساسيّين هما: المراقبة والمحاسبة. فالإنسان إذا أدرك أنه في محضر الله لا بد له من مراقبة أعماله والانتباه لتصرّفاته من جهة، ومن جهةٍ أخرى عليه أن يحاسب نفسه باستمرار. فالمراقبة الدائمة والحساب المستمرّ هما اللذان يوصلان الإنسان إلى المكان الذي لا ينظر فيه إلا إلى الله. ويبيّن القرآن الكريم هذين الأصلين في سورة الحشر المباركة بقوله﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾

    . فهذه الآية تدعونا إلى أصلين أخلاقيين، الأوّل المراقبة، والثاني المحاسبة. فكلّ إنسانٍ مكلّفٌ بمراقبة نفسه ومحاسبتها، فيراقبها في أفعالها وتصرّفاتها وأقوالها ويحاسبها، فإذا عمل خيراً شكر الله، وإذا عمل سوءاً استغفر الله وتاب إليه.

    1- المراقبة:

    معنى المراقبة مشتقّ من "الرقبة"، فالذي يرفع رقبته ليشاهد أكثر يكون مراقباً. وعلى الإنسان أن يراقب كلّ شيء في حياته من الكلام والفعل والنّظر وغيرها... لكي لا يقع فيما لا يرضي الله، وما يخالف أمره، فهو عزّ وجلّ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾

    ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾وهو مستعدّ وجاهز ليسجّل كلّ شيء ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾
    ، والإنسان الذي يراقب نفسه باستمرار سوف يحرص على أن لا يرتكب أية مخالفة، فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطبة له قال: "فرحم الله من راقب ربه، وخاف ذنبه، وجانب هواه، وعمل لآخرته، وأعرض عن زهرة الحياة الدنيا". ومما وصّى به إمامنا الصادق عليه السلام: "واقصد في مشيِك، وراقب الله في كل خطوة، كأنك على الصراط جائز، ولا تكن لفّاتا".

    2- المحاسبة:

    وأما المحاسبة فأن يحاسب الإنسان نفسه من خلال البحث والتدقيق في أعماله ليرى إن كان قد أدّى التكاليف الإلهية على أكمل وجه أم لا، فإذا اكتشف أنه ارتكب ما يخالف أمر ربّه استغفر وأناب إليه نادماً عازماً على أن لا يعود إلى معصيته مطلقاً، وسعى مباشرة لإصلاح الأمر وجبران ما فاته. وإذا اكتشف أنه أدّى ما عليه حمد الله وشكره على ما وفّقه إليه، وهو مدرك أنه لا مجال للمقارنة بين طاعاته ونعم الله السابغة عليه، لذا يجد نفسه مقصّراً دائماً في محضر الحق، ولا يفتأ عن إظهار العجز والضّعف أمام ساحته، فلا يبتعد عن العبودية له قيد أنملة، ولا يجد نفسه في محضره إلّا عبداً. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض خطبه قال: "أيها الناس لا يشغلنّكم دنياكم عن آخرتكم، فلا تؤثروا هواكم على طاعة ربكم، ولا تجعلوا أيمانكم ذريعة إلى معاصيكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ومهّدوا لها قبل أن تعذّبوا، وتزوّدوا للرحيل قبل أن تُزعَجوا، فإنّها موقِفُ عدل، واقتضاء حقّ، وسؤالٌ عن واجبٍ، وقد أبلغ في الإعذار من تقدّم بالإنذار"

    وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ووازنوها قبل أن توازنوا، حاسبوا أنفسكم بأعمالها، وطالبوها بأداء المفروض عليها والأخذ من فنائها لبقائها".​

  • #2
    احسنتم ويبارك الله بكم
    شكرا لكم كثيرا
    مأجورين
    ​​​​​​​​​​​​​​​​

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X