عوالم من الخوف والرهبة والترقب، وأغلب المنتشرين في منطقة القنطرة السلام هم من الأمن ورجال المخابرات والاستخبارات ومنظمات الحزب من جميع محافظات العراق... كان الوقت يشير الى ساعة او ساعتين قبل أذان الظهر يوم العاشر من محرم... وهكذا كان الحال أيام المنع الحكومي ايام كان المخبرون أكثر من الزوار... كان معي صديق طفولتي (عبد الله محمد الكاتب) الذي لم أرَه منذ سنوات، أحسست حينها بالصمت الذي يعتريه يختلف عن الصمت العادي، قلت:ـ كل شيء هنا يدل على التشدد، ولابد أن ركضة طويريج لن تفلح هذه السنة، وكان هذا القول طبيعيا بالنسبة لما هو موجود في ذلك العام... جيش كامل يحيط بالقنطرة البيضاء ومحاورها، كي يضع الجميع تحت فوهة القناصين... فأجاب باصرار وبشيء من الغضب: لا... سنركض وسنركض هذا العام باصرار اكبر من كل سنة... قلت: لاتستعجل، فالأمر خطير؟! أجابني: وماذا ننتظر، لقد خلص الصبر، ومادام الأمر وصل الى هذه الدرجة من الخطورة، فماذا سننتظر؟ وكم سنعيش؟ سترى كيف سنعمر اليوم الركضة بدمائنا... همس باذني:ـ انها الشهادة تلك التي كنا نرددها منذ نعومة اظفارنا... (ياليتنا كنا معكم) ستطلع اليوم واضحة فلنستقبلها بأرواحنا... قلت:ـ هم كثيرون يا عبد الله كثيرون كـ(الدود)... أجابني :ـ بعد صلاة الظهر سترى كيف ستينع البساتين بـ(الزلم) وسينبض الشارع بالشباب... قلت له: أنت مجنون!! فقال: يا ليت... يا ليتني احمل جنون عابس، لأنثر الروح في الواقعة درعا وسيفا... الشارع يغص بالملايين الزاحفة لنصرة سيد الشهداء عليه السلام، وأنا أسمع صديقي (عبد الله) ينادي: لبيك يا حسين انها الخاتمة... سألته: أ تظنها الخاتمة؟ قال:ـ نعم... قلت:ـ إذن تتوقعهم سيهجمون على الناس؟ وكأني أراك تتوقع ان ترى كيف سيتساقط العشرات بل المئات من الضحايا بعد قليل؟ قال:ـ لا ابداً اطمئن!! هم يخافون مواجهة هذه الملايين، ولذلك سيتصيدون أفراداً لتعويض خسارتهم النفسية والمعنوية... لكني اتوقع خاتمتي أنا، لكوني حلمت أمس برؤيا أيقظتني وجعلتني أسهر ليلي بانتظار الصبح، كان الحلم عبارة عن زيارة مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام، وإذا بالضريح المبارك ينفتح لي عن ذراعين مقطوعتين تمتدان لعناقي:ـ تعالَ يا عبد الله مولاك الحسين يريد أن يراك.. قلت: لبيك يا مولاي... هي البشارة... سارت الحشود باتجاه الصحن الحسيني، ورجال الأمن يجوبون الشوارع بواسطة سيارات الإسعاف والحريق والنجدات، وفعلا ألقوا القبض على المئات منهم... وصديقي ينادي بقوة: (لبيك يا حسين) وحين وصلنا صحن أبي الفضل العباس عليه السلام صرت انظر لوجهه فأراه منيرا متوهّجا بالنور والإيمان، يتقدم بخطى الميادين الى داخل حضرة العباس عليه السلام، إنها زيارة مودّع... دخل الحرم وهو يصيح باكيا: سيدي يا أبا الفضل سلاما... لبيك يا حسين... يختفي بين الزحام وانا أبحث عنه وعند ضريح الكفيل رأيته وقد هوى الى الأرض، حاولت أن أبعده عن الزحام كي لا تسحقه الناس.. سمعته وهو يتمتم: لبيك يا حسين البشارة سيدي، حسن الختام مولاي، وأخيرا سمعته يردد:ـ اشهد أن لا إله إلا الله... فاقرأوا معي سورة الفاتحة على روح من حضرته البشارة، وهو بين ذراعي أبي الفضل العباس عليه السلام...
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
البشارة علي حسين الخباز
تقليص
X
-
البشارة علي حسين الخباز
عوالم من الخوف والرهبة والترقب، وأغلب المنتشرين في منطقة القنطرة السلام هم من الأمن ورجال المخابرات والاستخبارات ومنظمات الحزب من جميع محافظات العراق... كان الوقت يشير الى ساعة او ساعتين قبل أذان الظهر يوم العاشر من محرم... وهكذا كان الحال أيام المنع الحكومي ايام كان المخبرون أكثر من الزوار... كان معي صديق طفولتي (عبد الله محمد الكاتب) الذي لم أرَه منذ سنوات، أحسست حينها بالصمت الذي يعتريه يختلف عن الصمت العادي، قلت:ـ كل شيء هنا يدل على التشدد، ولابد أن ركضة طويريج لن تفلح هذه السنة، وكان هذا القول طبيعيا بالنسبة لما هو موجود في ذلك العام... جيش كامل يحيط بالقنطرة البيضاء ومحاورها، كي يضع الجميع تحت فوهة القناصين... فأجاب باصرار وبشيء من الغضب: لا... سنركض وسنركض هذا العام باصرار اكبر من كل سنة... قلت: لاتستعجل، فالأمر خطير؟! أجابني: وماذا ننتظر، لقد خلص الصبر، ومادام الأمر وصل الى هذه الدرجة من الخطورة، فماذا سننتظر؟ وكم سنعيش؟ سترى كيف سنعمر اليوم الركضة بدمائنا... همس باذني:ـ انها الشهادة تلك التي كنا نرددها منذ نعومة اظفارنا... (ياليتنا كنا معكم) ستطلع اليوم واضحة فلنستقبلها بأرواحنا... قلت:ـ هم كثيرون يا عبد الله كثيرون كـ(الدود)... أجابني :ـ بعد صلاة الظهر سترى كيف ستينع البساتين بـ(الزلم) وسينبض الشارع بالشباب... قلت له: أنت مجنون!! فقال: يا ليت... يا ليتني احمل جنون عابس، لأنثر الروح في الواقعة درعا وسيفا... الشارع يغص بالملايين الزاحفة لنصرة سيد الشهداء عليه السلام، وأنا أسمع صديقي (عبد الله) ينادي: لبيك يا حسين انها الخاتمة... سألته: أ تظنها الخاتمة؟ قال:ـ نعم... قلت:ـ إذن تتوقعهم سيهجمون على الناس؟ وكأني أراك تتوقع ان ترى كيف سيتساقط العشرات بل المئات من الضحايا بعد قليل؟ قال:ـ لا ابداً اطمئن!! هم يخافون مواجهة هذه الملايين، ولذلك سيتصيدون أفراداً لتعويض خسارتهم النفسية والمعنوية... لكني اتوقع خاتمتي أنا، لكوني حلمت أمس برؤيا أيقظتني وجعلتني أسهر ليلي بانتظار الصبح، كان الحلم عبارة عن زيارة مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام، وإذا بالضريح المبارك ينفتح لي عن ذراعين مقطوعتين تمتدان لعناقي:ـ تعالَ يا عبد الله مولاك الحسين يريد أن يراك.. قلت: لبيك يا مولاي... هي البشارة... سارت الحشود باتجاه الصحن الحسيني، ورجال الأمن يجوبون الشوارع بواسطة سيارات الإسعاف والحريق والنجدات، وفعلا ألقوا القبض على المئات منهم... وصديقي ينادي بقوة: (لبيك يا حسين) وحين وصلنا صحن أبي الفضل العباس عليه السلام صرت انظر لوجهه فأراه منيرا متوهّجا بالنور والإيمان، يتقدم بخطى الميادين الى داخل حضرة العباس عليه السلام، إنها زيارة مودّع... دخل الحرم وهو يصيح باكيا: سيدي يا أبا الفضل سلاما... لبيك يا حسين... يختفي بين الزحام وانا أبحث عنه وعند ضريح الكفيل رأيته وقد هوى الى الأرض، حاولت أن أبعده عن الزحام كي لا تسحقه الناس.. سمعته وهو يتمتم: لبيك يا حسين البشارة سيدي، حسن الختام مولاي، وأخيرا سمعته يردد:ـ اشهد أن لا إله إلا الله... فاقرأوا معي سورة الفاتحة على روح من حضرته البشارة، وهو بين ذراعي أبي الفضل العباس عليه السلام... الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس