اطلق ذاكرتي - بل هي روحي - مثل حلم لتعود الى جمال وطيبة القلوب والأمكنة في أزمنة كانت ولازالت تعيش في خلاياي او انا اعيش في اعماق طيبتها ونعيمها وكأنها روضة من رياض الجنة .. أطلق روحي لتصل الى المكان الأول الذي تعلمت فيه الحرف مدرستي (مدرسة الأحرار الإبتدائية ) الكائنة في منطقة باب بغداد ( باب العلوة) في الساحة الرئيسية المؤدية الى الحسينية و بغداد 1961م وكان مديرها المرحوم محمد عصفور ومن معلميها المرحوم (الشيخ عبد علي الهر) معلم درس الدين والمرحوم (عزي الشروفي )معلم درس الحساب حيث كان كادر المدرسة لهم هيبة نجلّها ونحترمها ولها وزن وتأثير في المدرسة وفي الشارع وقد الغيت المدرسة في عصر النظام السابق وتحولت سجلاتها الى مدرسة العزة باب طوريج .
ومن زملائي التلامذة الذين كانوا معي قاسم عوز وفلاح المعمار وفاضل اللاري ورزاق سلمان الخفاجي والسيد مصطفى الطويل والمرحوم طالب ماميثة وعبد الحسين السلامي وغيرهم ..
انتقلت في الصف الرابع الابتدائي الى مدرسة العروبة الكائنة مقابل معمل التعليب وبعدها في مدرسة عين التمر ثم أكملت السادس الابتدائي في مدرسة العباس ثم متوسطة الوحدة وكان مديرها0(نوري اصلان) ثم نقلونا الى متوسطة الكرامة في باب الخان قرب جامع الامام الصادق عليه السلام .
مثل فراشة أتنقل من مكان الى مكان وكل الأمكنة كانت عبقة بالإمام الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام الذي كنت أصبّح يوميا على مآذنه الشامخة التي تطل وتسطع على بيتنا فتغمرني بالبهاء والخشوع .
مقابل مضيف العباس عليه السلام كان زقاقنا الطيب ... وفي الحائر كانت شقة السيد مرتضى القزويني حفظه الله ومحل المرحوم (ملة حمود الحميري النجار) والذي كان يقود محافل القرآن الكريم في العديد من المساجد والبيوت .
أدخل زقاقنا فأشم رائحة الطبخ النفاذة كأنها البخور فيجرني عبق الطيبة حيث مساكن الجيران الموغلين بالمحبة منها دار المرحوم المحامي (عدنان غريب ) ودار جواد ابو شمطو وأخوته ودار خليل أبو شمطو وبيت السماك وفي القرب أيضا المدرسة الحسنية لطلبة العلوم الدينية لمؤسسها آية الله (الشيخ محمد علي سيبويه ) قدس سره الشريف وكنا نرتادها قبل الغروب من كل يوم جمعة لنحلّق في رحاب الله بقراءة دعاء (السمات) .
في محلة باب بغداد التي ولدت فيها عام 1956م لقد تنقلنا الى اكثر من دار وكان اخر بيت هي شقة مطلة على الشارع الرئيسي لمركز محلة باب بغداد وكانت تحتنا كافيتريا للمأكولات السريعة عائدة للمسرحي المرحوم (السيد مرتضى ضياء الدين ) والد (السيد مصطفى ضياء الدين)
وبقربه كانت محلات المرحوم رضا كلش للاجهزة المنزلية وفي رأس الزقاق كانت مقهى صاحب أبو شمطو رحمه الله ويقابله في الجهة الأخرى زقاق فيه دار المرحوم جواد أبو الحب ومحلات حميد رشيد زميزم للأجهزة المنزلية وفي الجانب الآخرقرب ( عكد البرجة) الذي سكنه الكثير منهم السادة آل الشالجي والسيد محمد الطباطبائي وباسم الحمداني وغيرهم في بداية الزقاق كان محل عطارية المرحوم رشيد القرعاوي وولده الخطاط ياسين القرعاوي وفي نفس الشارع العام محلات محفوظ كلش للكهربائيات ودار السيد يوسف آل ماجد وأخوته الأصدقاء السيد مرتضى والسيد ماجد كذلك دار المرحوم محمد العصفور وأولاده رضا وكامل ومحل الخطاط سالم وفندق عوز وفي بداية شارع صاحب الزمان كان استوديو الشباب الذي كنا نصور عنده في السبعينات وكنت التقي بالاديب محمد زمان بشكل متقطع قرب بيتهم القديم .في حائر العباس عليه السلام خلف فندق عَوَز كان هناك مسجد ملاصق للصحن وفيه مكتبة دينية صغيرة كنت مسؤولا عليها وفي المسجد كنا نقيم محافل التجويد بأدارة السيد كمال الحيدري والحاج ملة حمود والحاج مصطفى الصراف ..وقد كنا نرتاد محفل للسيد سيف في غرفة كائنة في الحسينية الطهرانية وكانت له طريقة خاصة ودقيقة في التلاوة والتركيز الشديد والمبالغ به احيانا في اظهار والضغط على مخارج الحروف وفي تلك الفترة بداية السبعينات كم كنت احتفل عند دخولي لمكتبة أبي الفضل العباس ومكتبة القرآن الحكيم الكائنة في فرع المخيم الحسيني وهي كانت أحدى الأنشطة الكبيرة لآية الله السيد محمد الشيرازي ( قدس سره ) في كربلاء المقدسة وكنت أرتادها مع صديقي المرحوم (السيد عباس الرضوي) والصديق (السيد قاسم السندي) وأيضا مع الأصدقاء الذين أعدمهم النظام السابق السادة الموسوية (ابو لحية) (نزار ومحمد علي وهاشم وماجد ) رحمهم الله أقرباء الشاعر (السيد عدنان الموسوي (أبو احسان) الذي كان لي معه في السبعينات أيضا لقاءات وقراءات شعرية وإبداء ملاحظات حولها من قبله .
وبعد إنهائي من مرحلة المتوسطة في ثانوية الإمام الصادق عليه السلام الكائنة في نفس بناية الاعدادية المركزية ومديرها المرحوم ( رضا الطيف )دخلت معهد الفنون الجميلة في بغداد .
لا يمكنني أن أنسى جلوسي في (عكد الاخباري) عند محل الصائغ السيد محمد علي نصر الله وأخوته السيد كاظم والسيد عادل وكان بقربهم محل والدهم السيد وهاب نصرالله لبيع ( الفينة) بأنواعها .. كنا نتبادل الأحاديث وخاصة في شهر رمضان المبارك ونذهب سوية الى أداء مراسيم الزيارة في كل ليلة ..
ولا يمكن أن أنسى وأنا أمشي مع المرحوم الشاعر (محمد علي الخفاجي) في شارع علي الأكبر عليه السلام المزدحم بالزائرين وهو يعطي ملاحظات قيمة حول قصيدة جديدة كتبتها والتي أعجب بها آنذاك ..
ولا يمكن أن أنسى وأنا أعدو في شارع الإمام علي عليه السلام ثم أقف أمام مكتبة الكلكاوي
منتظراً صدور بعض المجلات التي كنت أحبها وأداوم على قراءتها ..
ولا يمكن لي أن أنسى حين كنت أجلب - مجازفاً- من شارع المتنبي مجموعة من الكتب
الدينية الممنوعة للسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد الشيرازي والسيد حسن الشيرازي (قدس سرهم الشريف) وللسيد محمد تقي المدرسي والسيد هادي المدرسي وغيرهم وتقسيمها في أكياس لتوزيعها وبمبلغ رمزي محدود على بعض الأصدقاء المهتمين .
ولا يمكن أن أنسى ممارستي للشعر والمسرح والرسم في دور الثقافة الجماهيرية الكائنة قرب منطقة المركزية وكان مديرها الأول المرحوم هادي الحكيم ومن موظفيها (الشاعر رضا الخفاجي) (وميسون حسون فريد) حيث قدمنا عدة أعمال مسرحية وأماس شعرية ومعارض فنية بإدارة الفنان هاشم الطويل .
ولا يمكن أن أنسى أول صعودي على المسرح على قاعة الإدارة المحلية في مسرحية (الابهام الخامس ) عام 1974تأليف المرحوم الشاعر شاكر البدري وإخراج السيد عيسى الحسني وكم كانت تسحرني رائحة خشب الصالة عند الدخول وبعدها اشتركت بأعمال أخرى (لعادل ثابت وسمير عبد الجبا وعباس صخني وحسن الفؤادي المخرج من الديوانية.. ومن الأصدقاء الذين أذكرهم حيث عملنا معا (صاحب شاكر و فلاح الكيشوان وعبد الباسط الحفار وعباس شهاب ومحمد الموسوي وهاشم حسون فريد وحازم كمال الدين وعلي الحمداني وحسن الطويل وحسن النصراوي وعدنان الموسوي وجمال الطائي وعلي الكعبي وغيرهم ..).