لحواضر التاريخ روئ تتألق في كل حين رونقاً مزداناً بالبهاء المستمد من عظم رمزها، وهي تحنى له هامة الأيام لغة تترجم للأجيال دهوراً مرت على شواهدها، فتلملم من أريج الأرض نفائس تُهدى لمقام صاحب العز والكرامة، وإمام الهدى أبي عبد الله الحسين (ع)، لتورق متحفاً يشتمل على كل ما جادت به عيون الموالين من هدايا إلى صاحب المرقد الطاهر، ليفتتح ضمن فعاليات مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي السابع، وفي ظلال القداسة التي ننعم بجوارها، واحتفالاً بذكرى ولادة الأقمار الشعبانية متحف الإمام الحسين (ع) في العتبة الحسينية المقدسة، والذي يحتوي على النفائس والقطع الأثرية العائدة للعتبة المقدسة، وذلك في الرابع من أيام المهرجان المصادف السادس من شهر شعبان المبارك.
جرى على قاعة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) حفلٌ خاص ابتهاجاً بافتتاح مشروع المتحف، استهل الحفل بقراءة آيات من الذكر الحكيم، تلاها الحاج أسامة الكربلائي، ثم القى سماحة الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه) كلمة بمناسبة الافتتاح، ذكر فيها بعض الأمور المهمة منها:
إن جميع دول العالم تهتم بتراثها واثارها؛ لأنها تعكس حضارتها وعزها وثقافاتها، فلذا كان عليها أن تعتز بهذا التراث، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لكي يستفيد الجيل الجديد من هذا التراث الذي ورثوه عن أسلافهم لكي يقتدوا بمنجزاتهم وحضارتهم وتقدمهم في كل المجالات؛ فالاهتمام بالمتاحف ضرورة لكل بلد؛ لأن به انعكاس حضارات الشعوب على العالم. أما فيما يخص متحف الإمام الحسين (ع) فنقول: إن للإمام الحسين (ع) متحفين، أدناهما رتبة هو هذا المتحف الذي سيتم افتتاحه، أما أعلاهما رتبة وأكبرهما منزلة، فهو ضريح الإمام الحسين (ع) الذي يعرج بزائريه ومحبيه والطائفين حوله الى سموات من القرب الإلهي؛ لأن هذا القبر هو مهبط الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين (عليهم سلام الله جميعا)؛ فعلينا أن نلتفت جميعاً الى هذا الأمر، فهو مقصد ومثوى أفئدة وقلوب العشاق لمبادئ الخير والكرامة والعدل الانساني، فمنه نستلهم الدروس والعبر، ونستقي من ينابيعه أسمى المبادئ والقيم.. إن زيارة هذا المتحف (الضريح) مهمة ليس فقط للشيعة، وليس فقط للمسلمين، وإنما الحسين (ع) هو ملهم كل البشرية، ومؤسس دستور الحرية والإنسانية والقيم والمبادىء النبيلة...
وبعد أن أنهى سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي كلمته، تم عرض فيلم عن المتحف، استعرض جوانب من المتحف ومحتوياته، بعدها جاءت كلمة المهندس علاء ضياء الدين، ليبين كيفية نشوء فكرة المتحف، ومراحل العمل التي مر بها الى أن وصل الى ما وصل اليه الآن من مرحلة ايجاد القاعة الى جرد الموجودات، من نفائس العتبة الى مرحلة تهيئة القاعة، وادخال الموجودات الى قاعدة بيانات خاصة بها قائلاً: بسرور بالغ أرى هذه الوجوه النيرة اليوم في رحاب المولى أبي عبد الله الحسين (ع)، وبعد أن اطلعتم على الفلم الوثائقي، أرى أن هناك أموراً لم تُذكر في الفلم، وهي من قبيل الكرامات التي حدثت معي في مرحلة العمل بهذا المتحف، ومنها أحد الأعمدة التي يرتكز عليها سقف المتحف، وهذا العمود هو مشروع فلسفي؛ لأنه يرتكز على زجاجة مكتوب عليها (ياحسين)، وهي أول (باترينة) تحمل القرآن الكريم.
من الكرامات التي حصلت لنا ونحن نعمل على تأهيل هذا المتحف، كان معي أحد الضيوف، وسمعنا صوتاً يتلو الآية (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)، ولم يكن أحد منا يتلوها, وهذه الآية هي ترجمة لموضوع العمود الذي يرتكز على الزجاجة. لم يقف أمام عملنا في المتحف أي شيء، فكل ما كنا نتمناه كان يتحقق ببركة أبي عبدالله الحسين (ع)، وقد استغرق العمل بهذا المتحف ما يقارب السنتين، وبدعم من سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه). لقد قمنا بعرض العديد من النفائس، ومنها صندوق السيدة فاطمة الزهراء (ع)، وقد كنت أحلم بعرض هذا الصندوق في متحف الإمام الحسين (ع) وهو نسخة واحدة موجودة في المسجد النبوي في المدينة المنورة، وانتقل الى تركيا، وعرض في أحد متاحفها، وقد تمكنا من الحصول على نسخة مطابقة للأصل، وقد تم عمله عن طريق كوادر العتبة الحسينية المقدسة، وهذه النسخة في متحف الامام الحسين (ع)، وهو يحتوي على أكثر من 7700 ثقب تخريم على خشب الصاج، وأنا أعتبر ذلك توفيقاً إلهياً.
كذلك كنت أحلم بالحصول على قطعة من كسوة الكعبة، وقد ناشدت الإمام الحسين (ع) أن أحصل على قطعة من هذه الكسوة، وقد اتصل بي سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه) ليخبرني انه تم اهداء قطعة من الكسوة للعتبة الحسينية المقدسة، وغير ذلك الكثير..
وقال السيد علاء ضياء الدين: إن هناك شخصية عظيمة مدعوة لهذا الافتتاح، مشيراً بذلك الى الإمام الحجة (عج). بعد ذلك توجه الحاضرون الى متحف الإمام الحسين (ع).
بعد ذلك ألقى الحاج علي الصفار قصيدة يذكر فيها تأسيس هذا المتحف، ويمدح فيها الإمام الحسين (ع)، وكذلك يؤرخ ليوم افتتاح المتحف المبارك، وقد جرى على غير عادة الشعراء بذكر التاريخ الهجري فقط، أو الميلادي فقط، بل أرّخ بالهجري والميلادي معاً، تلتها قراءة لفرقة إنشاد العتبة الحسينية المقدسة، لتبدأ مراسيم الافتتاح المبارك.
وكان لصدى الروضتين وقفة هنا ووقفة هناك للتعرف على انطباعات الحاضرين.. والتقت بالسيد أفضل الشامي نائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة ليحدثنا عن المتحف قائلاً:
غاية هذا المتحف هو عرض ما يمكن عرضه من مقتنيات العتبة الحسينية المقدسة، وليس عرض كل ما موجود في خزانات العتبة المقدسة، والذي سيتم عرضه هو ما موجود في مخازن العتبة، وكان غير مؤهل للعرض، وقد تم تأهيله من قبل كوادر مختصة. وهناك خزانة حصينة تحتوي على الكثير من النفائس العائدة للعتبة، وهي عبارة عن سيوف ثمينة، وقطع ذهبية، ومصاحف نادرة أهديت للعتبة الحسينية المقدسة خلال فترة طويلة من الزمن.
أما الباحث سعيد رشيد زميزم مسؤول التوثيق في متحف الإمام الحسين عليه السلام:
في 9/5/ 2009 صدر أمر من سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بتأسيس متحف للإمام الحسين (ع) ، وعليه تم تشكيل كادر من منتسبي العتبة الحسينية المقدسة، وتم تعيين المهندس علاء ضياء الدين مسؤولاً للإعداد، وتأسيس متحف للإمام الحسين (ع). وقام الكادر بالذهاب الى مخازن العتبة الحسينية المقدسة للاطلاع على التحف والنفائس التي كانت موجودة في داخل العتبة والمخازن التابعة لها، وتم إجراء الإدامة على هذه المواد، بعد أن تم جلبها الى القاعة التي كانت عبارة عن قاعة فارغة تم ترميمها وتأهيلها لهذه الغاية. وقد قامت لجنة من المتحف العراقي بإشراف الدكتورة (أميرة الذهب) مديرة المتحف العراقي بفتح دورة خاصة لصيانة هذه المواد الثمينة، وكنت أنا من ضمن المشاركين في هذه الدورة.
وبعد إكمال الدورة، قمنا بإعادة تنظيم وادامة هذه المقتنيات والمحتويات والنفائس، وبصفتي مسؤولاً عن التوثيق، قمنا بجرد هذه النفائس وتوثيقها وتعريفها، وكتابة كل التفاصيل المتعلقة بها، بما في ذلك اسم الذي أهداها وتاريخها وقيمتها.. علماً أن كادر المتحف هم من منتسبي العتبة المتخصصين بالفيزياء والكيمياء، وقد أدخلوا دورة تدريبية لصيانة وإدامة الآثار والنفائس، وسيتم ادخالهم في دورات لاحقة – إن شاء الله - واليوم سيكون يوماً سعيداً؛ لأنه يوم افتتاح متحف الإمام الحسين (ع).
وحدثتنا الدكتورة أميرة مديرة المتحف العراقي عن هذه التجربة قائلة:
كان اهتمامنا كمتخصصين بالآثار بالثروة المخزنية من نفائس لدى العتبة الحسينية المقدسة، وعندما جئنا لأول وهلة، كانت هناك كميات كبيرة جداً، وبسبب سوء الخزن والظروف التي مرت بها هذه النفائس في السنين الماضية، أدت الى وصول التأكسدات والماء الى هذه الموجودات، وغير ذلك من الأمور التي تضر بهذه القطع الأثرية، ولذلك تم فورا ارسال كادر من مختبر الصيانة والمعالجة في المتحف العراقي، للقيام بعملية تنظيف ومعالجة هذه القطع، وتدريب كادر العتبة الحسينية على هذا العمل.. وقد قطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال، وتم تأهيل كميات كبيرة من هذا المخزون من المعادن والأخشاب والأسلحة وغيرها من النفائس، وهي ما ترونها الان معروضة في متحف الامام الحسين (ع)؛ هناك كميات كبيرة أخرى بحاجة الى مزيد من العناية والتأهيل للعرض، والحمد لله فقد وصلنا الى نتائج رائعة، علماً تم العمل بجهود عراقية خالصة، وبإشراف المتحف العراقي فقط؛ لأن كادر المتحف العراقي قد تدرب على مهارات متطورة جداً، وتدرب على مختلف المعالجات المختبرية، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لهذا المكان المقدس، وإن شاء الله القادم أفضل.
أما الحاج كنعان جليل ابراهيم - المدير التدريبي في مجلس النواب - فقد حدثنا عن انطباعاته قائلاً:
حقيقة جهد خلاق يؤشر لاهتمام العتبة الحسينية المطهرة، وتوجه جديد على الساحة الثقافية الإسلامية، ولكن يبقى هذا الجهد يفتقر الى الدعم على النطاق الرسمي؛ لأنه - وحسب ما عرفنا - هناك خزائن اخرى تحتاج محتوياتها الى الصيانة والمعالجة؛ لأنني واكبت مراحل إقامة هذا المتحف، فليست هذه زيارتي الأولى، وهذا الجهد قد يتسم بالفردية في بداياته، وتم الاستعانة بعد ذلك بجهات محلية؛ والمعروف في كل متاحف العالم، أنه عندما يُراد تأسيس مثل هذه المشاريع، يتم جمع الخبرات العالمية، إضافة الى الخبرة المحلية، ونحن نأمل من كوادر العتبة الحسينية جهوداً أكبر لغرض النهوض بمستواه الى مستويات أعلى، ولكي يضاهي هذا المتحف متاحف العالم.
وقد أبدى الأستاذ عبد الله حامد محسن - مدير عام دائرة المخطوطات العراقية - فرحه بهذا المتحف قائلاً:
لقد شعرنا بالسعادة الغامرة والفرح الكبير، عندما رأينا افتتاح متحف الإمام الحسين عليه السلام؛ لأن مدينة كربلاء قد عودتنا على مثل هذا النشاطات الثقافية، وعندما تزامن افتتاح المتحف مع فعاليات مهرجان ربيع الشهادة العالمي، والذي يأتي في كل عام بشيء جديد، فهذا المتحف هو الطفرة النوعية التي أتى بها المهرجان، والتي ميزته عن باقي السنوات، وان كان العمل بهذا المتحف استمر لفترة طويلة. وأعتقد أن مدينة كربلاء تستحق مثل هذه الانجازات؛ لأنها مدينة الحسين (ع)، وان كان قليلاً بحق الامام الحسين (ع)، ولكن مثل هذه الأعمال تعتبر مهمة لنشر الثقافة والفكر بين صفوف الناس، وإيصال قضية الإمام الحسين (ع). لم يكن هذا المتحف إلا بجهود كبيرة بذلها كادر المتحف، لإخراج هذا المتحف على هذه الشاكلة؛ وأتمنى أن من كل المراقد المقدسة في العراق أن تحذو حذو العتبة الحسينية المقدسة، وتعرض ما عندها من نفائس.. وأشدّ على أيدي العاملين في هذا المتحف، وأشكرهم لإظهار المتحف بهذه الحلة الجميلة والرائعة، وأتمنى لهم التوفيق والاستمرار.
الدكتور علي - جامعة بغداد – كلية العلوم – قسم الفلك:
أعتقد أن متحف الإمام الحسين (ع) هو بداية جريئة وبالاتجاه الصحيح، وتستحق الاحترام. ونحن نشد على أيدي من بذل هذه الجهود المخلصة، ومن هذا الجهد نتوقع أن هذا المتحف سيتقدم للأمام - إن شاء الله - فالامام الحسين هو حمامة السلام، ورسول السلام، وهو الداعي لكل ما في الإسلام من تسامح ومحبة ومودة وسلام، وهو الداعي الى خلق الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) من حلم وكظم للغيظ وحب للخير.. وفي ظني سيكون المتحف لائقاً بالرسالة التي خرج لأجلها الحسين (ع). وأتمنى أن يكون ما يُعرض هو مما يتوافق مع القضية الحسينية، ومع رسالة السلام التي دعا لها الحسين (ع).