نشأ الإنسانُ بفطرته مُحبّاً للسعادة والهناء والنعيم وجني المال وحيازة المنصب(الجاه) وكثرة الأولاد، وسائر الملذات التي طالما حرص على الوصول اليها.. قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)، فإن كانت السعادة لا تنحصر في تحقيق اللذائذ المادية الدنيوية فقط! إذن ما هي السعادة الحقيقية؟
السعادة هي شجرة منبتها النفس البشرية، والقلب الإنساني، وماؤها وغذاؤها في الإيمان بوجود الله تعالى، والالتزام بأوامره، والإيمان بالمبعث بعد الموت، وبمعنى آخر لا تكون إلا بفهم الإنسان لفلسفة وجوده من خلال كتاب لا يضل ولا يزل وهو القرآن الكريم الذي أرشده الى كل شيء موجود على وجه الكرة الأرضية، وهو القانون الذي نظم الحياة البشرية؛ فمن خلاله نهتدي للحكمة من خلق الإنسان، وبه تتحقق السعادة المرجوة...
كما وحلّ القرآن الكريم لغز السعادة حلاً لا معقب بعده، فبالمال والبنين والصحة والمركز المرموق كما ذكر في كتاب الله تعالى: (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)، وغير ذلك من أسباب السعادة الدنيوية لا تكون كافية لخلق الطمأنينة والراحة النفسية إلا ومعها الإيمان الذي أشرنا إليه، وخلاف ذلك تتحول أسباب السعادة هذه إلى أسباب للتوتر والقلق واللهاث وراء ملذات زائلة، قال أميرُ المؤمنين (ع): (وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا، مَا لِعَلِيٍّ ولِنَعِيمٍ يَفْنَى ولَذَّةٍ لا تَبْقَى).
طبيعة الإنسان محب لهذه الملذات واللعب واللهو وغيرها.. واعتقاده أن السعادة تكمن في هذه الأمور وانها هي الغاية، جعله ينخدع بالدنيا الزائلة؛ ولكن نرى - وعلى سبيل المثال - أن اجتناب المحرمات يؤدي إلى معرفة المعنى الحقيقي للسعادة التي من أجلها خلق الإنسان وذكرها القرآن الكريم ودعى إليها خير الأنام (صلى الله عليه اله) في اتباع ما أمر الله تعالى به؛ لأنه سبحانه قد جعل الذل لمن عصاه، وكتب العزة والسعادة في الدارين لمن أطاعه..
وهناك أنواع من السعادة، منها:
1- السعادة المؤقتة: فهي التي تزول بزوال الدنيا ولا حظّ لها في الآخرة، فالإنسان لا يأخذ منها إلا عمله الذي قدمه، فان كان خيراً يُجزَ عليه، وان كان خلافه يعاقبه الله عليها، قال تعالى: ((مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)).
2- السعادة الدائمة: إنها االسعادة التي لا مثيل لها، والتي تنجم من مصدر واحد وهو الإيمان بالله تعالى وبكتابه واتباعاً لسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) ورضا النفس بما أوتيت من لدنه سبحانه، وتزكيتها وتطهيرها من الجرائم والآثام، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها*وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)، والمواظبة على التحلي بالفضائل الانسانية لأجل إيصالها الى هذه السعادة المنشودة التي يبحث عنها كلّ مؤمن.
3- وهنالك سعادة أخرى تتحقق في الدنيا يجب على الإنسان الحرص على عدم ضياعها وهي اللحظات السعيدة من هذه الحياة، وهي ليست من الملذات، وانما هي التي تكمن بذكر الله تعالى والتعبد وقراءة القرآن، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فإن فيها راحة القلب، وأن لا يجعل من الصلاة روتيناً يؤديه فى وقت معين بلا روح أو وعي، هذه اللحظات التي يختلي بها بذاته ليقيم نفسه وينظف روحه من الشوائب التي علقت بها من هذه الحياة، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ).