تتخذ عوامل الجذب صيغاً متعددة، تتبلور بما تثيره من متعة القراءة عند البعض، وعندنا بما تحققه من فائدة أيضاً؛ كونها تمثل الموقف الانساني، وخاصة في كتابة السير الغيرية التي تعتمد على تجربة رمز من الرموز التاريخية الإنسانية.
وفي كتاب الدكتور سعد الحداد الذي جاء مخصصاً عن سيرة حياة الحضين بن المنذر، هي قراءة فكرية قبل أن تكون أدبية محصنة بفكر وعاطفة، وتعد مثل هذه القراءة السيرية محاولة جادة لقراءة إدراكاتنا وأبجدية هوياتنا لأهمية هذه الشخصية التي عكست بدورها تاريخاً مهماً من حياة الأمة، قراءة في الوعي المتنامي لعشرات القرون، امنيات صيرورة تمتلك الاخلاص، فاستدعاء رمز بهذه الرصانة تعني أننا بحاجة ماسة الى مثل هذه المواقف الروحية الاصيلة لتوعية الشباب، وابراز طاقاتهم الشجاعة، قراءة واعية لابد أن ننصف بها الدكتور سعد الحداد من روحه ووعيه العالي، وهو يسجل عنوان (صنعة) لإجرائه البحثي، وفيه الكثير من ثيمات المسكوت عنه، وأثار بها الكثير من الأسئلة الحيوية في ذهنية التلقي: لماذا يأتي مثل هذا البحث عن التكامل اليوم؟ ولماذا شخصية الحضين بن المنذر من دون رجال التأريخ؟ والجواب كونه يمثل قدوة شبابية معطاءة، فهو حمل لواء صفين للإمام علي (عليه السلام)، وهو ابن التاسعة عشر، وكان أصغر القوم سناً، ليتقدم الشيوخ والكهول ورؤساء ربيعة.. هذه جمل دلالية لمدركات القضية المعنوية، تديم التواصل بين التاريخ والحاضر المدون والمستقبل المعد للقراءة.. فارس همام سجل وقفات مشرفة ضد رموز الشر والفجور.
يضع الكاتب الحداد تساؤلاته الخصبة بطريقة تحليلية واضحة؛ سعياً لتحقيق رغبة التكامل الانساني والمعرفي، وهو الذي وضع مثل هذا الرمز المهمل على جادة التداول الفكري لبث اشعاعات موقف متدفق، انقطع عنه التتابع التدويني، والذي تزامن مع الكثير من الأحداث المهمة التي لم تسجل له حضوراً يذكر في واقعة الطف سنة 60هـ وهو من المعاصرين للحدث، فكيف لفارس مجاهد أن يقف بعيداً عن النصرة وهو المعروف بالشجاعة والكاشف لدسائس معاوية.
وقد تفرد الجاحظ في اتهامه بقضية البخل التي اعتبرها الدكتور الباحث جناية، ولم يرفضها لمجرد تعاطفه مع شخصية الرمز، بل لوجود الأدلة التاريخية، فالحضين والي امير المؤمنين علي بن ابي طالب على اصطخر، والتاريخ يعرف كيف كان الإمام علي (عليه السلام) يعامل ولاته.
ولكي تتكامل الرؤية، وتتوازن سرديات المروي التاريخي، لابد من سيرة حياتية، فهو الحضين بن المنذر الرقاشي، ولد في البصرة، رجل معمر، وكان صاحب شرطة علي (عليه السلام).
أنا أرى أنه في هذا البحث عالج مسألة مهمة، حين قرأ شخصيته التاريخية قراءة سلوكية منطلقة من القيم الاخلاقية التي نحن بأمس الحاجة الاجتماعية إليها.. قال المبرد: إن الحضين بن المنذر يقول لزوج ابنته أو زوج اخته: مرحباً بمن ستر العورة وكف المؤونة، وتلك ثيمات جمعها الدكتور سعد الحداد من العديد من المصادر المتنوعة لها معطياتها الانسانية، فالحضين يقول: (ابتذال النفس في الحرب أبقى لها إذا تأخرت الآجال).
وهناك أمثلة حياتية كثيرة تلم محاور ادراك الشخصية، قد تكون مثل هذه الاخلاقيات لها شمولية الانتماء الانساني، لكن تبقى خصوصية الوعي الاستباقي والذي يمثل درساً إنسانياً، له وجدان معرفي وتماس عقائدي يميل الى انصاف الرموز الادبية التي سعى التاريخ الاموي الى طمس معالمها، قدم الدكتور سعد الحداد منجزاً جاداً سعى ليظهر تاريخ شخصية وجدانية، وينقذها من السبات القسري لتكون هي القدوة.