بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يدور بحثنا حول التربية والتعليم في الإسلام، هذا الفرع الذي يهتم ببناء الإنسان. إن أيّ مدرسة أو مذهب يمتلك أهدافاً محدّدةً وتعاليمَ شاملة – وبتعبير آخر يحتوي على الأنظمة الحقوقية والاقتصادية والسياسية – لا يمكن أن يفتقدَ النظامَ التربوي والتعليمي الخاص. والمدرسة التي تريد أن تطرح للناس مشروعاً أخلاقياً واقتصادياً وسياسياً إنّما يكون غاية ذلك الأمر لأجل الإنسان سواء كان فرداً أم مجتمعاً، وهذا بحد ذاته قضية يجب أن نبحث بشأنها في هذا المقام.
فإذا كان الهدف هو المجتمع فلا يمكن الاستغناء عن الأفراد الذين بواسطتهم تتحقّق المشاريع. وهؤلاء ينبغي أن يخضعوا لتربية وتعليم معين بحيث يقدرون على تنفيذ تلك المشاريع. وكذلك إذا كان الهدف هو الفرد فلا بدّ من وجود التربية والتعليم أيضاً. وفي الإسلام، أصالة الفرد كأصالة المجتمع محفوظة، ولهذا يوجد برنامج ومشروع لبناء الفرد سواء كان ذلك مقدمة لبناء المجتمع أو أنّه هدف بحدّ ذاته.
ومن هنا يلزم أن يلزم أن نتعرف على أصول التربية والتعليم في الإسلام. وبدايةً: هل أولى الإسلام هذه المسألة اهتماماً أم لا؟ وهذه قضية العلم التي طرحت منذ القديم بين العلماء فيما يتعلّق بأصل المطلب الذي يطرحه الإسلام أو بالنسبة لخصائص ذلك العلم الذي يدعو إليه. وقد بحث الغزالي والفيض الكاشاني وآخرون هذا الموضوع. ومن جانب آخر عندما ننظر إلى التعاليم الأخلاقية في الإسلام وهي جميعاً تعاليم تربية الإنسان، يبرز سؤال حول ذلك الإنسان النموذج والمثال الذي يريده الإسلام. كيف ينبغي أن يكون؟ وهنا توجد مسائل أخرى ترتبط بكيفية التطبيق فالأهداف محددة، ولكن ما هي الطريقة والمنهج اللذان ينبغي الاستفادة منهما في هذا المجال؟ وإلى أيّ درجة تلحظ التعاليم الإسلامية المسألة الروحية؟ وكمثال: في مجال تعليم وتربية الطفل ماذا وصلنا من تعاليم؟ وهذا التعاليم إلى أيّ مدى تلحظ الواقع والمسائل المعنوية؟ إضافة إلينا نحن هل كنا نطبق تلك التعاليم أم لا وكذلك اليوم إلى أي مدى نفعل ذلك.
تربية العقل
المسألة الأولى التي يجب بحثها هي مسألة تربية العقل والفكر. وهنا يوجد لدينا مسألتان الأولى تربية العقل، والثانية مسألة العلم.
في التعليم يقوم المتعلم بالأخذ والتلقي فقط ويكون دماغه بمنزلة المستودع تصب فيه سلسلة من المعلومات. أما في التربية، فلا يكفي أن يكون هذا هو الهدف. ولهذا يعد اليوم من النقص والخطأ أن نعتبر ذِهْنَ المتعلم كحوض الماء الذي يصب فيه الماء وحسب.
ينبغي أن يكون هدف المعلم أعلى من ذلك وهو أن يربي القوة الفكرية لدى المتعلم ويمنحها استقلالية وقوة ابتكار، أي أن عمل المعلم في الواقع يكون كالشعلة. يوجد فرق بين الفرن الذي تُحضرون ناره من الخارج فيصبح حامياً وبين الفرن الذي توجد فيه الأخشاب والقش، فتحضرون شعلة من الخارج وتضعونها على الأخشاب لتشعل شيئاً فشيئاً حتى تصبح ناراً. ويبدو أن ما يُبحث بشأن العقل والتعقل –مقابل العلم والتعلم– إنّما يعود إلى حال الرشد العقلي والاستقلال الفكري بمعنى قوة الاستنباط عند الإنسان.
نوعان من العلم
يوجد كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة (كانت لفترات تلفت نظري وقد جمعت لها شواهد عديدة) حيث يقول عليه السلام: العلم نوعان (وفي بعض النسخ: العقل عقلان) علم مطبوع وعلم مسموع ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع.
العلم المطبوع هو ذلك العلم الذي ينبع من نظرة الإنسان وطبيعته ولا يتعلمه الإنسان من غيره وهو ما يمكن تسميته بقوة الإبداع.
وأنتم ربما لاحظتم هذا الأمر: فالذي ليس لديه علم مطبوع غالباً ما يكون منشأ ذلك عنده سوء التعليم والتربية وليس عدم الاستعداد. فلم يكن يخضع لتربية وتعليم يحركان تلك القدرة المطبوعة فيه وينميانها.
النظام التعليمي القديم وتربية العقل
لقد كان نظامنا التعليمي القديم في الأغلب هكذا. فأنتم ترون بعض الناس مثل مسجلة الصوت (أكان ذلك بسبب نقص الاستعداد أو التعليم والتربية). فأحدهم يكون قد درس كتاباً وعمل عليه كثيراً ودقّق فيه حافظاً فقراته واحدة واحدة مع الحواشي والتعليقات. فإذا أصبح أستاذاً وأراد أن يشرح ذلك الكتاب فإنّه لن يقدم أكثر مما تعلمه وحفظه. وأي سؤال خارج عن هذا النطاق لا يقدر على الإجابة عنه فيقف عاجزاً عن الإتيان بالجديد. فمعلوماته هي تلك المسموعات.
بل إنّني رأيت أفراداً يحكمون خلال ما تعلموه. ولهذا فإنّنا نشاهد أحدهم عالماً ولكن عقله جاهل. فهو عالم لأنّه تعلم كثيراً ومعلوماته كثيرة، ولكن إذا طرحتم عليه مسألة خارج حدود معلوماته تجدونه لا يختلف عن العوام بشيء.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يدور بحثنا حول التربية والتعليم في الإسلام، هذا الفرع الذي يهتم ببناء الإنسان. إن أيّ مدرسة أو مذهب يمتلك أهدافاً محدّدةً وتعاليمَ شاملة – وبتعبير آخر يحتوي على الأنظمة الحقوقية والاقتصادية والسياسية – لا يمكن أن يفتقدَ النظامَ التربوي والتعليمي الخاص. والمدرسة التي تريد أن تطرح للناس مشروعاً أخلاقياً واقتصادياً وسياسياً إنّما يكون غاية ذلك الأمر لأجل الإنسان سواء كان فرداً أم مجتمعاً، وهذا بحد ذاته قضية يجب أن نبحث بشأنها في هذا المقام.
فإذا كان الهدف هو المجتمع فلا يمكن الاستغناء عن الأفراد الذين بواسطتهم تتحقّق المشاريع. وهؤلاء ينبغي أن يخضعوا لتربية وتعليم معين بحيث يقدرون على تنفيذ تلك المشاريع. وكذلك إذا كان الهدف هو الفرد فلا بدّ من وجود التربية والتعليم أيضاً. وفي الإسلام، أصالة الفرد كأصالة المجتمع محفوظة، ولهذا يوجد برنامج ومشروع لبناء الفرد سواء كان ذلك مقدمة لبناء المجتمع أو أنّه هدف بحدّ ذاته.
ومن هنا يلزم أن يلزم أن نتعرف على أصول التربية والتعليم في الإسلام. وبدايةً: هل أولى الإسلام هذه المسألة اهتماماً أم لا؟ وهذه قضية العلم التي طرحت منذ القديم بين العلماء فيما يتعلّق بأصل المطلب الذي يطرحه الإسلام أو بالنسبة لخصائص ذلك العلم الذي يدعو إليه. وقد بحث الغزالي والفيض الكاشاني وآخرون هذا الموضوع. ومن جانب آخر عندما ننظر إلى التعاليم الأخلاقية في الإسلام وهي جميعاً تعاليم تربية الإنسان، يبرز سؤال حول ذلك الإنسان النموذج والمثال الذي يريده الإسلام. كيف ينبغي أن يكون؟ وهنا توجد مسائل أخرى ترتبط بكيفية التطبيق فالأهداف محددة، ولكن ما هي الطريقة والمنهج اللذان ينبغي الاستفادة منهما في هذا المجال؟ وإلى أيّ درجة تلحظ التعاليم الإسلامية المسألة الروحية؟ وكمثال: في مجال تعليم وتربية الطفل ماذا وصلنا من تعاليم؟ وهذا التعاليم إلى أيّ مدى تلحظ الواقع والمسائل المعنوية؟ إضافة إلينا نحن هل كنا نطبق تلك التعاليم أم لا وكذلك اليوم إلى أي مدى نفعل ذلك.
تربية العقل
المسألة الأولى التي يجب بحثها هي مسألة تربية العقل والفكر. وهنا يوجد لدينا مسألتان الأولى تربية العقل، والثانية مسألة العلم.
في التعليم يقوم المتعلم بالأخذ والتلقي فقط ويكون دماغه بمنزلة المستودع تصب فيه سلسلة من المعلومات. أما في التربية، فلا يكفي أن يكون هذا هو الهدف. ولهذا يعد اليوم من النقص والخطأ أن نعتبر ذِهْنَ المتعلم كحوض الماء الذي يصب فيه الماء وحسب.
ينبغي أن يكون هدف المعلم أعلى من ذلك وهو أن يربي القوة الفكرية لدى المتعلم ويمنحها استقلالية وقوة ابتكار، أي أن عمل المعلم في الواقع يكون كالشعلة. يوجد فرق بين الفرن الذي تُحضرون ناره من الخارج فيصبح حامياً وبين الفرن الذي توجد فيه الأخشاب والقش، فتحضرون شعلة من الخارج وتضعونها على الأخشاب لتشعل شيئاً فشيئاً حتى تصبح ناراً. ويبدو أن ما يُبحث بشأن العقل والتعقل –مقابل العلم والتعلم– إنّما يعود إلى حال الرشد العقلي والاستقلال الفكري بمعنى قوة الاستنباط عند الإنسان.
نوعان من العلم
يوجد كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة (كانت لفترات تلفت نظري وقد جمعت لها شواهد عديدة) حيث يقول عليه السلام: العلم نوعان (وفي بعض النسخ: العقل عقلان) علم مطبوع وعلم مسموع ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع.
العلم المطبوع هو ذلك العلم الذي ينبع من نظرة الإنسان وطبيعته ولا يتعلمه الإنسان من غيره وهو ما يمكن تسميته بقوة الإبداع.
وأنتم ربما لاحظتم هذا الأمر: فالذي ليس لديه علم مطبوع غالباً ما يكون منشأ ذلك عنده سوء التعليم والتربية وليس عدم الاستعداد. فلم يكن يخضع لتربية وتعليم يحركان تلك القدرة المطبوعة فيه وينميانها.
النظام التعليمي القديم وتربية العقل
لقد كان نظامنا التعليمي القديم في الأغلب هكذا. فأنتم ترون بعض الناس مثل مسجلة الصوت (أكان ذلك بسبب نقص الاستعداد أو التعليم والتربية). فأحدهم يكون قد درس كتاباً وعمل عليه كثيراً ودقّق فيه حافظاً فقراته واحدة واحدة مع الحواشي والتعليقات. فإذا أصبح أستاذاً وأراد أن يشرح ذلك الكتاب فإنّه لن يقدم أكثر مما تعلمه وحفظه. وأي سؤال خارج عن هذا النطاق لا يقدر على الإجابة عنه فيقف عاجزاً عن الإتيان بالجديد. فمعلوماته هي تلك المسموعات.
بل إنّني رأيت أفراداً يحكمون خلال ما تعلموه. ولهذا فإنّنا نشاهد أحدهم عالماً ولكن عقله جاهل. فهو عالم لأنّه تعلم كثيراً ومعلوماته كثيرة، ولكن إذا طرحتم عليه مسألة خارج حدود معلوماته تجدونه لا يختلف عن العوام بشيء.