يقول احدهم : اذا اردت ان تتعلم البذاءة فاذهب الى اي محكمة تفصل بين متخاصمين اثنين!
شخصيا لم اقتنع بهذه المقولة، حتى قادتني قدماي الى مبنى محكمة الأسرة، بمعيّة احدى الصديقات، اذ كانت يومها طرفا في نزاع أسري للحصول على حضانة أطفالها..واذا بنا نفاجأ بكمية البذاءة التي وصلت اسماعنا من اطراف النزاعات الأسرية القائمة وما اكثرها،، حينها فقط صدّقتُ المقولة الآنفة.
حينما يتخاصم الزوجان، وتصل القضية بينهما الى ابغض الحلال، ستسود لغة الاحتقار والاستصغار، وسيكون العنف اللفظي هو المتسيد في خطابهما لبعضهما.
هل هذه ظاهرة صحية يا ترى؟ ولماذا من الأساس تصل الامور الى المحاكم؟
ولماذا لا يكون الاحتكام الى العقلاء من الطرفين والجنوح الى السلم والتراضي اذا توفرت أرضية لذلك الصلح؟
كثيرة هي التساؤلات والاعتراضات التي قد تُسجل في هذا الجو المشحون بالغضب والترقب والعصبية المفرطة..
ان كان الطلاق هو الحاصل فليكن، فهو في النهاية أبغض الحلال الى الله، ولكنه يبقى الباب الأخير الذي سيفتح أمام من ينوون إنهاء علاقتهما الزوجية.. ولكن ليكن الانفصال بينهما ينمُّ عن رقي وتفهم، ان لم يكن من اجل اطفالهما، فليكن من اجل تلك اللحظات الجميلة التي جمعتهما في يوم ما.
إنّ من أعظم العلاقات الإنسانية التي اعتنى بها ديننا الاسلامي هي : العلاقة الزوجية، والتي هي مصنع الحياة النقية، ومنبع الأجيال الصاعدة، والخلية الأولى لتربية النشء.. (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً).
فمن قرأ القرآن وتدبّره وجدهُ قد اهتم بهذه الرابطة الحياتية اهتمامًا عظيمًا، وأولاها قيمة جليلة من حيث : البناء والاختيار ومواصفات الشريك والى آخره من مقومات بناء عش الزوجية، كما انه لم ينس بيان الحلول الناجعة لمشكلاتها وما قد تعترضها من مطبات مستقبلية.
فيقول تعالى الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّه فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّه فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّه فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّه فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فمعنى التسريح لغة هو : مأخوذ من السرح، وهو الإطلاق. وسرح الماشية في المرعى سرحاً: إذا أطلقها. والسرحة: الشجرة المرتفعة لانطلاقها في جهة المطول.
اما الإحسان فهو : بمعروف، وذلك بأداء حقوقها المالية دو أن يذكرها بعد المفارقة بسوء. والإحسان يطلق على وجهين: الأول: الإنعام على النّاس، والثاني: الإحسان في فعله.
ربما يعتقد البعض ان الطلاق هو نهاية العالم، وانه القشة التي تقصم ظهر البعير، لكننا لو نظرنا الى الصورة بكل جوانبها وبلا رتوش او احكام مسبقة، لعرفنا ان الطلاق قد يكون وجها صحيا لعلاقة قائمة، بمعنى انها فترة توقف لأخذ الانفاس وتقرير المصير، لمراجعة العلاقة واعادة بنائها من جديد، من هنا يستحسن ترك الباب مفتوحا عبر التسريح بإحسان، وتجنب الوقوع في اخطاء كبيرة قد تؤدي الى رسم نهاية مؤسفة وخاتمة حزينة لعلاقة دامت لسنوات وسنوات...
ونقولها بشكل موجز اذا لم ينجح الزوج في الإمساك بالمعروف فلينجح في التسريح بإحسان.
لكنّ واقعنا الحياتي للاسف الشديد، يعاني الضرر والاضرار ليس من الزوج فحسب بل قد يكون من قبل الزوجين معا، فلا هو يتعامل بذلك الإحسان المرجو، ولا هي تتقبل الامر بروح رياضية تاركة الباب لحل وشيك، وهذا مما يعقد المشهد بينهما ايما تعقيد.
الطلاق الأول هو مدرسة يتعلم فيها الزوجان، ومحطة توقف ينزلان فيها للتزود وتعلم اخطاء الأمس، وهي فرصة لا ينبغي التفريط بها بأساليب انتقامية للخروج من عنق الزجاجة بأقل الخسائر، فكلاهما خاسران والخاسر الأكبر هم الاطفال الموجودون في المنتصف والضائعون في مهب الرياح..
فلابد من التفكير بعقل واعٍ وقلب معتبر، والتفكير مليّا في مستقبل هذه الثمرة قبل التعدي بالألفاظ النابية، والتصدي للأفعال والتحامل على الآخر.
انّ التسريح بإحسان هو اسلوب التعامل الراقي بأهل الايمان والميثاق الغليظ، اما التجريح بالكلمات المؤذية والخادشة، وتحويل الطلاق الى حرب بسوس لا تبقي ولا تذر، ورمي الطرف الآخر بأقبح الأوصاف بل والتهديد بكشف المستور، وكيل السباب والشتائم للأهل ومن يمت اليهم بصلة، والتحامل بصنوف الكراهية والبغضاء، ليست من شيم أهل المروءة والإحسان، فلنكن منها ومن مثيلاتها على حذر.
في مقابلة تلفزيونية مع زوجين معمرّين من اليابان، سُئلوا هذا السؤال : ما هو سر ديمومة زواجكما لأكثر من ثمانين عاما؟ أجابت الزوجة : الصبر نحن تعلّمنا الصبر من بعضنا، هو يصبر عليّ وأنا أصبر عليه!!
اما نحن المسلمون فتجد الشاب بيننا، لا يمضي على زواجه ثلاث سنوات، حتى تجده يطالب بالانفصال عن شريكة حياته على أتفه سبب.
اخيرا.. الى كل من يأخذ القرآن دستورا لحياته، الله الله في القرآن لا يسبقنا بالعمل به غيرنا فنندم، ولتكن اخلاقنا قرآنية ما حيينا في اللقاء والفراق معا.
مش