يرتكز كتاب المصابيح للسيد أحمد الصافي (دام عزه) على البحث عن تجليات وانعكاسات وعي المعصوم في أدعية الصحيفة السجادية المباركة وتكوين بنية تصور لدرجتي الجلاء الوجداني والوضوح المعنوي، والوعي على اتزان وتكامل الفكري بين علاقة المعصوم بالله سبحانه تعالى وإبراز قيم المضمون في تلك الأدعية المرتكزة على التشخيص والكتابة والتفسير.
لو تأملنا في مهام المتأمل لوجدناه يسعى ليوجه النص نحو المسلك الأرقى وأدعية الإمام عليه السلام هي قمة الارتقاء ولهذا يصبح التأمل في النص إيجاد طاقة فكرية وثقافية وحضارية تواكب المجتمع، والمهمة تصبح هي البحث عن ما ينفع الناس، ينقل لنا حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أناس يصومون ويصلون ويأخذون أهبة من الليالي التي يجعل الله حسناتهم (هباء منثورا) والسبب إذا عرض على أحدهم شيء من الحرام وثبوا عليه، يستدرج سماحة السيد الصافي النص للمفهوم المعاش، فلا ينبغي لنا أن نستكثر بعض طاعتنا أو نستصغر بعض ذنوبنا، الفكرة ليست منعزلة عن الناس في الوثوب على الحرام من المحبطات ما يذهب بالصوم والصلاة مع أنهم كانوا يصومون ويصلون لكنهم يضعفون أمام الحرام، ويستشهد بحديث طويل للإمام السجاد عليه السلام، يؤهل القدرات العقلية الإنسانية لاستيعاب منهج الفطرة واستثمار رحمة الله مرتكزا على ما لدى المتلقي من معرفة وبداهة سلوك لبعض الإضافة المعرفية وتذكرة النفس قبل المتلقي سعيا للدعاء بالتوفيق لبعض الإعمال التي نذخرها بنية صادقة لأهوال يوم القيامة، وعملية التذكير تقوم بقراءة بعض آفاق حديث المعصوم، والمسعى الفكري للدعاء بين قاعدة فكرية علمية مهمة، أن العبد لا يستحق المغفرة إزاء فعل الحرام الذي ارتكبه لتجاوزه على ساحة المولى جل شأنه، هذا العنوان الأول للانبعاث الفكري الذي تظهر معانيه جلية، لكن أمام هذه العسرة هناك كشف حقيقة الأمر، الشعاع الذي ينير لنا الأمور أن الله سبحانه دائما معنا، ونحن نسبح في رحمته دائما، في أحاديث سابقة لسماحة السيد الصافي أن أسس تلك الأدعية كانت بعد أحداث كربلاء واستشهاد سيد الشهداء الحسين عليه السلام، وتبني الإمام السجاد قضية بناء الإنسان بعد أن دمروا المجتمع أخلاقيا ودينيا، فكان السعي هو بناء الفكر الروحي للإنسان.
الإمام السجاد عليه السلام يركز على العديد من المعاني الإنسانية والروحية ليبين الرعاية الإلهية للإنسان.
القاعدة المهمة التي يريد سماحة السيد الصافي يبينها في فكر السجاد عليه السلام، ودروسه الجلية (إن الإنسان لا يملك إلا رحمة الله تعالى) ويضع هذا الشعار مقابل تذكرة مهمة يبني عليها الإثر الإنساني في كل مكان وزمان (إن الزمن لا يعود) هذه اللمحة الفكرية لا بد أن نأخذها لمسافة التأمل العقلي وندرك مهام المضمون أمام المحورية رحمة الله ولا عودة للزمان، قد توضح هذه الثنائية أزمة الإنسان الحقيقية أمام المسرى الزمني بالتأكيد هناك حساب زمني يترك مدياته على الإنسان وهي المساحة الواسعة التي جعلها الإنسان رحمة تبدأ من إدراكه عند التكليف إلى آخر العمر، مساحة التوبة مساحة النية والعزم على عدم العودة لما فيه سخط المولى جل شأنه، نجد أن سماحة السيد الصافي عنون قراءاته للصحيفة السجادية بعناوين رئيسية وعناوين فرعية، أي اتخاذه بنى متنوعة للشرح والكشف عن جملة من التجارب، التي تعني باهتمامات الإمام السجاد ليبني حقائق فلسفية تعمل على تكوين بنية الإنسان وما تحمل من روافد نفسية وثقافية، فنجد العنوان الرئيسي لهذا الجزء هو (الحلم الالهي) أما العناوين الفرعية فهي كثيرة كونها تشكل فضاءً يحتوي على جميع المضامين الحيوية في الصحيفة المباركة
أضرار الاستكثار والاستصغار.
من درر السجاد عليه السلام لا يبقى إلا الخالص، اخفاء الذنوب وعناوين اخرى، وضعت تلك العناوين لتسهيل استيعاب المضمون وتنوع التوجه نحو تلك المضامين لتنمية قابلية الإدراك والتشويق في القضايا المؤثرة عند الإنسان.
ففي عنوان (اخفاء الذنوب) يعرفنا على حقيقة مهمة هي أن ذات الله تعالى تستعصي على مداركنا، وأن أهل السماء يطلبونه كما يطلبه أهل الأرض، وهذا يعني أن العبرة الحقيقية في الموضوع هو عملية استشعار رحمته سبحانه تعالى، نحن نشكر برحمته الله تعالى ورعايته لنا.
أن الفكرة في المغزى الوعظي مهم ويعد ضرورة معنوية لكون الفكر يبعث على حراك ذهني وروحي مثلا نتأمل في قراءة سماحة السيد الصافي لمفردة تغمدني (تغمدني بسترك) يرى أن ستر الله على عبده لا يهتك لذا عبر عنه الإمام عليه السلام بالنعمة.
والسيف ما نام في غمده لم يشهر، الفكرة المعروضة أن ليس هناك ذنب مستور عن الله تعالى، وأي تصور خارج هذه الحقيقة هو خلل في العقيدة، أصل التوحيد أن الله تعالى لا تخفي عليه خافية والبحث عن منطقة التأثير الأسمى عند الأنسان هو التدبر الفكري والقاء الضوء على حيز تأملي، خشية أن ينتاب
الإنسان نوع من الغفلة، أين هو مكمن الغفلة؟
هذا السؤال يجعلنا نتأمل في البنية الفكرية للإنسان، البعض منا يعتبر أننا غير معنيين بالأدعية، ولا دلالة من دلالات الغضب الإلهي على المجتمعات القديمة تعنينا، هذه الغفلة الحقيقية، هناك معادلات غيبية ينظمها الإمام عليه السلام فكرا عقائديا يرشد المجتمع إلى معاني مؤثرة مثل (فرح الخالق تعالى بتوبة المخلوق) ومثل هذا الموضوع يستوعب الشرح والتفسير الحيوي بما يمتلك من دلالات كاشفة لرحمة تسبق الغضب، رحمة تدعونا إلى التوبة وتدارك العمر (فروا الى الله تعالى) وكل ما عندنا من خير هو من الله تعالى.
التأمل في الصحيفة السجادية يأخذنا إلى مديات منها رؤية النص الدعائي، وعناصر تشكيله ورؤية القيم الفكرية المنبثقة عن محاور الإيمان، شخص سماحة السيد الصافي لنا قضية مهمة وهي فسحة من الاختبار حتى يحتج عليه يوم القيامة ليس للمخلوق حق عل الخالق فهو محض ملك محض لله وليس له حق على الله تبارك، العبد ليس له حق على الله، الله اعطاه الحياة، ومع هذا يستر الله تعالى على عبده المؤمن، العبد اذا عصا استوجب النار، الله سبحانه يوقف هذا القانون ويعطي فرصة للعبد، نجد هناك مسألة مهمة في أغلب أفعال الماضي تخص العبد، استرجاع يزودنا بمعلومات ماضية مخصصة للعبد مثل عصيت / أعطيت مقابلها أفعال مضارعة تختص بماهية الله سبحانه تعالى يوم القيامة، يغفر _ يستر _ يعطي والله واسع الرحمة.