.
مُحبر اليدين، بين السماء والأرض مُحتجزا، لا مُنقذ يرفق بحالي، بين ظلمة الكون وظلمة الليل وظلمة السجن، رأيت جبرائيل يُحلق عاليًا ويهبط إلى الأرض.
سألتهُ
-إلى أين أيهُا الروح؟
يجيبني مُبتهجا
- احمل تهنئة إلى رسول الله ص بولادة سبطه الحسين.
-يا جبرائيل! احملني معك لعل محمداً ص يدعو لي.
حملني معه حيث بيت النبوة المشرق بحلول المولود من أحشاء النور.
فلما دخل جبرائيل اخبر الرسول ص بحاليَ الذي يرثى له، ومكوثي طويلاً في تلك الجزيرة، بجناحيّ المنكسرين ورائحتي النتنة، ورغم مرارة البلاء وحبي تعبداً الى الله.
يجيب رسول الله ص بصوته الطاهر العذب المتواضع الممتلئ إنسانية،
-قل له أن يتمسح بهذا المولود ويعد الى مكانه.
اقتربت من الحسين روحي له الفداء، مسحت به اجنحتي الخائرة، بلطف الله التمست شفاعة الحسين، تحرر قيدي، وغفر لي ربي، و ارتفعت الى السماء، و من ذلك الحين وأنا احمل وسام الشرف، أصبحت الملقب بعتيق الحسين.
مضت الأيام وأنا احتضن الحرية بين راحتيّ بين السماء والأرض، كنت أحمل حب الحسين بين جزيئات نبضي.
مرّت الأيام وانطوت السنون على عجل، حتى جاء يوم شعرت فيه أن الطقس قد تغير بصورة مهيبة، السماء أمطرت بغزارة، لا بل هي ادمع عيون تتكلم!
السماء تبكي! و الأرض تنحب! الرمال ترتدي ثوب العزاء الطويل، الكون يصرخ بلا حبال صوتيه!
احسست وكأن ذلك اليوم المنشود قد اقترب أن يقتل فيه سبط رسول الله،
أنا بحيرة كبيرة اكبر من حيرتي مسبقاً، حين كنت لا اطاق ولا اطيق العيش.
أي أداة تسعف محنتي، بأي الحروف استطيع نسج صرخاتي المتكسرة على متن حنجرتي، وبأي الأحبار اضمد انكساري النازف، كيف يمكن ان اصف وجعي؟!
ماذا اصف وعن ماذا اغفل، و بعض المصائب يصعب تفصيلها!
كيف يُخرج النداء من لا يمتلك حيلة الصراخ؟
وكل حواسي ضجت بالبكاء والنحيب!
كم صعب عليّ التصديق وعدم التصديق، أن أرى محبوبي مخضباً بالدماء مذبوحاً من الوريد الى الوريد، مسلوب الثياب، مفطر الشفاة!
كم كنت اود ان امتلك اذن الانحدار من السماء الى الطف واشهد انتصار الدم على السيف.
عُدت مُكبلاً هذه المرة، ولكن قيدي هو الحزن، حيثُ تقيد قلبي بسلاسل الشجى على محرري، وغدوت في السماء طائراً ينزف على أرض نزف عليها الحسين.