اللهم صل على محمد وآل محمد
دلالة الحديث على إمامة عليّ عليهالسلام ومصادره
س : ما هو حديث المنزلة؟ وهل يدلّ على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام؟
ج : هو قول رسول الله « صلى الله عليه وآله » للإمام عليّ عليهالسلام :
«أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» ، وهو من الأحاديث المتواترة ، فقد رواه جمهرة كبيرة من الصحابة ، ومصادره كثيرة ، نذكر منها من كتب أهل السنّة : صحيح البخاري (1) ، صحيح مسلم (2) ، وغيرهما (3).
- ودلالته على ولاية عليّ عليهالسلام وإمامته بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله واضحة ، إذ إنّ هارون كان خليفة لموسى عليهالسلام ونبيّاً ، وقد أثبت رسول الله « صلى الله عليه وآله » نفس المنزلة لعليّ عليهالسلام باستثناء النبوّة ، فدلّ ذلك على ثبوت الخلافة له عليهالسلام.
س : بالنسبة لحديث المنزلة ، يقول أهل السنّة : إنّ الرسول « صلى الله عليه وآله » قاله فقط عندما خلّف عليّاً بالمدينة في غزوة تبوك ، وهذا لا يدلّ على خلافته ، فما هو ردّكم؟
- وثانياً : إنّ هارون لم يصبح خليفة لموسى ؛ لأنّه تُوفّي في زمنه ، بل أصبح يوشع بن نون ، فما هو ردّكم؟
ج : نعلمكم أنّ النبيّ « صلى الله عليه وآله » لم يقل حديث المنزلة مرّة واحدة ـ وذلك في غزوة تبوك ـ حتّى يرد الإشكال ، بل قاله عدّة مرّات ، وكرّره في عدّة مواطن ، ومن تلك المواطن :
1 ـ عند مؤاخاته لأمير المؤمنين عليهالسلام (4).
2 ـ في خطبة غدير خم (5).
3 ـ في قضية فاطمة ابنة حمزة سيّد الشهداء (6).
4 ـ في حديث عن جابر في مسجد رسول الله « صلى الله عليه وآله » (7).
5 ـ عند تسمية الإمام الحسن عليهالسلام ، عن أسماء بنت عميس : «... ثمّ قال « صلى الله عليه وآله » لعلي : أيّ شيء سمّيت ابني؟
قال : ما كنت لاسبقك بذلك ، فقال : ولا أنا أسابق ربّي. فهبط جبرائيل عليهالسلام فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ، لكن لا نبيّ بعدك ...» (8).
6 ـ في حديث عن أُمّ سلمة (9).
- وموارد أُخرى.
وعليه فالحديث يدلّ على خلافة وإمامة أمير المؤمنين عليهالسلام بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله ».
- كما ويُؤيّد أنّ الحديث يدلّ على إمامة عليّ عليهالسلام تمنّيات بعض أكابر الصحابة ، أن لو كانت له هذه الفضيلة ، كقول عمر : «في عليّ ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس» (10) ويذكر فضيلة المنزلة.
- أو قول سعد بن أبي وقّاص لمعاوية بن سفيان : «لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم» (11).
وبالنسبة إلى سؤالكم الثاني فنقول : إنّ المقصود من كون هارون خليفة لموسى عليهالسلام هو ما جاء في قوله تعالى : وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِح (12).
- فهذا مقام لهارون بأمرٍ من الله تعالى ، وقد نزّل نبيّنا عليّاً بهذه المنزلة من نفسه ، ومن المقطوع به أنّ هذا المعنى لم يرد في حقّ غير عليّ عليهالسلام من صحابة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، ولذا ورد عن غير واحد منهم ـ كما مرّ ـ أنّه كان يتمنّى لو ورد هذا الحديث في حقّه عن النبيّ ، وثبتت له هذه المنزلة منه.
وأمّا الاستخلاف بمعنى القيام مقام النبيّ بعد الموت ، فهذا ممّا لم يثبت لهارون ؛ لموته قبل موسى وقد ثبت لعليّ لوجوده بعد الرسول الأعظم بحديث المنزلة ، وغيره من الأحاديث القطعية المتّفق عليها بين المسلمين.
حديث المنزلة هو أحد أدلّة الإمامة
وبعبارة أوضح : إنّ رتبة الوصاية كانت موجودة عند هارون ، ولكن لم يصل إليها لطروّ المانع وهو الموت ، وأمّا في الإمام عليّ عليهالسلام فلعدم وجود المانع كانت الوصاية قد وصلت إلى مرحلة الفعلية بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله.
- وممّا يدلّ على هذا أنّ النبيّ « صلى الله عليه وآله » قد أخبر مسبقاً بأنّ النبوّة ليس لها اقتضاء في المقام ، فإن كانت الوصاية أيضاً هكذا ـ فرضاً غير محقّق ـ كان عليه « صلى الله عليه وآله » أن يردفها بالنبوّة في جهة عدم الاقتضاء ، وهذا ممّا لم يصدر عنه « صلى الله عليه وآله » قط.
- وبالجملة : فإنّ الحديث يدلّ بدلالة قطعية على إمامة ووصاية أمير المؤمنين عليهالسلام
---------------
المصادر
أسئلة وأجوبة عقائديّة
1 ـ صحيح البخاري 4 / 208 و 5 / 129.
2 ـ صحيح مسلم 7 / 120.
3 ـ السنن الكبرى للبيهقي 9 / 40 ، مسند أبي داود : 28 ، المصنّف للصنعاني 5 / 406 و 11 / 226.
4 ـ المعجم الأوسط 8 / 40 ، المعجم الكبير 5 / 221 و 11 / 63 ، الثقات 1 / 142 ، تاريخ مدينة دمشق 21 / 415 و 42 / 53 ، سير أعلام النبلاء 1 / 142 ، المناقب : 39 و 140 و 152 الدرّ المنثور 4 / 371.
5 ـ المناقب : 61 ، ينابيع المودّة 3 / 278.
6 ـ تاريخ مدينة دمشق 42 / 170 و 186.
7 ـ الجامع الكبير 5 / 304 ، كتاب السنّة : 588 ، المعجم الكبير 2 / 274 ، تاريخ بغداد 4 / 56 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 139 و 176 ، البداية والنهاية 7 / 378.
8 ـ ذخائر العقبى : 120 ، نظم درر السمطين : 194.
9 ـ مسند أبي يعلى 12 / 310 ، صحيح ابن حبّان 15 / 15 ، المعجم الكبير 12 / 15 ، موارد الظمآن : 543 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 42 و 169 و 181 ، البداية والنهاية 7 / 378.
10ـ تاريخ مدينة دمشق 42 / 58 و 176 ، المناقب : 55 ، جواهر المطالب 1 / 296.
11 ـ صحيح مسلم 7 / 120 ، الجامع الكبير 5 / 301 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 ، مسند سعد ابن أبي وقّاص : 51 ، كتاب السنّة : 596 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 108 و 123 و 144.
12 ـ الأعراف : 142.
-----------------
أسئلة وأجوبة عقائدية
المؤلف: محمد أمين نجف ، ص 74 - 76 .