مِنْ نَافِذَةِ عَالَمِي
اِخْتَلَسْتُ النَّظَرَ إِلَى تِلْكَ المَدِينَةِ
مَا بَالُهَا تُنَكِّسُ رَأْسَهَا المُغَطَّى بِالسَّوَادِ،
بَدَتْ وَ كَأَنَّهَا تَخْتَبِئُ مِنَ الفَاجِعَةِ
كَأَنَّهَا تَخْشَى شَيئًا مَا.
هُنَاكَ.. حَيثُ لَا شَيءَ
هَسْهَسَاتٌ تُحْدِثُ ضَجِيجًا
مِنْ زَاوِيَةٍ أُخْرَى
أَسْمَعُ صَوتَ بُكَاءٍ.!
ثَلَاثَةُ أَطْفَالٍ مَفْجُوعَةٌ، وَ سَيِّدَةٌ تَجْلِسُ عِنْدَ جَسَدٍ مُسَجًّى مُشِعٍّ بِالنُّورِ
هِيَ لَا تَهْدَأُ
عَينَاهَا كَنَهَرٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَنِ الجَرَيَانِ،
وَذَلِكَ الشَّابُ الَّذِي بِجَانِبِهَا
تَجْتَاحُهُ نَوبَةُ انْهِيَارٍ عَمِيقَةٌ
يَنْعَى وَيَبْكِي بِحُرْقَةٍ.!
أَرْوَاحٌ تَهْبِطُ وَ تَصْعَدُ تَشُدُّ مِنْ أَزْرِ تِلْكَ العَائِلَةِ
لَـٰكِنَّها أَيضًا مُتَفَجِّعَةٌ
وَعَفَارِيتٍ تَجُدُّ فِي المَسيرِ
إِنَّهُ المُنْعَطَفُ
كُلُّ الوُجُوهِ كَانَتْ تَجْتَمِعُ هُنَا
وَ بِشَكْلٍ فُجَائِيٍّ
تَلَاشَتْ دُونَ رَجْعَةٍ
هَيمَنَ الظَّلَامُ عَلَى المَوقِفِ
رغْمَ العَتْمَةِ أَصْبَحَتِ الرَّوَاسِبُ مَكْشُوفَةً
إِنَّهُ قَدَرُ اللهِ
أَنْ يُرْفَعَ ذَلِكَ الوَهَجَ الِّذِي أَضَاءَ الكَونَ مُضَمَّخًا بِالظُّلَامَاتِ
غَسَّلَ النُّورُ النَّورَ، وَ وَدَّعَهُ عِنْدَ الهَزِيعِ
وَحَولَهُ النَّوَارِسُ البَيضَاءُ تَزُفُّهُ لِلْعَلْيَا
وَحْدَهَا مَنْ يُدْرِكُ الحَجْمَ الفَادِحَ الَّذِي أَصَابَ الدُّنْيَا
السَّمَاءُ الشَّاهِقَةُ تُحَاوِلُ مُوَاسَاةَ الشَّمْسِ
هِيَ تَعْلَمُ أَنَّها لَنْ تَسْتَطِيعَ
لَـٰكِنَّها تَشْعُرُ بِأَلَمِهَا فَقَرَّرَتِ البَقَاءَ بِجِوَارِهَا.
الفِرَاشُ الآنَ يَبْكِي، وَالطُّرُقَاتُ المَكْلُومَةُ أَلْقَتْ بِرَأْسِهَا عَلَى البَابِ عَلَّهَا تُشْفَى مِنْ جِرَاحِ الفَقْدِ
وَالمَدِينَةُ المُشِعَّةُ لَمْ يَعُدْ لَهَا مُتَّكَأٌ
غَيرُ الرَّزَايَا الَّتِي تَطُوفُ بِالمَكَانِ
وَأَكُفُ الأَربعَة تُلَوِّحُ
الوَدَاعَ الوَدَاعَ