لقد تميّز هذا الصحابي الجليل بميزات جعلته ذا منزلة رفيعة الشأن عند سيد الاكوان ، كيف لا والمرء على دين خليله..فقد رافق حبيب الله محمد (ص) في حلّهِ وترحاله لينتهل من منبعه الخالد علوما ومعارف إلهية ، لتجعله خليل المصطفى (ص) وأخيه امير المؤمنين ع
،لتشع في قلبه أنواراً
وانعكس جزء ولعله خيطا من خيوط أشعة انواره
بسبب غيوم القلوب الحاقدة التي حاولت وتحاول زمنا بعد زمن ان تُغيَّب انواره التي تحرق قلوبهم حسدا وغيظا كما فعل طاغية زمانه عثمان حينما نفاه إلى الربذة و منع الناس أن يودعوه ويشيعوه أيضا، ظنناً منهم ان بابتعاد شخصه يغيب الاثر
كلا والقمر،
والليل اذ ادبر
سيدبرون هُم ويُبصر صبحهِ يوما بعد يوم رغم أنوف الظالمين ؛ويأبى الله الا ان يُتِمَّ نوره ولو كرِه الكافرون...
ولقد طلّق الدنيا وزهد فيها كما فعل النبي ص وخليفته من بعده علي ع :"ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة" (الحشر الاية ٩)
كيف لا وقد تتلمذ على يد النبي الامي ص ويأخذ بوصاياه:
يا أبا ذر كن كأنك في الدنيا غريب، أو كعابر سبيل، وعد نفسك من أصحاب القبور...(١)
وأحد طرق محو الاثر وتشويه السمعة هو طريقة ألفاق الاحاديث الكاذبة لشخص قال في حقه الذي لاينطق عن الهوى :"مَا أظَلَّتِ الخَضْراءُ ( أي: السَّماء )، وَلاَ أقَلَّتِ الغَبْراءُ ( أي: الأرض ) مِن ذي لَهْجَة أصْدَقَ مِنْ أبي ذَر (٢)
أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو نائِمٌ عليه ثَوْبٌ أبْيَضُ، ثُمَّ أتَيْتُهُ فإذا هو نائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وقَدِ اسْتَيْقَظَ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ، فقالَ: ما مِن عَبْدٍ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ ماتَ علَى ذلكَ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ في الرَّابِعَةِ: علَى رَغْمِ أنْفِ أبِي ذَرٍّ. قالَ: فَخَرَجَ أبو ذَرٍّ
وهو يقولُ: وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبِي ذَرٍّ.(٣)
ثم انه نسأل من كتب هذه الرواية ومن قرأها كيف استساغ اجتماع النقيضين؟!!!!
أليست لا أله الا الله كلمة الاسلام
أليست لا اله الا الله عبارة مقدسة لها مقدماتها وآثارها ، بها بُني وشُيّد الاسلام العظيم الذي حطم أصنام الجاهلية المادية والمعنوية التي كانت تقودهم لفعل النواهي والمحرمات كشرب الخمر والزّنى ؟!!!!
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:" من قال ،لا إله الا الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه ان تحجزه لا إله الا الله عما حرّم "(٤)
وكذلك ما ورد في حديث السلسلة الذهبية عن مولانا الرضا (عليه السلام ):" إن اللَّه سبحانه وتعالى يقول : لا إله إلا اللَّه حصني فمن دخل حصني أمن (من) عذابي، ثم قال عليه السّلام : بشرطها وشروطها وأنا من شروطها "(٥)
ثم إنَّ هذه الرواية لم ترِد الا في صحيح البخاري..!!!
وناقل الرواية عمّم دخول الجنة بهذه العبارة دون ذكر الشرط او الضابطة المحددة لاطلاق الرواية وعمومها وهو ذكر التوفيق للتوبة.!! .
ولهذا نلاحظ الشيخ الصدوق في كتابه( التوحيد ص ٢٧) أدرج هذا الشرط حصرا...والذي بدوره أدرجه الميرزا محمد في كتابه *تفسير كنز الدقائق* مخبرا عن الشيخ الصدوق (قال مصنف هذا الكتاب-يقصد التوحيد- يعني بذلك انه يُوفَق للتوبة حتى يدخل الجنة )
.ليس ذلك فقط فقد نقل صحيح البخاري عنه رضوان الله تعالى عليه -ظلما وعدوانا-
خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَإِذَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمْشِي وحْدَهُ، وليسَ معهُ إنْسَانٌ، قالَ: فَظَنَنْتُ أنَّه يَكْرَهُ أنْ يَمْشِيَ معهُ أحَدٌ، قالَ: فَجَعَلْتُ أمْشِي في ظِلِّ القَمَرِ، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي، فَقالَ: مَن هذا؟ قُلتُ: أبو ذَرٍّ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قالَ: يا أبَا ذَرٍّ، تَعَالَهْ، قالَ: فَمَشَيتُ معهُ سَاعَةً، فَقالَ: إنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَومَ القِيَامَةِ، إلَّا مَن أعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فيه يَمِينَهُ وشِمَالَهُ، وبيْنَ يَدَيْهِ ووَرَاءَهُ، وعَمِلَ فيه خَيْرًا. قالَ: فَمَشَيتُ معهُ سَاعَةً، فَقالَ لِي: اجْلِسْ هَاهُنَا، قالَ: فأجْلَسَنِي في قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ، فَقالَ لِي: اجْلِسْ هَاهُنَا حتَّى أرْجِعَ إلَيْكَ، قالَ: فَانْطَلَقَ في الحَرَّةِ حتَّى لا أَرَاهُ، فَلَبِثَ عَنِّي فأطَالَ اللُّبْثَ، ثُمَّ إنِّي سَمِعْتُهُ وهو مُقْبِلٌ وهو يقولُ: وإنْ سَرَقَ، وإنْ زَنَى، قالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أصْبِرْ حتَّى قُلتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، مَن تُكَلِّمُ في جَانِبِ الحَرَّةِ؟ ما سَمِعْتُ أحَدًا يَرْجِعُ إلَيْكَ شيئًا؟ قالَ: ذلكَ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ، عَرَضَ لي في جَانِبِ الحَرَّةِ، قالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أنَّه مَن مَاتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلتُ: يا جِبْرِيلُ، وإنْ
سَرَقَ، وإنْ زَنَى؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قُلتُ: وإنْ سَرَقَ، وإنْ زَنَى؟ قالَ: نَعَمْ، وإنْ شَرِبَ الخَمْرَ. (٦)
أيُّ روايةٍ هذه ؟..
ثم ان هذه الرواية وسابقتها بعلم المنطق تحتمل ثلاث احتمالات ..إما ان الرسول ص قال ذلك حقا وحاشا له ص ،فهو لاينطق عن الهوى..
وإما ان الصحابي الجليل نقلها وهذا أبعد الاحتمال
لان النبي الامي الذي ارسله الله شاهدا ومبشرا ونذيرا يشهد له بالصدق المطلق
:""مَا أظَلَّتِ الخَضْراءُ ( أي: السَّماء )، وَلاَ أقَلَّتِ الغَبْراءُ ( أي: الأرض ) مِن ذي لَهْجَة أصْدَقَ مِنْ أبي ذَر! ..
وهذان الاحتمالان لا يحتملهما عقل ولا قلبٍ سليم..!!
والاحتمال الثالث هو محاولة التشويه ونشر الكذب والافتراء على الله ورسوله وعلى الصحابي الجليل (رض) ..متناسين ان الجيل الواعي يطلب الحقيقة ..تلك التي عكسوها بكلام متناقض ليسهّلوا على الزمن ان يكشفهم ويمحي أثر قلمهم الذي أغرّوه بحطام الدنيا فأصبح كالسراب...!!!
وها هو (رضوان الله تعالى عليه) يُنفى من دار كان الحقّ يعمل به والباطل يتناهى عنه ثم غيّم عليها حكم من نقضوا البيعة وأزالوا عن وجوههم قناع الاسلام لينقضوا كالسبع الضاري على أسس الاسلام وأموال المسلمين .
فالنار التي أعدها الله لمن قال تعالى وَالذينَ يَكْنزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا في سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أليم" ( التوبة الاية ٣٤)
لاتجتمع مع الجنة وطريقها المحفوف بالمكاره والجهاد ..جهاد الكلمة ،حيث أُخرست الاصوات ..
فيقوم كل من معاوية وعثمان بنفيه مراتٍ ومرات ،وهذه عادة الضعفاء هو نفي القوي حتى يتربّعوا على عرش الخلافة غصباً وعدوانا، كما يقول الطبيب النفسي غي ونش في مقالته التي نشرت على صفحات الموقع العلمي سيكولوجي تودي
(why some people will never admit they're wrong)
والذي يفسر سلوك لدى الأفراد الذين لا يعترفون بالخطأ بقوله: "إنهم يشوّهون إدراكهم للواقع كي يجعلوه أقل تهديداً لذاتهم. آليات دفاعهم تحمي أنانيتهم الهشة عن طريق تغيير الحقائق ذاتها في أذهانهم حتى لا يكونوا مخطئين أو مذنبين".
ولا تعد "الصلابة النفسية" التي يُظهرها هؤلاء الأفراد علامة على القوة بحسب الدكتور ونش، بل هي مؤشر على الضعف، فهؤلاء الناس لا يختارون الوقوف على أرض الواقع من أجل حماية "أنفسهم الهشة".
ويعتبر الطبيب ونش((أن الاعتراف بالخطأ أمر غير سار لأي مغرور، واصفاً إياه بالكدمات لنفسه الهشة.))
فسلام عليك أيها الشجاع والبطل المغوار واللسان الصادق الذي شهد له الصادق الامين..
حين مشيت بطريق الحق وحدك ، وحين تموت وحدك وحين تبعث وحدك...
(١) أعلام الدين في صفات المؤمنين - الديلمي - الصفحة ١٩٠
(٢)بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٢ - الصفحة ٣٢٩
(٣) صحيح مسلم، أخرجه البخاري (5827)، ومسلم (94)
(٤) التوحيد - الشيخ الصدوق - الصفحة ٢٧
(٥) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٩ - الصفحة ١٢٣
(٦) صحيح البخاري، أخرجه البخاري (6443)، ومسلم (94).