(قصيدة فاطمة الزهراء) للشاعر الدكتور محمد إقبال ابن الشيخ نور محمد، ولد في سيالكوت ـ إحدى مدن البنجاب وتربى فيها، سافر إقبال إلى أوروبا وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة ميونخ في ألمانيا، وعاد إلى وطنه، توفي إقبال 1938، تاركا خلفه تراثًا أدبيًا وفلسفيًا احتل به مكانة مرموقة بين كبار الشعراء والفلاسفة.
(فاطمة الزهراء)
نص ينبعث منه عبق الكوثر، والإيمان العميق بقداسة الزهراء عليها السلام.
تميز النص بقوة الدفق العاطفي وسلاسة النظم ووضوح المعاني.
بدأ إقبال رائعته ببيان الشّرف العظيم والمقام الرفيع الذي نالته السيدة مريم عليها السلام لولادتها بنبي الله عيسى عليه السلام، وبهذه الولادة المباركة خلّد ذكر مريم عليها السلام أبد الدهر.
نَــسَـبُ الـمـسيحِ بَـنـى لـمـريمَ سـيـرةً ... بَقِيَتْ عـلـى طــولِ الـمَـدى ذِكـراهـا
ومن ثمَّ انطلق بالتعريف بصاحبة القصيدة بأسلوب سلس وشيق يأسر الألباب،
يصف المجد الأثيل والمقام الرفيع لسيدة الكائنات على الإطلاق وعلو شأنها، وبيان أن مكانتها ومجدها يختلفان عن مكانة ورفعة نساء العالمين قاطبة.
والـمـجـدُ يُــشـرقُ مِـــنْ ثَـــلاثِ مَـطـالـعٍ ... في مــهـدِ فـاطـمـةٍ فَــمـا أعــلاهـا
فيقدم لنا الزهراء عليها السلام في تعريف بليغ وموجز يصور لنا به أفكاره وشعوره تجاه أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) بأسلوب استفهامي جميل (هِيَ بنتُ مَنْ؟، هِيَ زَوجُ مَنْ؟، هِيَ أُمُّ مَنْ؟).
مما يستفز ذائقة المتذوق ويشرّعها على عوالم وآفاق تأويلية خصبة.
هِيَ بنتُ مَنْ؟، هِيَ زَوجُ مَنْ؟، هِيَ أُمُّ مَنْ؟ ... مَنْ ذا يُداني في الفَخارِ أباها
ويواصل الإبداع بمدحها سلام الله عليها وامتداح أبي الزهراء ﷺ بذكر فضائله بلغة أدبية عذبة، فهو الرحمة المهداة وكعبة آمال النجاة ومحيي الشعوب وهاديها ومخرجها من الظلمات إلى النور.
هِــيَ وَمْـضَـةٌ مِــنْ نُــور عَـينِ الـمُصطفى ... هـادي الـشعوبِ إذا تَـرومُ هُـداها
هِـــو رَحــمـةٌ لـلـعـالَمينَ وَكَـعـبـةُ ال ... آمـــالِ فـــي الـدُّنـيـا وفـــي اُخــراهـا
مَـــــنْ أيْـــقَــظَ الــفِــطـرَ الــنــيـامَ بــرُوحِـهِ...وَكَـأنَّـهُ بَــعــدَ الــبِـلـى أحــيـاهـا
وأعـــــادَ تــأريــخَ الــحـيـاةِ جَـديـدةً ... مِـثـلَ الــعَـرائِـسِ فــــي جَــديــدِ حُــلاهــا
وهكذا ينتقل من فضائل رسول الله ﷺ إلى فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وما خصه الله به في الذكر الحكيم وأن ذاك الذكر هو تتويج من الله سبحانه وتعالى له وأن أمره واضح بيّن يفوق وضوح الشمس عند الضحى، ويصف تواضع صاحب هذا الجلال، فقصره كوخ، وكنزه سيف يختال بيمينه، وذكر مآثره وجهاده وكفاحه فقال.
وَلِـــزَوجِ فـاطِـمَـةٍ بــسـورَةِ هَـــلْ أتــى ... تـاجُ يـفـوقُ الـشـمسَ عِـنـدَ ضُـحـاها
إيــــوانُـــهُ كُـــــــوخٌ وَكَــــنـــزُ ثَــرائِــهِ ... سَــيـفٌ غَـــــــدا بــيَــمـيـنِـهِ تَــيّــاهــا
وهنا تبرز البراعة في شعر إقبال حيث صورة الحسنين عليهما السلام بغصنين متفردين لم تنجب النيرات مثلهما، فأحدهما قطب لقافلة الجهاد والآخر قطب لدائرة الوئام.
وتطرق لصح الإمام الحسن عليه السلام وترْك الخلافة وصون الجماعة،
ليعرج على أبي الأحرار وواقعة الطف الأليمة بصورة مشرقة بهية، حيث يحث على استقاء الدروس من سيرة جهاده وصبره سلام الله عليه.
فــــي رَوضِ فــاطِـمَـةٍ نَــمـا غُـصـنـانِ لَـمْ ... يُـنـجِبهُما فـــي الـنَـيِّـراتِ سِــواهـا
فَــأمــيــرُ قــافِــلَــةِ الــجِّــهـادِ وَقُــطــبُ ... دائِـرَةِ الـــوئــامِ وَالاتِّـــحــادِ ابــنــاهـا
حَــسَــنُ الــــذي صـــانَ الـجَّـمـاعَةَ بَـعـدَمـا ... أمسى تَـفَـرُّقـها يَــحـلُّ عُــراهـا
تَــــرَكَ الــخِـلافَـةَ ثُـــمَّ أصــبـحَ فـــي الـديـارِ...أمـامَ أُلْـفَـتَـها وَحُــسْـنَ عُــلاهـا
وَحُــسَـيـنُ فــــي الأحــــرارِ وَالأبــــرارِ مــا ... أزكــى شِـمـائِـلَـهُ وَمــــا أنْــداهــا
فَـتَـعَـلَّـموا رَيَّ الـيَـقـيـنِ مِــــنَ الـحُـسَـيـنِ ... إذا الــحَــوادِثُ أظـلَـمَـتْ بـدُجـاهـا
وَتَــعـلَّـمـوا حُــرِّيَــةَ الإيــمــانِ مِــنْ ... صَـبـرِ الـحُـسَـيـنِ وَقَــــدْ أجــــابَ نِــداهــا
الأمهات يَـــلِــدْنَ لِــلـشَّـمـسِ الـضِّـيـاءَ ... وَلِـلـجَواهِرِ حُــسـنَـهـا وَصَــفــاهـا
وختم الشاعر قصيدته بالحث على الاقتداء بسيرة الزهراء عليها السلام واتباع نهجها، فهي النور التي يقتفي القمر خطاها، وذكر نماذجا من عطاءاتها الغزيرة التي نقلت الروايات منه الكثير.
هِــــــيَ أُســـــوَةٌ لِــلأُمَّــهـاتِ وَقُــدوَةٌ ... يَـتَـرسَّـمُ الــقَــمَـرُ الــمُـنـيـرُ خُــطــاهـا
لَــمّـا شَــكـى الـمُـحـتاجُ خَـلـفَ رحـابـها ... رَقَّتْ لِـتِـلكَ الـنـفسِ فــي شَـكـواها
ونجده هنا يعيش المشهد بانسجام تام حين يخاطب السحب قائل.
جــــادَتْ لِـتُـنـقِذَهُ بــرَهْـنِ خِـمـارهـا ... يا سُــحْـبُ أيـــنَ نَـــداكِ مِـــنْ جَــدواهـا
ويصف إقبال نور الزهراء عليها السلام بالنور القدسي العظيم الذي تهابه النار لجلاله، وكيف أن الأفلاك تتمنى أن تنال شيئا من ضيائها سلام الله عليها
نُــــورٌ تَــهــابُ الــنــارُ قُــــدسَ جَـلالِـهِ ... وَمُـنـى الــكَـواكِـبِ أنْ تَــنــالَ ضِـيـاهـا
ويصف صبرها الجميل بالغذاء، وكيف أنها كانت ترى رضا زوجها هو رضاها.
جَـعَـلَـتْ مِـــنَ الـصَّـبـرِ الـجَّمـيلِ غِــذاءَهـا ... وَرَأتْ رِضا الزَوجِ الـكَـريمِ رِضـاهـا
وتتناغم عناصر الطاعة مع العبودية مشكلة لوحة فردوسية فريدة.
فَــمُــهـا يُـــــرَدِّدُ آيَ رَبِّــــكَ بَـيـنَـمـا ... يَدُها تُــديــرُ عَــلــى الـشَـعـيـرِ رَحــاهــا
بَــلَّــتْ وِســادَتَـهـا لَآلِــــئُ دَمْـعِـهـا ... مِـنْ طُــــولِ خَـشْـيَـتِـها وَمِــــنْ تَـقـواهـا
جـبـريـلُ نَــحـوَ الــعَـرشِ يَــرفَـعُ دَمـعَـهـا ... كَالطَّلِّ يَـــروي فـــي الـجـنانِ رُبـاهـا
لا شك أن كلَّما قيل في عظمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام قليل
فهي الأنموذج الفريد للمرأة الرسالية، وهي من اختصرت روح القداسة الإسلامية
بسيرتها الطاهرة العطرة، فعليها مني سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار
تعليق