عجيبة تلك اللوحة التي رسمها الدهر، تبدوا مألوفة وإن كانت معنونة بأسم خاص.
إنها لوحة ملحمية، تخالها تنطق عن لسان التأريخ لتصف بسالة بطل همام وقائد مقدام يقف بقامته الشماء ليحتل من اللوحة مساحة تليق ببطولاته الفذة وتضحياته العظيمة نصرة لدين الله الحنيف، وثباتا على ولاء إمام زمانه
قد احكم راحة يده اليمنى على مقبض سيفه في مواجهة جلاوزة الطغاة الملتفين حوله، وقد بدو كاقزام في مواجهة مارد عملاق، في حين أمتدت اليسرى عاليا لترفع راية الحق وقد كتب عليها "يا منصور أمت"
ومن خلفه اصطف ألاف الجنود بزيهم العسكري ،لكنهم ورغم قربهم منه قد أداروا ظهورهم وبدت وجوه بعضهم من الطرف الاخر وهي باسرة ترنو بأبصار مهطعة نحو قصر بعيد تعلوه سحب حمراء ويتدفق من بواباته دخان اسود لاح بين جنباته أشباح رجال.
وفي الجانب الأخر من اللوحة يقف ثلة من الرجال قد بانت عليهم إمارات العلم والعبادة، وهم منشغلون بالتفكر والتأمل قطبوا جبينهم متبرمين منزعجين كمن أسقط في يده، لايهتدون للحق سبيلا.
وفي الافق البعيد هنالك صحراء ....وقافلة !
فهل كان موقف مسلم بن عقيل حجة على اهل زمانه وحسب !؟
كم مرة تكرر هذا المشهد عبر التأريخ وكم قصة رواها لنا القرآن الكريم عن أبطال خذلهم قومهم وعن طغاة خدعوا الشعوب بأوهام وأباطيل ليبثوا فيهم الرعب،ثم لم يلبثوا أن تهالكوا بقوة الدماء الطاهرة الزكية فينقلب المتخاذلون نادمين متحسرين بعد انقشاع سحب الوهم وبطلان اهاويل إبليس.
كم مرة يجب ان يغربل القوم ليميز الخبيث من الطيب!
كم مسلم يجب ان يرمى من السطح او يعدم بالرصاص او في احواض التيزاب
او يقتل بين أحضان اولاده.....
حتى يتعرف الناس على عدوهم الحقيقي ومدى ضعفه فلا سلاح لديه سوى الوهم، ذلك الدخان الاسود الذي يبعث الرعب في قلوب الضعفاء، لكنه مجرد دخان......
الوهم الذي يقذفه في قلوب المتشككين والمترددين فيزدادوا شكا وريبة، الوهم الذي يزرع الحقد والعداوة فيفرق الجمع ويبعثر الشتات، فتضعف العزيمة وتخور القوى.
حتى متى نرى اللوحة بالمقلوب ونبكي على الشهيد ونحن أولى بالبكاء على أنفسنا، فلازلنا ننتفض عند بوابات القصور ونستجدي الحياة من تجار الموت، ولا زلنا ننخدع بأكاذيب شريح القاضي......
والحسين ينتظر .....
الامام ينتظر .......
ينتظر رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه لا تأخذهم في الله لومة لائم يحملون قلوبهم على دروعهم وشعارهم عن علم ويقين :
يا منصور أمت