كلٌّ منّا يبحث عن السعادة، فبعضهم يعتقد أن السعادة في رصد الأموال وامتلاك الكرسي، وأنها في كثرة الأولاد وعددهم و..و..و..، ولكن
السعادة الحقيقية تكمن في رضا الله عز وجل ولقائه، فالإمام الحسين عليه السلام يرى أنّ السعادة في الموت، إذ قال: "وإني لا أرى الموت إلا سعادة".(1)
وقد يذهل القارئ من هذه الحقيقة ويتساءل: كيف تتواجد السعادة في الموت الذي يفرّ منه أغلب البشر؟ وكيف يكون الموت وسيلة للسعادة وهو من
وسائل الرعب؟ وكيف يكون ما هو مخيف جميلاً؟ هذا ما رآه الإمام الحسين عليه السلام حينما خرج إلى جهاده التاريخي المقدس، إذ رأى الموت
سعادة؛ لأنه في طاعة الله عز وجل ورضاه على الدوام، كما أن روايات أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام قد مهّدت الجواب لهذا الأمر،
وبدّدت الضباب الذي يكتنف تفسير الموت بالسعادة الذي أعلن عنه الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء.
ويقيناً أنّ الموت أمر حتمي ينبغي الاستعداد والتهيّؤ لما يليه، وهو بلا شك انتقال من دار فانية إلى دار خالدة، وأنه اغتسال وتطهر من قذارة هذه
الدنيا، وتحرّر من قيود شهواتها وملذاتها، والتهيّؤ للّقاء بالله تعالى ورسله وأنبيائه والأئمة الطاهرين بقلبٍ مطمئن ونفس مستقرة.
فعند استعداد النفس واطمئنانها سيكون الإنسان أقرب ما يكون إلى الله، قالt: "إنّ أشد شيعتنا لنا حباً يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في يوم
الصيف الماء البارد الذي ينتفع به القلوب..".(2)
وسُئل الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام: ما الموت الّذي جهلوه؟ قال: "أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى
نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد".(3)
وعن الإمام الجواد عليه السلام - لما سُئل عن علة كراهة الموت - قال: "لأنهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عز وجل
لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا".(4)
....................................
(1) بحار الأنوار: ج44، ص192.
(2) ميزان الحكمة: ج4، ص256.
(3) موسوعة كلمات الإمام الحسنg: ص285.
(4) ميزان الحكمة: ج4، ص254.
لوية هادي الفتلاوي
تم نشره في المجلة العدد 88
تعليق