للقصة في القران مساحة كبيرة ودور مهم في ترسيخ المعلومات والاحداث لما لهذا السرد القصصي من تاثير محبب في النفوس وابلغ في التاثير والعظة، وعناصر بناء القصة في القران لها من الدلالات والاسرار الشيء الكثير، ومن خلال التامل البسيط في بعض القص القرآني لاحظت ان لها محورا خاصا يستقطب الاحداث ويكملها مع الشخصيات بتراتبية وهدفية في النسيج القصصي، وبعض هذه المحاور تكررت اربع مرات في كل قصة، ومن هذه القصص:
أ- قصة النبي موسى(عليه السلام)
ومحور هذه القصة هو (العصا) حيث تمركزت حوله بعض الاحداث المهمة في القصة وذُكر اربع مرات:
١- في الوادي المقدس طوى حيث كلم الله موسى تكليما وجعل من عصاه معجزة حيث تحولت الى حية تسعى،
ولا يخفى تأثير هذه الحادثة على قصة النبي موسى عليه السلام حيث جعله الله رسولا نبيا وكليما له وايده بمعجزاته واياته لهداية فرعون وملأه.
《وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مََٔارِبُ أُخۡرَىٰ (١٨) قَالَ أَلۡقِهَا يَٰمُوسَىٰ (١٩) فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ (٢٠) قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ (21)》(طه/١٧-٢٠)
والعصا هنا (لما ألقاها صارت في الحال حية تسعى، خرق الله العادة فيها وجعلها معجزة ظاهرة باهرة)(١).
٢- تحول العصا يوم الزينة الى ثعبان عظيم يلقف ما افك السحرة بأمر فرعون، 《فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ》(الشعراء /٤٥)، وهذه الحادثة تمثل المنعطف الكبير في القصة باكملها حيث سدد الله تعالى نبيه موسى عليه السلام بالمعجزة وبالنتيجة انتصار الحق على الباطل امام الملأ ليظهر صدق دعواه، ولعل من نتائج هذه الواقعة من ايمان السحرة بالنبي موسى عليه السلام لها التأثير الكبير في ايمان الناس بنبوته عليه السلام واتباع دينه، مع ملاحظة ان (تبديل العصا إلى ثعبان عظيم معجزة، وعودة الثعبان إلى عصا معجزة أُخرى)(٢).
٣- حينما فلق النبي موسى عليه السلام البحر بعصاه فانفلق الى نصفين، 《فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ》 (الشعراء/٦٣) ونتيجة هذا الحدث نجاة النبي موسى عليه السلام والمؤمنين من بني اسرائيل من العذاب المهين وهلاك فرعون وجنوده في اليم وبهذا تُطوى صفحة فرعون من القصة وتبدأ مرحلة جديدة من حياة بني اسرائيل.
٤-حينما امر الله تعالى موسى عليه السلام ان يضرب بعصاه البحر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا على عدد اسباط بني اسرائيل ليعلم كل اناس مشربهم في مرحلة ما بعد فرعون، 《وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 》(الاعراف/١٦٠)
وعيون الماء هذه هي احدى النعم التي انعم الله بها على بني اسرائيل اضافة الى تظليل الغمام لهم وانزال المن والسلوى كتعويض لهم على الهوان والعذاب الذي نزل بهم في زمن فرعون، ومرحلة بني اسرائيل اخر مرحلة في قصة النبي موسى من حيث المكانية.
ب-قصة النبي سليمان (عليه السلام)
ومحور هذه القصة هو (الحيوانات) حيث كانت لها اربعة احداث رئيسية في كل حيوان منهم له قصة بشخصياتها الرئيسية والثانوية المؤثرة في سير الاحداث وهي:
١- النعاج:
وقصتها المفصلة في الحُكم، وكانت هذه القضية في حياة ابيه النبي داود عليه السلام، وشكلت قضية النعاج مصدرا مهما حول الحكم والقضاء في البحوث والدراسات الاسلامية، وباختصار فإن حكم النبي سليمان عليه السلام كان اخف على صاحب الغنم من حكم ابيه النبي داود عليه السلام، ولا يمكننا باي حال من الاحوال ان نقدح بحكم النبي داود سلام الله عليه لقوله تعالى 《فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ》(الانبياء/٧٩)، لان النبي داود حكم براس الغنم الى صاحب الزرع المتضرر بينما حكم سليمان بنواتج الغنم لصاحب الزرع حتى يرجع زرعه كما كان وهو نفس الحكم في تعويض الخسارة ولكن مع الاحتفاظ بالغنم لصاحبه، ومنذ قضية حكم النعاج والنبي سليمان عليه السلام يتبوأ المقامات الرفيعة عند شعبه ليخلف اباه النبي داود عليه السلام في الملك وقيادة بني اسرائيل رغم وجود اخوته الاكبر منه سنا.
علي حسين الخباز, [26/07/2021 10:01 م]
باقر سجاد علي حسن الاول متوسط ب٢ عبير المنظور, [26.07.21 11:06]
٢- النملة
وذكر القران قصتها بالتفصيل في سورة النمل، وفي هذه المحطة تتبين لنا عظمة النبي سليمان عليه السلام كنبي وكملك وكقائد عسكري لجيش كبير ورغم ذلك له قلب رحيم في التعامل حتى مع الحيوانات فكيف ببني البشر،
《حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)》(النمل/١٨-١٩)، وبملاحظة محادثته مع النملة وتبسمه ضاحكا من قولها دليل على تواضعه واخلاقيته العالية في التعامل مع البشر وليس كما صوره العهد القديم (التوراة في الكتاب المقدس) بانه رجل حرب وقتل، لا هم له سوى احتلال الممالك ونهب ثرواتها.
كما ان النملة ذكرته بنعم الله عليه (فذكر ربه و نعمته أنعمها عليه و على والديه بما خصهم به)(٣).
٣- الهدهد
وهو المحطة الثالثة المهمة في سياق القصة ودوره الرئيسي في التمهيد لمجئ بلقيس ملكة سبأ وايمانها وقومها على يدي النبي سليمان عليه السلام، مع ما لهذا الحدث في امتداد ملك سليمان مع ما ووفرته مملكة سبأ من دعامة سياسية كبيرة لملكه بين الممالك الاخرى.
٤- الأرضة
وهي المحطة الاخيرة مع الحيوانات في قصة النبي سليمان عليه السلام وعبر عنها القران الكريم ب (دابة الارض) وهي التي انهت احداث القصة بشكل تام حيث اكلت الارضة منسأة سليمان التي كان يتكأ عليها حال مماته
《فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ》(سبأ/١٤)
وبسبب تلك الحشرة علم الانس والجن موت سليمان النبي والملك والقائد العسكري الذي اذعنت له الانس والجن والحيوانات ومن سخّر الله له الريح واسال له عين القطر مات في نهاية القصة لنصل الى نتيجة مهمة ان الجن لا يعلمون الغيب وفيه ارشادات تربوية وغرس لوعي البشرية على مر العصور بان لا ينصاعوا للدجل والشعوذة والخزعبلات التي تساهم في تجهيل الامم مهما علا شأنها في هذه البسيطة.
الهوامش:
(١) التبيان في تفسير القران، ج٧، ص١٦٥.
(٢) تفسير الامثل، ج١٢، ٢٣١.
(٣) تفسير الميزان، ج٦، ص١٥٧.
تعليق