قالت فاطمة الزهراء (عليها السلام ):
حبب الي من دنياكم ثلاث: تلاوة كتاب الله ، والنظر في وجه رسول الله، والإنفاق في سبيل الله.
نهج الحياة ، ج١، ص٢٧١
السيدة الزهراء.....ربة منزل أم ماذا؟
عندما يرد ذكر ربة منزل أو ربة بيت فإن أول ما يتبادر الى الذهن هو صورة أمرأة بسيطة وظيفتها الطبخ والتنظيف وخدمة الزوج والاطفال، فهل من الممكن القول فعلا أن السيدة الزهراء كانت ربة منزل؟ وإن صح قولنا فلم اصبحت سيدة نساء العالمين؟
لنعرج أولا على المعنى اللغوي لكلمة رب، فأذا كانت مشفوعة ب ال التعريف فهي من اسماء الله الحسنى ومن مختصاته ومعنى
الرب: (أصطلاحا)هو المالك المدبر وهو الله تعالى. أما أذا جردت من ال التعريف فيمكن حينها نسبتها للبشر ، مثل
رَبَّ الولدَ (فقهيا)ولِيَه ويتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدّبه.(١)
وربة منزل أو ربة بيت هي المرأة التي تختار أن تمتهن العناية ببيتها وتهتم بشؤون أسرتها وتدير أمور حياتهم وفق ما تراه مناسبا. وتقوم بمختلف مهام العناية داخل بيتها من تربية الأطفال إلى التنظيف إلى الطهي .وإذا تتبعنا تلك الشذرات القليلة التي انفرطت من عقد حياتها الكريمة فإننا سنجد أن السيد ة الزهراء قد أرتضت بمهام ربة البيت حسبما ورد في تفسير العياشي عن الامام الصادق عليه السلام أنه
قال : « إنّ فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت ، وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب : نقل الحطب وأن يجيء بالطعام . . » (٢)
وهي ليست بوظيفة هينة بل تحتاج الى الكثير من الصبر وبذل الجهد الجهيد مما قد يعرض المرأة للأصابة بالامراض الجسدية وحتى النفسية أحيانا، لكن تلك العاطفة والمحبة التي أودعها الله سبحانه برحمته في قلوب ألامهات هي التي تدفع بهن نحو هذا البذل الجزيل.
وقد روي عن الامام علي(ع) قال (دخل علينا الرسول(ص) وفاطمة (ع) جالسة عند القدر وانا أنقي العدس، فقال(ص): من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب، على خدمة العيال كفارة الكبائر ويطفئ غضب الرب ويزيد الحسنات والدرجات.(٣)
وما كانت السيدة الزهراء لتفوت على نفسها مثل هذا الاجر العظيم شأنها شأن السابقين الى مرضاة الحق سبحانه( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(٤) لكنها بأبي وأمي لم تقف عند هذا الحد، لان الانسان المبدع لا يرضيه المستوى العادي بل يسعى دوما نحو التميز،
فما الذي يجعل العمل ، أي عمل كان ، مميزا ونوعيا؟!
يقول علماء الاجتماع أن أجتماع العقل والحب هما اساس الحركة الواعية وعلى حد قول الكسيس كارل "العقل هو مصباح السيارة الذي يدلها على الطريق والحب هو ماكنتها التي تحركها ،وكلاهما لاشي بدون الاخر"(٥)
لقد نشأت السيدة فاطمة عليها السلام في كنف رسول الله صلفي الله عليه وآله والذي كان يقول لها "يا فاطمة أعملي، فإني لا أغني عنك شيء غدا"(٦)
فلا انساب بينكم يومئذا ولا شفاعة من دون طاعة.
لذا تربت على مبدأ الاستقلال والاختيار فأستقلت بنفسها فكانت فاطمة " أعلموا أني فاطمة " (٧) وأختارت القرآن الكريم منهجا حياتيا متكاملا " فيه تبيان كل شيء" فكان مصحف فاطمة، فأنتعشت روحها بنور العلم والمعرفةالالهية وأنعكس شعاعها على اهل بيتها وأولادها فكان كل واحد منهم نموذجا نوعيا للفرد المسلم، الحسن والحسين وزينب صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.
فأستحقت أن تكون سيدة النساء !
ليس لان ولادتها على يد اربعة من نساء الجنة ، أو لانها بنت خاتم الرسل او زوجة سيد الاوصياء، أم الائمة المعصومين أو لانها قتلت مظلومة مقهورة !
أوليس هذا هو جل مانعرفه عن الزهراء؟
بل لأنها بذلت الجهد لأداء مهامها على أكمل وجه، كأبنة وزوجة وأم ومجاهدة في سبيل الله، بالعقل والحب،متوسلة بالقرآن الكريم و مقتدية بشفيع الانام سعيا لرضوان الله سبحانه " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيهمْ مشكورا"(٨)
وبهذا ندرك تماما أن ربة المنزل إما ان ترتضي بمجرد الخدمة العادية لبيتها وعيالها، وأجرها محفوظ عند الله " إن الله لايضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى " أو ان ترتقي بهذه الخدمة وتقتفي خطى السيدة الزهراء فتنير مصابيح مركب العائلة بما تسعى لامتلاكه من أنوار العلم والمعرفة فيكون بيتها بيتا فاطميا أساسه التقوى وعموده الايمان الحق وسقفه العمل الصالح، فنؤسس لمجتمع قوي ،ناجح ومستقل. "وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (عليها السلام)