أراها بأنفاسي كلما دخلت الطف باحثة عن معناي، وأعود باكية، كوني أراها في كل مكان، أقرأ دهشتي بألف سؤال، أستحضر كل علامات الاستفهام:
- لماذا يسأل الإنسان عما يعرف؟
ـ الجراح بليغة وددت أن أعرف ماذا كانت تحدث نفسها
أقرأ
رقية مستمدة من الترقي والسمو والعلو وهو تصغير للفظ رقية، التعويذة ــ الدعاء ــ الابتهال إلى الله سبحانه تعالى
لا بد أن أدرك شروط الكتابة عن رقية كي أستطيع أن أسرد حكايتنا فيها، وحينها أعتقد أن الكتابة عن رقية ستكون بوعي وليس استنساخا من مصادر أخرى، كل يكتب عن رقيته التي نمت فيه قبل أن يولد، ورقية التي عندي ليست ابنة زمن مضى وانقضى بل هي ابنة اليوم وابنة الغد وأبنة كل جيل.
قرأت رسالة من طفلة عراقية إلى السيدة رقية، الطفلة العراقية اليتيمة اسمها رقية تقول:
-(أنا اسمي رقية وبابا شهيد ذبحوه الدواعش، حزنت كثيرا على أبي لكن ليس كحزنك ــ أنت أبوك الحسين عليه السلام، لقد رأيت رأس أبيك بلا جسد قبلته، عانقته، أنا يا سيدتي أهدوني كفي أبي، يديه فقط، أبي بلا جسد، أبوك الحسين ظل بالصحراء مرميا على التراب، وأبي بقي في الصحراء وحيدا بلا كفن بلا قبر يأويه، أريد منك أن تقولين لجدتك الزهراء عليها السلام، أريد أبي مع أبيك في قبر واحد، تلك أمنيتي والزهراء أعرفها لا تكسر بخاطري، سلمي لنا عليها كثيرا، وأمي تحبك كثيرا، أنا يا رقية أنتظر صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ليأخذ بثأر أبيك وأبي).
أعيد قراءة الرسالة عشرات المرات الموات لأشخص هذا الوجع الذي يشرك طفلة بعمر الرقيتين بنار الحرب، ووجع الفقد واليتم والتنكيل، رقية القرن السادس الميلادي يهدونها راس أبيها بلا جسد ورقية القرن الثاني والعشرين يهدونها اليدين بلا جسد، وهذا يدل على أن الجرح يتنامى في كل عصر وكذلك العقل الأموي يبقى يتعايش مع كل عصر فيه رقية، ويدل أيضا على أن معين الطف لا ينضب، وأمام هذه الجراح من يفسر لنا الرؤيا؟ في خربة الشام رأت أباها يبتسم لها.
جلست تنادي:
ـ أين أنت أبي الحسين؟ أنا رأيته الساعة، أحدث من وهذا القلب المكسور في خاطري يتدفق، الجرح ينزف ولا أحد يرحمنا، بل يمر البعض على التأريخ فينكأ الجراح ويمضي.
أختلف المؤرخون في وجود رقية بنت الحسين عليهما السلام، ينكرون لنا رقية، منهم من يرى أن للأمام الحسين سكينة وفاطمة ولا لديه ابنة بهذا الاسم، والجرح ينزف حقا حين يكون من الناكرين.
من له عند الشيعة مجلسا ومقاما، مثل الشيخ المفيد قدس سره في الإرشاد، والحافظ عبد العزيز في معالم العترة الطاهرة، والأربلي في كتاب كشف الغمة، وعند بعض المؤرخين بنات الحسين ثلاثة وهن سكينة وفاطمة وزينب، ومنهم من صرح بوجود أربع بنات (سكينة ــ فاطمة ــ زينب) ولم يذكروا الرابعة، تنوعت الجراح، هناك جرح ينزف وجرح يخنق وجرح يتنفس فينا، أبعد كل تلك المعاناة القريب والبعيد لينكر وجودها.
يفيض بي الجرح، أبن طلحة الشافعي في كتاب مطالب المسؤول، يرى أن أولاد الحسين عشرة ستة ذكور وأربع بنات ولم يذكر هو الآخر أسم رقية، وأبن الصباغ المالكي في كتاب الفصول المهمة يجتازها مؤيدا هذا النكران.
اتفق العلماء بوجود أربع بنات للحسين عليه السلام ولم يتفقوا على وجود رقية، قتلوا وجودها، فهل من ينصف الجرح باليقين، حتى يتبين لي أن الغاء وجود رقية من قائمة التضحيات في الطف جاء بإرادة أموية، طيب والعلماء الشيعة، ربما لم ينتبهوا لهذا الجرح النازف فينا منذ قرون.
هل من ينصف رقية ويمنحها وجودها، أنا أراها بأنفاسي كلما أدخل حومة الطف:
ـ هل من ناصر ينصر جراحنا، وهذا الشعور الدامى، يقول الشيخ ميرزا جواد التبريزي، إن اسم رقية جاء صريحا في بعض كتب الأنساب والتأريخ.
كتاب أبي الحسن البيهقي المعروف بابن فندق، عالم جليل القدر وعظيم الشأن (كتاب لباب الأنساب والالقاب والأعقاب) هذا الكتاب طبع بإشراف من مكتبة المرعشي، الجزء الأول، صفحة 355، لم يبق يوم الطف من أولاد الحسين عليه السلام سوى زين العابدين وفاطمة وسكينة ورقية، يرى بعض النقاد، أن أم كلثوم هي السيدة رقية، وقد أورد العالم الجليل عماد الدين الطبري، ورد في كتاب الكامل البهائي، هذه البنت رقية ابنة الإمام الحسين عليه السلام، وردت القصة كاملة فيها، السلام عليك مولاتي رقية ورحمة الله وبركاته.