بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
لا تخلو الدنيا عن وجود المخالف للآخر
قلما يوجد إنسان على وجه الأرض غير مبتلي بالمخالف له بالرأي أو الفكرة أو الثقافة أو العقيدة … بل حتى الأنبياء (عليهم السلام)، مبتلين بمخالفة بعض الناس لهم، يُقال أن موسى (عليه السلام) طلب من الله (عزّ وجلّ) أن يكف ألسنة الناس عنه فجاء الجواب الإلهي بأنَّ هذا الأمر لم أجعله لنفسي، فهناك من ينكر رب العالمين ويجحد ربوبيته وهناك من يعترض على قضائه وقدره إلى آخره، فإذن ماذا نعمل في الوسط الاجتماعي الذي نعيشه؟ ذلك الوسط الذي قد يكون العنصر المخالف فيه من أقرب الناس إلينا، فقد يكون المخالف زوج أو زوجة إذ قد يتزوج إنسان زواجاً لا يفلح فيه، وقد قلت في أحاديث متفرقة عند ما يتزوج الإنسان لا يضم نصف تفاحة إلى نصف آخر وإنما الزوج ثمرة وهي ثمرة هو نصف وهي نصف، تصور فاكهة ملفقة من نصفين كل نصف ينتمي إلى فاكهة لها جذورها لها فصيلتها النباتية وما شابه ذلك، فعلينا أن نوفق قدر الإمكان بين النصفين، والبعض ارتاح لهذه الفكرة واعترف بأن هذه الكلمة الصغيرة قلبت عنده الموازين.
وقد يكون المخالف؛ الولد أو الوالد، فقد يكون الولد إنساناً مثقفاً متربياً في وسط ديني له ثقافته الدينية التربوية ولكن أبواه قديمان جاهلان يعيشان العوالم القديمة في عوالم التربية قد لا يحسنان التصرف معه.
وقد يكون المخالف الأخ أو الأخت أو الولد، ماذا نعمل مع هذا الوسط المضطرب؟
في مقام الجواب نقول: أنَّ هنالك عدة حلول لذلك فمثلاً في خصوص إذا كان المخالف من الأرحام فالحذر أن تخلط بين التذلل وبين الذلة وبين التواضع الذي هو مقدمة لهدف أرقى، فقد رأيت في بعض المواقف عندما ننصح بأن يتعامل الزوج باللين والرفق مع زوجته، بعضهم من ذوي الإيمان العريق يقول؛ ماذا أعمل مع تلك المقولة التي تعلمناها منكم، أنّ الله (عزّ وجلّ) لم يوكل أمر الذل إلى الإنسان المؤمن ليس له أنْ يذل نفسه، أنا كيف أتحمل الذل من زوجتي؟! أقول: أخي العزيز، الإنسان إذا تظاهر بأنه تحمل الذل ليسجل موقفاً على المرأة ليدخل بذلك إلى قلبها، فإذا نصحها في المستقبل نفذت النصيحة إلى أعماق وجودها، فعندما يدخل الزوج في أعماق وجودها، الأمر مختلف تماماً -وينبغي للمؤمن الكيس الفطن أن ينتبه لهذا الكلام ويأخذ منه ما يعينه في زاد الآخرة فهذه الجمل مفاتيح لمسائل- فالذين لا يتعاملون مع ذوات الناس وإنما مع صورهم الذهنية، فمثلاً عندما تكون غاية العلاقة الزوجية تماس بدني فقط من دون أن يصل أحد الزوجين إلى كنه الآخر، فلا الزوج يتفاعل مع ذاتها ولا هي تتفاعل مع ذاته، والتفاعل منحصر مع صور ذهنية يرسمها أحدهما للآخر، فقد ترسم الزوجة صورة في بالها -ومن حسن حظ الزوج أن تكون إيجابية- فتعال الزوج بإيجابية وإذا كان الشيطان أخذ الريشة ورسم عنه صورة قبيحة في بالها، فماذا ينفع بعد ذلك إن كان الزوج ولياً من أولياء الله وفي نظر زوجته شيطان متجسد أو العكس؟
فهذه هي الدنيا مليئة بهذه الأمثال والفائز من رزقه الله حسن التصرف في تلك المواقف كي يخرج من هذه الدنيا معافى من الذنوب، وأود أن أعرض في هذا المجال دروساً مناسبة لحل كثير من المشاكل الاجتماعية مستمدة من حياة إمامنا السجاد (عليه السلام).
مجازاة الإساءة بالإحسان
فإذن الدعوة يجب أن نجعل لأنفسنا صور جميلة في أذهان من نتعامل معهم عندئذ لا داعي للصراخ ولا داعي للمواقف السلبية من الآخرين ولا داعي لإظهار البطولات وما شابه ذلك التي لاتجدي نفعاً بل ربما تزيد من تعقيد الأمور.
إذن ما هو الحل؟ والجواب الأسلوب التربوي هو الحل الذي يجسده موقف إمامنا زين العابدين (عليه السلام) -وحقيقة الإنسان عندما يقرأ هذا النص يعيش مزيج من التفاعل مع عظمة هذه الذوات التي أختارها الله (عزّ وجلّ) قادة للخلق ومن ناحية يتألم لما آلت إليه أمور الأمة- وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته يقال هذا الرجل كان من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) ابن عم من ذرية سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقف على علي بن الحسين (عليه السلام)، فأسمعه وشتمه فلم يكلمه (عليه السلام) فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه، الإمام (عليه السلام) يقول: أيها الأصحاب تعالوا هلموا معي لنذهب إلى هذا السيد الحسني لكي أريكم موقفي منه فقالوا: له نفعل ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول؛ يعني نحن أيضاً عصابة معك نذهب إلى بيت هذا القريب لنتخذ موقفاً -وأي سوء أعظم من أن يقف الإنسان أمام إمام زمانه ليشتم ولي أمره- يقول: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) توجه إلى دار الرجل، وأول موقف من ذلك أنه صرخ بالإمام فقال(عليه السلام): قولوا له هذا علي بن الحسين هذا علي بن الحسين؟! الباقي من ولد الحسين الذي ورث مصائب أبيه؟! هكذا تواجه الإمام السجاد(عليه السلام)! قال فخرج إلينا متوثباً للشر، وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): -ومع الأسف نحن ما أنصفنا هذا اللقب ادعينا مشايعة علي وآل علي، ادعينا أننا واليناهم، ادعينا بأننا على طريقهم وعلى منهجهم، اليوم خذ هذه العينة وانظر هل نحن كذلك؟! مع من أعيش الأمر إليكم- وقف الإمام وقال له (عليه السلام): يا أخي -أول لقب واجهه به قال يا أخي دخل إلى الزاوية العاطفية من وجود ذلك الرجل- يا أخي أنك كنت قد وقفت علي آنفاً فقلت وقلت فإن كنت قلت ما في فأنا أستغفر الله منه إن كنت الذي شتمتني من أجله حقاً أنا استغفر ربي من هذه الخطيئة وإن كنت قلت ما ليس لي فغفر الله لك يقول الراوي: قبل الرجل بين عينيه قال بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به قال الراوي للحديث: وأتعمد ذكر هذه الفقرة والرجل هو الحسن ابن الحسن.
على كل، هذا موقف من مواقف إمامنا زين العابدين (عليه السلام)، فينبغي للإنسان أن لا ينظر إلى مكابرة البعض فقد يكابر أحدهم وقد لا يعترف بالحق، ولكن قد ينظر إلى وجدانه في يوم من الأيام فعندما يتحمل أحدنا شيئاً من الزوج أو من الزوجة أو من الولد لا يظن بأنهم ينسون هذا الفضل، بل هذا الموقف يدخل في اللاشعور، وإذا به يوماً من الأيام يتحول إلى إنسان آخر.
أبني مملكة قلبك ومن حولك
ينبغي أنْ لا يكون الهدف في تعاملنا مع الناس هو كسر من يواجهنا وإنما أن نبني بناءً صالحاً في هذا المجتمع، ليكن هدفنا في الحياة أنْ نصل إلى هذه النقطة أن تغير ذوات الأشخاص، قبل فترة رأيت مهندساً حسب الظاهر ناجح في عمله وفي تعامله مع العمال بين يديه -وهنا ملاحظة سريعة للأخوة المهندسين لأنه هنالك تفاوت شاسع في عالم البناء بين المهندس ومن يتعامل معه ففي الأغلب العمال من طبقة مستضعفة فكرياً مادياً- فنلاحظ حالة من حالات الخروج عن الموازين الطبيعية كان يقول لي عن أسباب نجاحه في العمل في أنه كان يمتلك قلب العامل ويتسلط على قلبه وعندئذ تكون أوامره مطاعة، فهناك إذن انسجام بين المقاول والمنفذ.
وفي هذا المجال نقول إنَّ الحياة مقاولة والإنسان مهندس فيها، وأي هندسة أعظم من بناء أسرة؟! فنحن عندما نمنع بعض الأخوات من العمل في المجالات الرجالية أقول لهنَّ أي وظيفة أعظم من أن تكونين مهندسة لبيت الزوجية، أي وظيفة أعظم من أن تكوني طبيبة للقلوب لقلب الرجل وقلب الأولاد؟! نعم أنت مهندسة أنت طبيبة أنت حاسبة أنت مبرمجة ولكن لا مع الأدوات الصامتة بل مع الأنفس الناطقة.
انظروا إلى تطبيق هذا المبدأ في حياة إمامنا زين العابدين (عليه السلام) (دعا مملوكه مرتين فلم يجبه وأجابه في الثالثة قال له يا بني أما سمعت صوتي –قبل قليل قال لابن عمه يا أخي وهنا قال للمملوك يا بني، ومن المعلوم أنَّ المعصوم (عليه السلام)، عندما يتكلم لا يتكلم شعراً ولا نثراً عندما يقول يا بني يعني يعيش حقيقة مشاعر البنوة تجاه هذا المملوك- قال بلى قال فما لك لم تجبني قال أمنتك لا أجيب -طبعاً الإمام عند ما يناديه هنالك مهمة هناك تكليف هنالك عمل يقول الأفضل أن لا أرد على الإمام لئلا يكلفني بشيء- فقال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني)، الآمان في الجو العائلي والتربوي والوظيفي، نعم المملوك أخبر عن نفسه، أخبر عن تلك الصورة الذهنية، أنّ للإمام في ذهنه وفي قلبه له صورة جميلة ولهذا لم يخف من انتقام الإمام (صلوات الله وسلامه عليه).
معالجة جذور الإنحراف
إمامنا علي بن الحسين (عليهما السلام)، ذلك الذي صورناه عليلاً، وصورناه داعياً فحسب في يوم عاشوراء، وبعد ذلك تغلب عليه العلة، وبعد استشهاد أبيه في المدينة يغلب عليه الدعاء فحسب، والحال بأنه بهذه المواقف وبعد قرون، يعطينا دروساً تربوية، تبني للمجتمع الإنساني حياة طيبة هانئة، ونحن اليوم نتمثل المعاني التربوية من خلال كلماته (صلوات الله وسلامه عليه).
في بعض الحالات يرى أحدنا منكراً من أبيه أو أمه أو أخته، فالبعض يحاول أن يعمل بقوانين النهي عن المنكر حرفاً بحرف، يعني إذا استلزم الأمر أن يضرب أباه عن المنكر من الممكن أن يقوم بذلك بدعوى الإيمان، والحال أن معالجة المنكر مسألة طريفة جداً، ففي عالم الطب مثلاً؛ عندما يذهب المريض إلى طبيب ويشتكي من ورم خبيث في بدنه -هناك قيح في البدن- فالطبيب هل يدخلك إلى غرفة العمليات ويستأصل القيح؟! أم يذهب بك إلى المختبر لينظر لماذا هذا القيح لماذا هذا الورم الخبيث يبحث عن الجذور يعطيك مضاداً حيوياً مادة معينة ليعالج العلة لا ليعالج المعلول؟! في المفاسد الاجتماعية، الأمر كذلك، فإذا أراد أحدنا أن يعالج مرضاً اجتماعياً، فلينظر إلى جذور هذا المرض، فربما بعض الأولاد تميل نفسه إلى رؤية القنوات الإباحية، انظر ما الذي جعله كذلك؟ هل هي المعاشرة؟ هل هي الخيالات الجنسية؟ هل هي القراءات في هذا المجال؟ ما الذي جعل البنت لا تحب الحجاب؟
في مقام الجواب انظروا في حياة إمامنا علي بن الحسين (عليه السلام)، (كان بالمدينة رجل بطال -البطالون في كل عصر كثيرون نستجير بالله من هذا العنصر جيفة في الليل وبطال بالنهار، كثير من شبابنا اليوم وخاصة بين فترة الثانوية العامة وبين فترة العمل والزواج يعيشون هذه البطالة القاتلة- يضحك الناس منه قال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه يتوقع أن يضحك الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهو الذي يعيش أجواء المراقبة التامة مع ربه، إضافة إلى ما كان يعانيه من تبعات استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام)، فمر الإمام (عليه السلام)، جاء الرجل انتزع ردائه من رقبته ثم مضى نزع رداء الإمام حتى يلفت نظره (عليه السلام) فلم يلتفت إليه علي بن الحسين (عليهما السلام)، أخذ الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه فقال لهم من هذا قالوا هذا رجل بطال يضحك أهل المدينة – الإمام (عليه السلام) كان بإمكانه أن يوبخه أن يعاتبه أن يقول له كلاماً قاسياً ولكن الإمام ماذا قال- قال: قولوا له أن لله يوماً يخسر فيه المبطلون)
انتهى الأمر، إنّ لله يوماً يخسر فيه المبطلون، الإمام (عليه السلام) دخل إلى زاوية الفكر وزاوية الأعماق الفكرية لهذا الرجل؛ يعني ألا تؤمن بالقيامة؟! ألا تؤمن بيوم تحاسب على هذه الحركات الاستهزائية؟! ألا تفكر في عاقبة أمرك؟! جعل الرجل ينتقل إلى الخلفيات العقائدية بدلاً من معالجة هذه الظاهرة، أئمتنا (عليهم السلام) كانوا في نصائحهم ينفذون إلى العمق، أظن هذا الرجل غيّر مجرى حياته، وليس فقط مسألة الإضحاك والتنكيت وما شابه ذلك أظن غير مجرى حياته.
وقد جيء بإحدهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال أتأذن لي أن أزني؟ – النبي (صلى الله عليه وآله) أين ذهب؟ وأي وتر ضرب في حياته؟ عندما قال- (أتحب أن يزنى بأختك وأمك) المهم هذا أسلوب من أساليب تغيير الواقع في نفوس الذين نعيش معهم.
الخلاصة :القرآن الكريم كثيراً ما يستعمل أسلوب الأمثال فمثلاً يشبه الإنفاق في سبيل الله بالسنابل وغير ذلك ومن ميزات المثل إنَّه يقرب الفكرة، فالرسوم التوضيحية هي الصور المجسدة في الخارج ونحن نعلم في عالم التربية هنالك مختبرات تعليمية كذلك لله عزوجل مختبر تعليمي في عالم الوجود وهو الأمثال التي تجري وتمشي على وجه الأرض، المعصومون صلوات الله وسلامه عليهم عبارة عن تلك الأمثال المتجسدة في حياة الأمة.
لا تخلو الدنيا عن وجود المخالف للآخر.
قلما يوجد إنسان على وجه الأرض غير مبتلي بالمخالف له بالرأي أو الفكرة أو الثقافة أو العقيدة ..ألخ بل حتى الأنبياء عليهم السلام مبتلين بمخالفة بعض الناس لهم، يُقال أن موسى عليه وعلى نبينا السلام طلب من الله عزوجل أن يكف ألسنة الناس عنه فجاء الجواب الإلهي بأنَّ هذا الأمر لم أجعله لنفسي، فهناك من ينكر رب العالمين ويجحد ربوبيته وهناك من يعترض على قضائه وقدره إلى آخره. فإذن ماذا نعمل في الوسط الاجتماعي الذي نعيشه؟ ذلك الوسط الذي قد يكون العنصر المخالف فيه من أقرب الناس إلينا، فقد يكون المخالف زوج أو زوجة إذ قد يتزوج إنسان زواجاً لا يفلح فيه، فما هو الحل؟ الجواب هو النفوذ إلى أعماق القلب ووجود ذلك الشخص.
فالذين لا يتعاملون مع ذوات الناس وإنما مع صورهم الذهنية فإنَّ الشيطان يكون له مدخلاً عظيما فلربما يأخذ الريشة ويرسم عنه صورة قبيحة في الذهن. فماذا ينفع بعد ذلك إن كان الزوج أو الاب أو غيره ولياً من أولياء الله، ومن الحلول هي:
أولاً: مجازاة الإسائة بالإحسان.
ثانياً: أبني مملكة قلبك ومن حولك.
ثالثاً: معالجة جذور الإنحراف.
رابعاً: تحسس آلالام ومشاعر الأمة.
اللهم صل على محمد وآل محمد
لا تخلو الدنيا عن وجود المخالف للآخر
قلما يوجد إنسان على وجه الأرض غير مبتلي بالمخالف له بالرأي أو الفكرة أو الثقافة أو العقيدة … بل حتى الأنبياء (عليهم السلام)، مبتلين بمخالفة بعض الناس لهم، يُقال أن موسى (عليه السلام) طلب من الله (عزّ وجلّ) أن يكف ألسنة الناس عنه فجاء الجواب الإلهي بأنَّ هذا الأمر لم أجعله لنفسي، فهناك من ينكر رب العالمين ويجحد ربوبيته وهناك من يعترض على قضائه وقدره إلى آخره، فإذن ماذا نعمل في الوسط الاجتماعي الذي نعيشه؟ ذلك الوسط الذي قد يكون العنصر المخالف فيه من أقرب الناس إلينا، فقد يكون المخالف زوج أو زوجة إذ قد يتزوج إنسان زواجاً لا يفلح فيه، وقد قلت في أحاديث متفرقة عند ما يتزوج الإنسان لا يضم نصف تفاحة إلى نصف آخر وإنما الزوج ثمرة وهي ثمرة هو نصف وهي نصف، تصور فاكهة ملفقة من نصفين كل نصف ينتمي إلى فاكهة لها جذورها لها فصيلتها النباتية وما شابه ذلك، فعلينا أن نوفق قدر الإمكان بين النصفين، والبعض ارتاح لهذه الفكرة واعترف بأن هذه الكلمة الصغيرة قلبت عنده الموازين.
وقد يكون المخالف؛ الولد أو الوالد، فقد يكون الولد إنساناً مثقفاً متربياً في وسط ديني له ثقافته الدينية التربوية ولكن أبواه قديمان جاهلان يعيشان العوالم القديمة في عوالم التربية قد لا يحسنان التصرف معه.
وقد يكون المخالف الأخ أو الأخت أو الولد، ماذا نعمل مع هذا الوسط المضطرب؟
في مقام الجواب نقول: أنَّ هنالك عدة حلول لذلك فمثلاً في خصوص إذا كان المخالف من الأرحام فالحذر أن تخلط بين التذلل وبين الذلة وبين التواضع الذي هو مقدمة لهدف أرقى، فقد رأيت في بعض المواقف عندما ننصح بأن يتعامل الزوج باللين والرفق مع زوجته، بعضهم من ذوي الإيمان العريق يقول؛ ماذا أعمل مع تلك المقولة التي تعلمناها منكم، أنّ الله (عزّ وجلّ) لم يوكل أمر الذل إلى الإنسان المؤمن ليس له أنْ يذل نفسه، أنا كيف أتحمل الذل من زوجتي؟! أقول: أخي العزيز، الإنسان إذا تظاهر بأنه تحمل الذل ليسجل موقفاً على المرأة ليدخل بذلك إلى قلبها، فإذا نصحها في المستقبل نفذت النصيحة إلى أعماق وجودها، فعندما يدخل الزوج في أعماق وجودها، الأمر مختلف تماماً -وينبغي للمؤمن الكيس الفطن أن ينتبه لهذا الكلام ويأخذ منه ما يعينه في زاد الآخرة فهذه الجمل مفاتيح لمسائل- فالذين لا يتعاملون مع ذوات الناس وإنما مع صورهم الذهنية، فمثلاً عندما تكون غاية العلاقة الزوجية تماس بدني فقط من دون أن يصل أحد الزوجين إلى كنه الآخر، فلا الزوج يتفاعل مع ذاتها ولا هي تتفاعل مع ذاته، والتفاعل منحصر مع صور ذهنية يرسمها أحدهما للآخر، فقد ترسم الزوجة صورة في بالها -ومن حسن حظ الزوج أن تكون إيجابية- فتعال الزوج بإيجابية وإذا كان الشيطان أخذ الريشة ورسم عنه صورة قبيحة في بالها، فماذا ينفع بعد ذلك إن كان الزوج ولياً من أولياء الله وفي نظر زوجته شيطان متجسد أو العكس؟
فهذه هي الدنيا مليئة بهذه الأمثال والفائز من رزقه الله حسن التصرف في تلك المواقف كي يخرج من هذه الدنيا معافى من الذنوب، وأود أن أعرض في هذا المجال دروساً مناسبة لحل كثير من المشاكل الاجتماعية مستمدة من حياة إمامنا السجاد (عليه السلام).
مجازاة الإساءة بالإحسان
فإذن الدعوة يجب أن نجعل لأنفسنا صور جميلة في أذهان من نتعامل معهم عندئذ لا داعي للصراخ ولا داعي للمواقف السلبية من الآخرين ولا داعي لإظهار البطولات وما شابه ذلك التي لاتجدي نفعاً بل ربما تزيد من تعقيد الأمور.
إذن ما هو الحل؟ والجواب الأسلوب التربوي هو الحل الذي يجسده موقف إمامنا زين العابدين (عليه السلام) -وحقيقة الإنسان عندما يقرأ هذا النص يعيش مزيج من التفاعل مع عظمة هذه الذوات التي أختارها الله (عزّ وجلّ) قادة للخلق ومن ناحية يتألم لما آلت إليه أمور الأمة- وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته يقال هذا الرجل كان من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) ابن عم من ذرية سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقف على علي بن الحسين (عليه السلام)، فأسمعه وشتمه فلم يكلمه (عليه السلام) فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه، الإمام (عليه السلام) يقول: أيها الأصحاب تعالوا هلموا معي لنذهب إلى هذا السيد الحسني لكي أريكم موقفي منه فقالوا: له نفعل ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول؛ يعني نحن أيضاً عصابة معك نذهب إلى بيت هذا القريب لنتخذ موقفاً -وأي سوء أعظم من أن يقف الإنسان أمام إمام زمانه ليشتم ولي أمره- يقول: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) توجه إلى دار الرجل، وأول موقف من ذلك أنه صرخ بالإمام فقال(عليه السلام): قولوا له هذا علي بن الحسين هذا علي بن الحسين؟! الباقي من ولد الحسين الذي ورث مصائب أبيه؟! هكذا تواجه الإمام السجاد(عليه السلام)! قال فخرج إلينا متوثباً للشر، وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): -ومع الأسف نحن ما أنصفنا هذا اللقب ادعينا مشايعة علي وآل علي، ادعينا أننا واليناهم، ادعينا بأننا على طريقهم وعلى منهجهم، اليوم خذ هذه العينة وانظر هل نحن كذلك؟! مع من أعيش الأمر إليكم- وقف الإمام وقال له (عليه السلام): يا أخي -أول لقب واجهه به قال يا أخي دخل إلى الزاوية العاطفية من وجود ذلك الرجل- يا أخي أنك كنت قد وقفت علي آنفاً فقلت وقلت فإن كنت قلت ما في فأنا أستغفر الله منه إن كنت الذي شتمتني من أجله حقاً أنا استغفر ربي من هذه الخطيئة وإن كنت قلت ما ليس لي فغفر الله لك يقول الراوي: قبل الرجل بين عينيه قال بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به قال الراوي للحديث: وأتعمد ذكر هذه الفقرة والرجل هو الحسن ابن الحسن.
على كل، هذا موقف من مواقف إمامنا زين العابدين (عليه السلام)، فينبغي للإنسان أن لا ينظر إلى مكابرة البعض فقد يكابر أحدهم وقد لا يعترف بالحق، ولكن قد ينظر إلى وجدانه في يوم من الأيام فعندما يتحمل أحدنا شيئاً من الزوج أو من الزوجة أو من الولد لا يظن بأنهم ينسون هذا الفضل، بل هذا الموقف يدخل في اللاشعور، وإذا به يوماً من الأيام يتحول إلى إنسان آخر.
أبني مملكة قلبك ومن حولك
ينبغي أنْ لا يكون الهدف في تعاملنا مع الناس هو كسر من يواجهنا وإنما أن نبني بناءً صالحاً في هذا المجتمع، ليكن هدفنا في الحياة أنْ نصل إلى هذه النقطة أن تغير ذوات الأشخاص، قبل فترة رأيت مهندساً حسب الظاهر ناجح في عمله وفي تعامله مع العمال بين يديه -وهنا ملاحظة سريعة للأخوة المهندسين لأنه هنالك تفاوت شاسع في عالم البناء بين المهندس ومن يتعامل معه ففي الأغلب العمال من طبقة مستضعفة فكرياً مادياً- فنلاحظ حالة من حالات الخروج عن الموازين الطبيعية كان يقول لي عن أسباب نجاحه في العمل في أنه كان يمتلك قلب العامل ويتسلط على قلبه وعندئذ تكون أوامره مطاعة، فهناك إذن انسجام بين المقاول والمنفذ.
وفي هذا المجال نقول إنَّ الحياة مقاولة والإنسان مهندس فيها، وأي هندسة أعظم من بناء أسرة؟! فنحن عندما نمنع بعض الأخوات من العمل في المجالات الرجالية أقول لهنَّ أي وظيفة أعظم من أن تكونين مهندسة لبيت الزوجية، أي وظيفة أعظم من أن تكوني طبيبة للقلوب لقلب الرجل وقلب الأولاد؟! نعم أنت مهندسة أنت طبيبة أنت حاسبة أنت مبرمجة ولكن لا مع الأدوات الصامتة بل مع الأنفس الناطقة.
انظروا إلى تطبيق هذا المبدأ في حياة إمامنا زين العابدين (عليه السلام) (دعا مملوكه مرتين فلم يجبه وأجابه في الثالثة قال له يا بني أما سمعت صوتي –قبل قليل قال لابن عمه يا أخي وهنا قال للمملوك يا بني، ومن المعلوم أنَّ المعصوم (عليه السلام)، عندما يتكلم لا يتكلم شعراً ولا نثراً عندما يقول يا بني يعني يعيش حقيقة مشاعر البنوة تجاه هذا المملوك- قال بلى قال فما لك لم تجبني قال أمنتك لا أجيب -طبعاً الإمام عند ما يناديه هنالك مهمة هناك تكليف هنالك عمل يقول الأفضل أن لا أرد على الإمام لئلا يكلفني بشيء- فقال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني)، الآمان في الجو العائلي والتربوي والوظيفي، نعم المملوك أخبر عن نفسه، أخبر عن تلك الصورة الذهنية، أنّ للإمام في ذهنه وفي قلبه له صورة جميلة ولهذا لم يخف من انتقام الإمام (صلوات الله وسلامه عليه).
معالجة جذور الإنحراف
إمامنا علي بن الحسين (عليهما السلام)، ذلك الذي صورناه عليلاً، وصورناه داعياً فحسب في يوم عاشوراء، وبعد ذلك تغلب عليه العلة، وبعد استشهاد أبيه في المدينة يغلب عليه الدعاء فحسب، والحال بأنه بهذه المواقف وبعد قرون، يعطينا دروساً تربوية، تبني للمجتمع الإنساني حياة طيبة هانئة، ونحن اليوم نتمثل المعاني التربوية من خلال كلماته (صلوات الله وسلامه عليه).
في بعض الحالات يرى أحدنا منكراً من أبيه أو أمه أو أخته، فالبعض يحاول أن يعمل بقوانين النهي عن المنكر حرفاً بحرف، يعني إذا استلزم الأمر أن يضرب أباه عن المنكر من الممكن أن يقوم بذلك بدعوى الإيمان، والحال أن معالجة المنكر مسألة طريفة جداً، ففي عالم الطب مثلاً؛ عندما يذهب المريض إلى طبيب ويشتكي من ورم خبيث في بدنه -هناك قيح في البدن- فالطبيب هل يدخلك إلى غرفة العمليات ويستأصل القيح؟! أم يذهب بك إلى المختبر لينظر لماذا هذا القيح لماذا هذا الورم الخبيث يبحث عن الجذور يعطيك مضاداً حيوياً مادة معينة ليعالج العلة لا ليعالج المعلول؟! في المفاسد الاجتماعية، الأمر كذلك، فإذا أراد أحدنا أن يعالج مرضاً اجتماعياً، فلينظر إلى جذور هذا المرض، فربما بعض الأولاد تميل نفسه إلى رؤية القنوات الإباحية، انظر ما الذي جعله كذلك؟ هل هي المعاشرة؟ هل هي الخيالات الجنسية؟ هل هي القراءات في هذا المجال؟ ما الذي جعل البنت لا تحب الحجاب؟
في مقام الجواب انظروا في حياة إمامنا علي بن الحسين (عليه السلام)، (كان بالمدينة رجل بطال -البطالون في كل عصر كثيرون نستجير بالله من هذا العنصر جيفة في الليل وبطال بالنهار، كثير من شبابنا اليوم وخاصة بين فترة الثانوية العامة وبين فترة العمل والزواج يعيشون هذه البطالة القاتلة- يضحك الناس منه قال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه يتوقع أن يضحك الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهو الذي يعيش أجواء المراقبة التامة مع ربه، إضافة إلى ما كان يعانيه من تبعات استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام)، فمر الإمام (عليه السلام)، جاء الرجل انتزع ردائه من رقبته ثم مضى نزع رداء الإمام حتى يلفت نظره (عليه السلام) فلم يلتفت إليه علي بن الحسين (عليهما السلام)، أخذ الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه فقال لهم من هذا قالوا هذا رجل بطال يضحك أهل المدينة – الإمام (عليه السلام) كان بإمكانه أن يوبخه أن يعاتبه أن يقول له كلاماً قاسياً ولكن الإمام ماذا قال- قال: قولوا له أن لله يوماً يخسر فيه المبطلون)
انتهى الأمر، إنّ لله يوماً يخسر فيه المبطلون، الإمام (عليه السلام) دخل إلى زاوية الفكر وزاوية الأعماق الفكرية لهذا الرجل؛ يعني ألا تؤمن بالقيامة؟! ألا تؤمن بيوم تحاسب على هذه الحركات الاستهزائية؟! ألا تفكر في عاقبة أمرك؟! جعل الرجل ينتقل إلى الخلفيات العقائدية بدلاً من معالجة هذه الظاهرة، أئمتنا (عليهم السلام) كانوا في نصائحهم ينفذون إلى العمق، أظن هذا الرجل غيّر مجرى حياته، وليس فقط مسألة الإضحاك والتنكيت وما شابه ذلك أظن غير مجرى حياته.
وقد جيء بإحدهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال أتأذن لي أن أزني؟ – النبي (صلى الله عليه وآله) أين ذهب؟ وأي وتر ضرب في حياته؟ عندما قال- (أتحب أن يزنى بأختك وأمك) المهم هذا أسلوب من أساليب تغيير الواقع في نفوس الذين نعيش معهم.
الخلاصة :القرآن الكريم كثيراً ما يستعمل أسلوب الأمثال فمثلاً يشبه الإنفاق في سبيل الله بالسنابل وغير ذلك ومن ميزات المثل إنَّه يقرب الفكرة، فالرسوم التوضيحية هي الصور المجسدة في الخارج ونحن نعلم في عالم التربية هنالك مختبرات تعليمية كذلك لله عزوجل مختبر تعليمي في عالم الوجود وهو الأمثال التي تجري وتمشي على وجه الأرض، المعصومون صلوات الله وسلامه عليهم عبارة عن تلك الأمثال المتجسدة في حياة الأمة.
لا تخلو الدنيا عن وجود المخالف للآخر.
قلما يوجد إنسان على وجه الأرض غير مبتلي بالمخالف له بالرأي أو الفكرة أو الثقافة أو العقيدة ..ألخ بل حتى الأنبياء عليهم السلام مبتلين بمخالفة بعض الناس لهم، يُقال أن موسى عليه وعلى نبينا السلام طلب من الله عزوجل أن يكف ألسنة الناس عنه فجاء الجواب الإلهي بأنَّ هذا الأمر لم أجعله لنفسي، فهناك من ينكر رب العالمين ويجحد ربوبيته وهناك من يعترض على قضائه وقدره إلى آخره. فإذن ماذا نعمل في الوسط الاجتماعي الذي نعيشه؟ ذلك الوسط الذي قد يكون العنصر المخالف فيه من أقرب الناس إلينا، فقد يكون المخالف زوج أو زوجة إذ قد يتزوج إنسان زواجاً لا يفلح فيه، فما هو الحل؟ الجواب هو النفوذ إلى أعماق القلب ووجود ذلك الشخص.
فالذين لا يتعاملون مع ذوات الناس وإنما مع صورهم الذهنية فإنَّ الشيطان يكون له مدخلاً عظيما فلربما يأخذ الريشة ويرسم عنه صورة قبيحة في الذهن. فماذا ينفع بعد ذلك إن كان الزوج أو الاب أو غيره ولياً من أولياء الله، ومن الحلول هي:
أولاً: مجازاة الإسائة بالإحسان.
ثانياً: أبني مملكة قلبك ومن حولك.
ثالثاً: معالجة جذور الإنحراف.
رابعاً: تحسس آلالام ومشاعر الأمة.