المكان: ـ تجري أحداث المسرحية في سوق الكوفة
الزمان: ـ بعد أحداث واقعة الطف 61 هجرية
(تستعمل أزياء القرن الأول الهجري الزي العربي والعمامة، والسوق متنوع البضائع من فواكه إلى خضراوات، لحم، أدوات منزلية معظمها من الفخار، أقمشة..) يمر في السوق رجل غريب الهيئة بالنسبة لهم كونه يرتدي الملابس العصرية، جذب أنظار الناس إليه فراحوا يتبعونه، تجمهروا حوله مستغربين..)
شخص 1: ـ (مع البقال) من أي الناس هذا الرجل؟
البقال: ـ (رجل أشيب له وقار المكافحين) لا أدري
شخص 1: ـ هذه الملابس التي يرتديها لأي البلدان تعود؟
البقال: ـ لا أدري
شخص 1: ـ وهل يجيد لغتنا؟
البقال: ـ لا أدري..
شخص 1: ـ ما الذي تدريه؟
البقال: ـ الذي أعرفه أن عليكم استقباله بالحسنى، والترحيب به، ربما يحتاج مساعدتكم.
الزائر: ـ سلام عليكم
الشخص 1: ـ أوه إنه يجيد لغتنا
البقال: ـ (مع أهل السوق) ردوا السلام عليه أولا (مع الزائر) عليكم السلام، تفضل نحن بالخدمة
شخص 2: ـ (يستجوبه) نريد أن نعرف أنت من أي البلدان؟
شخص 1: ـ ولمن تريد؟ وماذا تريد؟
الزائر: ـ (تركهم وسار، مع نفسه) كيف سأتفاهم مع هؤلاء الناس؟
شخص 2: ـ (بغضاضة) أنت من أين يا رجل؟
البقال: ـ (يلومهم) رحبوا به أولا.. استقبلوه هو إنسان مثلكم (مع شخص 2 يسخر منه) من أين أنت يا رجل وكأنه متهمٌ حضر إلى مجلس القضاء،
(مع الزائر) تفضل يا أبن العم هل من خدمة، من أي البلدان قدمت إلينا؟
الزائر: ـ أنا لست من هذا الزمان
الجميع: ـ (باستغراب) نعم؟ (ينظر بعضهم إلى بعض وعيونهم غير مصدقة أن ترى رجلا من زمان آخر)
الزائر: ـ أنا لست من زمانكم
شخص 1: ـ (بسخرية) إنه ليس من زماننا، هذا يعني إننا هنا نعيش أكثر من زمان.
البقال: (محاولة منه ليهدأ الناس ويسيطر على الوضع) (مع الناس) اهدأوا أنا سافهم منه كل شيء (مع الزائر) أنت من أي زمان يا ابن العم؟
الزائر: ـ أنا غريب أزمنة
البقال: ـ وما الذي جئت تبحث عنه في زماننا
الزائر: ـ جئت أبحث عن شاهدة
أهل السوق: ـ (باستغراب واستهجان وصوت بعثر السؤال) عن ماذا؟
الزائر: ـ جئت أبحث عن شاهدة
شخص2: ـ (بسخرية) عن شاهدة؟ ... يعني إنه جاء يبحث عن امرأة، هل صدقتموني إنه جاء يبحث عن امرأة
أهل السوق: ـ امرأة إنه يبحث عن امرأة
البقال: ـ وما هي مواصفات هذه الشاهدة؟
الزائر: ـ إنها رأت بعينها يقظة التواريخ وعاشت قصة مأساة كبيرة، وتحملت خشونة الحياة نصرة للحق
البقال: ـ (يهدأ أهل السوق) لا تقلقوا أنا سأعرف منه كل شيء (مع الزائر) أنت تبحث عن امرأة.. من هي؟
الزائر: ـ ما الغريب بالأمر (ينظر إليهم) جئت أبحث عن امرأة، هي ابنة هذا الزمان
شخص: ـ (باستياء) أوه عدنا إلى لعبة الأزمنة، التي لم أفهم منها شيئا
البقال: ـ (يباغت أهل السوق) أهلا بك في زماننا، لكن قل لي من هي المرأة وما اسمها؟
شخص 1: ـ من هي؟
شخص 2: ـ من هي؟
البقال: ـ (بصوت هادئ) من هي الشاهدة التي تبحث عن شهادتها؟
الزائر: ـ جئت أبحث عن الجرداء،
البقال: ـ (مع أهل السوق) هذا الأمر من الأمور المقلقة عندنا.
رجل غريب الأطوار، يأتي إلى زمن آخر غير زمانه كما يدعي بهيئته الغريبة ويسأل عن امرأة (مع الزائر) تدعى الجرداء؟
الزائر: ـ نعم
البقال: ـ هل تعرفها سابقا؟ هل رأيتها؟ قابلتها من قبل؟
الزائر: ـ لا
البقال: ـ (يحاول ضبط النفس كي لا يتجاوز عليه أحد) عن أية جرداء جئت تسأل؟
الزائر: ـ (صار يشعر بالقلق، وتخوف من الأسئلة التي توجه له وكأنها استجواب) أنا جئت أبحث عن جرداء بنت سمير
شخص 1: ـ هل هي الشاهدة التي جئت تبحث عنها
الزائر: ـ نعم هي الشاهدة
شخص 2: ـ من تكون الجرداء، زوجة من؟
البقال: ـ (مع نفسه) لا يمكن أن يكون هذا الرجل عابثا، بل هو جاد في الأمر، جاء يبحث عن شاهدة وليس في الأمر ما يستر (مع أهل السوق) على مهلكم عليه لنعرف ما هي الشهادة التي يبحث عنها؟ ولنعرف ما نوع الشهادة؟ ضد من وصالح من؟ وهل تعلم الجرداء التي يبعث عنها مما يقول شيئا؟
الزائر: ـ أنا جئتكم اسأل عن امرأة اسمها الجرداء بنت سمير، وأعتقد أنها معروفة عندكم، هي زوجة هرثمة بن سليم
البقال: ـ (كأنه تذكر) إنها الخالة الجرداء (مع الزائر) بيتها في آخر السوق، (مع أهل السوق) بعدما عرفتم أنه يريد خالتنا الجرداء فماذا تريدون منه؟ خذوه لها
شخص 1: ـ نريد أن نعرف الأمر، ما الذي يريده من الخالة وهو الذي قطع فيافي الأزمنة؟ وأنا لا أعرف من أي زمن هو؟
شخص 2: ـ شيء لا يصدقه عقل، ابن زمان آخر، إلى أي زمن ينتمي
البقال: ـ (مع أهل السوق) المطلوب منكم أن تعلموا الخالة بأمر الرجل، أو أن تأخذوه إليها
(تظهر الجرداء أمام دارها التي هي إحدى بيوت السوق، امرأة كبيرة السن، صاحبة هيبة ووقار تمتلك شخصية قوية، ما أن ظهرت سكت السوق احتراما لهيبتها)
الجرداء: ـ من هذا الكريم الذي جاء يبحث عني؟
الزائر: ـ (بارتباك) أنا يا خالة.. سلام عليكم
الجرداء: ـ أهلا وسهلا بك يا ولدي، وعليكم السلام، من تكون؟ ومن أي مكان أتيتنا؟ الناس تريد أن تعرف سبب سؤالك عني، لقد هيجت لنا فضول أهل السوق، ولا شغل عندهم سواك
الزائر: ـ أنا يا سيدتي رجل موالٍ لأهل البيت عليهم السلام
الجرداء: ـ (تقف على طولها وتسلم) سلام الله عليك مولاي يا رسول الله وعلى أهل بيتك الطاهرين
أهل السوق: ـ اللهم صل على محمد وآل محمد
الجرداء: ـ تكلم يا ولدي أنت بأمان الله
الزائر: ـ أنا رجل من أنصار الحسين (عليه السلام)
الجرداء: ـ سلام الله على الحسين وأنصار الحسين، قل يا ولدي
وليسمع أهل السوق طلبك كي يذهبوا إلى أشغالهم
الزائر: ـ جئت من مستقر مرقده المبارك كربلاء.
الجرداء: ـ كربلاء هي رأس مال أنصار الحسين عليه السلام، هي لبيك يا حسين، قل يا ولدي
الزائر: ـ (مع أهل السوق) أجوب الأزمنة بحثاً عن شهادة ضمير حي، عاصر الأحداث ورأى وآمن...
الجرداء: ـ الحمد لله يا ولدي أن اختارنا الله صفوة نصرة وليه وندعو الله أن نكون من أنصار الحجة المنتظر سلام الله عليه، (برهة صمت، بحنو شديد) أمهلني لحظة كي أسترد أنفاسي، فأنا عرفت ما الذي جئت تبحث عنه؟
أهل السوق: ـ (بتوسل وفضول) اخبرينا يا خالة ما الذي جاء يبحث عنه
الجرداء: ـ (وقد هملت طلب أهل السوق) عليك أن تعرف يا ولدي، أن تكوين الأسرة والبيت نعمة من نعم الله، ولا شيء يفرق الإنسانة المؤمنة عن زوجها إلا الإيمان
الزائر: ـ انفصلتما؟
الجرداء: ـ لا ... لكنا اختلفنا... (برهة من الصمت/ تارة تنظر إليه وتارة لأهل السوق) أنا امرأة شيعية موالية لسيدي أمير المؤمنين علي عليه السلام، وافتديه بروحي وما أملك، وأهل بيته.
الزائر: ـ بارك الله بك يا خالة... وزوجك؟
الجرداء: ـ هذه هي المصيبة، التي جعلتي أبكي ليلا نهارا، واستغفر الله، زوجي هرثمة بن سليم
الزائر: ـ نعم حكايتنا هرثمة بن سليم
الجرداء: ـ هو زوجي، وهذا الرجل الذي هو زوجي قد خانه يقينه، (مع الناس) لا يمتلك في حق مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) سوى الريب والظنون وكلام الباطل في حقه الشريف.
الزائر: ـ ودورك أنت يا خالة؟
أهل السوق: ـ ألا نصحته ؟، أثرت عليه ؟،
الجرداء: ـ ماذا أفعل مع رجل ضيع البصيرة التي بإمكانها أن تجعله إنساناً.
(مع الزائر) لو تدري أن النصرة تحتاج إلى توفيق.
الزائر: ـ درس ثمين يا خالة.. النصرة تحتاج إلى توفيق،
أهل السوق: ـ النصرة تحتاج إلى توفيق
الجرداء: ـ كانت لديه أكثر من فرصة كان من الممكن استثمارها،
(تنتقل الإنارة على إحدى زوايا المسرح، الجرداء تجهز أمور القتال لزوجها، انتقالات الإنارة سريعة أثناء انتقالات المحاور)
الجرداء: ـ لأول مرة أفرح لذهابك للحرب
هرثمة: ـ أ لأني مع علي؟
الجرداء: ـ سلام الله عليه، عساك تتوفق بالقرب منه ومعايشتكم له طريق صفين.
هرثمة: ـ يبدو أنك تفرحين لهلاكي؟
الجرداء: ـ بل فرحة لنجاتك، وأنت بصحبة أمير المؤمنين عليه السلام
(تعود الإنارة لتسلط على السوق)
الجرداء: أ (مع الزائر) فرحت كثيرا أنه سيكون قرب البرهان الحقيقي لكل إيمان
الزائر: ـ ما الذي حدث؟
(تنتقل الإنارة على إحدى زوايا المسرح، الجرداء تستقبل زوجها)،
هرثمة: - أيعجبك ما فعل صاحبكم؟
الجرداء: - مَنْ؟
قال: - علي بن أبي طالب...!
الجرداء: - (تكمل الجملة) عليه السلام ما الذي فعله مولاي أمير المؤمنين؟
(من الممكن إدخال تقنية الداتشوب، لتعرض المقاطع الوصفية)
هرثمة: - ونحن نسير في الصحراء مررنا ببقعة من بقاع الأرض لا تختلف عن أية أرض أخرى، وزادت الدهشة عند الرجال حين توضأ ثم صلى ونحن ننظر، بعد ذلك اخذ تربها وشمه وقال
صوت أمير المؤمنين ع: (واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب).
هرثمة: ـ تهامس حينها القوم فيما بينهم، فمنهم من ازداد يقينا بنبوءة إمام، ومنهم من شط به العقل فتاه...
(تنتقل الإنارة: إلى السوق)
الزائر: ـ (متحمس) وزوجك؟
الجرداء: ـ (تبتسم) ثق أن الإيمان بولاية علي وأهل بيته (عليهم السلام) يحتاج إلى حظ كبير، هو وقف إمامي مستهزئاً
هرثمة ليقول: - هل هذا الرجل يعلم الغيب؟
الزائر: - وماذا قلت له؟
الجرداء: ـ (بحزم) لم أسكت طبعا (مع هرثمة) دعنا منك إيها الرجل، فإن مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقل إلا حقا...
الجرداء: ـ (مع الزائر) كنت أتمنى أن يمد الله في عمري لأرى هذا اليوم وأقول لهرثمة، (مع هرثمة): - مولاي ومولاك الإمام علي كان يتحدث عن هذا اليوم.
(مع الزائر) كنت اتمنى أن أقول له يوما
(مع هرثمة) هذا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذه نبواته، الحجة بينة لمن يعقل
(مع الزائر) لكن نصرة علي مثلما قلت لك تحتاج إلى بصيرة مدركة
الزائر: ـ أنت عشت هذا اليوم الموعود، ورأى زوجك بعينيه كربلاء وهي تفور بدم الشهداء المذبوحين.
الجرداء: - سار إلى كربلاء مع جيش ابن زياد.
الزائر: - وهل قاتل الحسين (عليه السلام) بعد كل الذي رآه وسمعه؟
الجرداء: - ما إن نزل كربلاء.. ورأى تلك البقعة التي وقف عليها يوما مع مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)، كبرت ردة فعله، فقرر مقابلة الحسين (عليه السلام).
الزائر (بفرح) أرحتني يا خالة...
الجرداء: - لا تستعجل الأحداث، ودعني أكمل لك شهادتي على أكمل وجه.
(برهة صمت). وقف أمام المولى أبي عبد الله وسلم عليه
(تسلط الإنارة على هرثمة، وهو واقف أمام شعلة نور)
هرثمة: - كنت يا مولاي جنديا في صفين مع أبيك الخليفة، ومررنا على هذه البقعة
صوت الامام علي عليه السلام: - (واها لك ايتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب).
الجرداء: ـ فرد عليه مولاي الحسين عليه السلام
صوت الإمام الحسين (عليه السلام): - دع عنك ما سمعت، ودعني أسألك: هل أنت معنا أم علينا؟
الزائر: ـ وماذا أجابه زوجك؟
الجرداء (بغضب): - أجابه زوجي الخائب
هرثمة: ـ لا معك ولا عليك، إذ تركت أهلي وولدي وأخاف عليهم من ابن زياد،
الجرداء: ـ واستأذن الحسين وولى هارباً.
الزائر: ـ ولى هاربا؟ وهل ثمة فرصة أنقى من هذه؟
الجرداء: ـ (غرقت ببكائها) ألم أقل لك أن نصرة أهل البيت (عليهم السلام) تحتاج إلى حظ كبير...؟!
الزائر: ـ (مع الجمهور) حصيلة رحلتي عبر الأزمنة كانت هذه الحكمة البليغة فتعلموها
إن نصرة الحسين عليه السلام تحتاج إلى توفيق (يرفع يد الدعاء) اللهم اجعلنا من أنصارهم في كل زمان ومكان